يتعرض القطاع الخاص والبيوت التجارية في العاصمة المختطفة صنعاء لمخاطر الإفلاس، بفعل المخطط الحوثي للقضاء والاستيلاء عليه، لصالح تمكين شركات تابعة لقيادات حوثية، دون الاكتراث لمخاطر إغلاق قطاعات صناعية وتجارية وطنية تسهم في تشغيل عشرات الآلاف من الأيادي العاملة وتساهم في الاستقرار التمويني والسلعي للمستهلكين في مختلف المناطق اليمنية.

ومنذ اجتياح مليشيا الحوثي للعاصمة صنعاء يتعرض القطاع الخاص لعمليات ابتزاز وتضييق مستمر عبر إغلاق ومصادرة مئات الشركات والمصانع والمنشآت التجارية، وفرض جبايات ورسوم وغرامات غير قانونية، واحتجاز البضائع في المنافذ والتصرف بها وبيعها وفرض قوائم سعرية، ناهيك عن استصدار أحكام وقرارات من النيابات الجزائية لمصادرة ونهب شركات ووضع العديد منها تحت ما يسمى بالحارس القضائي.

واستخدمت مليشيا الحوثي وسائل وأساليب تدميرية وابتزازية بهدف إخضاع القطاع الخاص وتطويقه وإحكام قبضتها عليه، مما يزيد المخاوف من انهيار المنظومة الاقتصادية وتزايد الأعباء على المواطنين وارتفاع أسعار المواد الغذائية واتساع دائرة الفقر وتعقيد الأزمة الإنسانية.

السيطرة على تجارة الوقود

منذ الوهلة الأولى لانقلابها على الشرعية، سنت المليشيات تشريعات غير دستورية تمهيدًا للسيطرة على مفاصل الاقتصاد الرسمي، ولعل أبرزها تحرير وتعويم تجارة وتسويق وتوزيع المشتقات النفطية، والذي سحب حصرية استيراد الوقود من شركة النفط، ووهبها لصالح شركات مستحدثة تتبع قيادات حوثية أنشأوها بالأموال المنهوبة.

القرار الحوثي مكن المليشيات من احتكار تجارة الوقود والغاز، وتأسيس أسواق سوداء، وجعل المستهلك أمام خيار واحد، يتمثل في دفع السعر الذي تحدده المليشيات وتجارها، بعد القضاء على المنافسة، ومضايقة كل التجار المنافسين، وفرض جبايات وإتاوات باهظة عليهم، وتوقيف شاحناتهم، ومداهمة مقراتهم.

كما أٌقدمت المليشيات على توسيع شريحة كبار مكلفي الضرائب، لتصل إلى أكثر من 25 ألف مكلف، وهي الخطوة التي ضاعفت الأعباء على الشركات والمؤسسات المتوسطة، في مقابل منح الشركات الحوثية الجديدة إعفاءات ضريبية وجمركية وامتيازات وعقود حصرية للاستيراد والتوزيع، الأمر الذي جعل العمل التجاري غير تنافسي في ظل إثقال كاهل شريحة معينة من القطاع الخاص بالجبايات والإتاوات، وفي الضفة الأخرى إعفاءات وامتيازات للقطاع الموالي أو التابع للمليشيات.

السيطرة على قطاع الأغذية

يؤكد مستهلكون أن هيكل السلع الاستهلاكية والغذائية في مناطق سيطرة مليشيات الحوثي، تغيّرت كليًا خلال الفترة 2015 – 2023م، بفعل القضاء على وكالات تجارية، واستبدالها بأخرى تابعة لقيادات حوثية، ناهيك عن توقف بعض خطوط الإنتاج الصناعية المحلية عن إمداد السوق بالسلع والبضائع بفعل الجبايات والإتاوات المختلفة، إضافة إلى توجه الشركات الحوثية الجديدة إلى أسواق بديلة كالأسواق الإيرانية والعمانية والهندية، حيث تم إغراق السوق المحلية بمثل هذه البضائع،ي خاصة في قطاع الأدوية والمستلزمات الطبية.

ولتمكين القيادات الحوثية وشركاتها من الإجهاز على القطاع الخاص، اشترطت المليشيات على التجار والمستوردين الحصول على تراخيص الاستيراد من وزارة الصناعة الحوثية، حيث يستغرق التاجر للحصول على ترخيص للاستيراد لأي بضاعة مهما كان حجمها نحو ثلاثة شهور، ويدفع في سبيل ذلك مبالغ باهظة، قبل أن ينتقل إلى لجنة المدفوعات الحوثية للحصول على العملة الصعبة اللازمة لتأمين فواتير الاستيراد والتي تم حصرها على تجار المليشيات الحوثية، فيما يتم دفع بقية التجار للسوق للمضاربة والحصول على العملة الصعبة.

وكان تقرير صادر عن مؤسسة "برتلسمان" حول مؤشر التحول الخاص للعام 2022؛ كشف عن توجه المليشيات الحوثية لاحتكار تراخيص الاستيراد والتصدير والعملات الأجنبية لعناصرها فقط، بغرض السيطرة على السوق، الأمر الذي عقَّد ممارسة الأعمال التجارية في مناطق سيطرتها.

ووفقاً للتقرير؛ فإن المليشيات أوقفت الإنفاق على الخدمات العامة الأساسية، وأحالت الكثير من هذه الخدمات إلى القطاع الخاص التابع لها.

منافذ جمركية وقوائم سعرية

وبعد وصول البضائع إلى الموانئ اليمنية يتعرض التجار والقطاع الخاص لموجة جديدة من الابتزاز، حيث أنشأت المليشيات نحو تسعة منافذ جمركية مستحدثة على تخوم المناطق الخاضعة لسيطرتها، وأقرت مؤخرًا تحصيل الرسوم الضريبية في تلك المنافذ بنسبة 100 بالمائة، ما يعني إلزام التجار بدفع الرسوم الضريبية للمرة الثانية بشكل كامل، ونصف الرسوم الجمركية، الأمر الذي ضاعف من تكلفة وصول السلعة.

وفيما تسببت الإجراءات والقرارات الحوثية التعسفية في تكلفة وصول وإنتاج السلعة، أقرت المليشيا مؤخرًا إجراءات اقتصادية شملت فرض قوائم سعرية لأصناف مختلفة من السلع، وإغلاق عدد من الشركات التجارية، تحت هذه المبررات، في مقابل إطلاق يد التجار الحوثيين في السوق دون رقيب أو حسيب، ما وفر سببًا إضافيًا لهجرة رؤوس الأموال من مناطق سيطرة المليشيات، أو إغلاق وتجميد الأنشطة التجارية.

اقتحام الغرفة التجارية

إجراءات وتعسفات المليشيات دفع الاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية في العاصمة المختطفة صنعاء، للتحذير من أن إجراءات وممارسات الانقلابيين الحوثيين، ستؤدي إلى هجرة ونزوح أصحاب رؤوس المال بحثًا عن الأمن التجاري والاقتصادي، متهمًا قطاع التجارة الذي يديره الانقلابيون بتدمير الاقتصاد اليمني، ومخليًا القطاع الخاص من المسؤولية عن عدم توافر البضائع في السوق خلال الفترة المقبلة.

واتهم الاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية، في بيان صادر عنه، الانقلابيين الحوثيين باتخاذ إجراءات تعسفية ضد القطاع الخاص بإغلاق الشركات والمؤسسات التجارية دون مسوغات قانونية أو أحكام وأوامر قضائية مختصة، والاستيلاء على بضائع التجار والتصرف بها عنوة، وفرض تسعيرات مخالفة للقانون وأنظمة السوق وشروط التنافس.

اعتراض القطاع الخاص على النهج الحوثي الرامي لتدمير القطاع الخاص والبيوت التجارية، واستهداف رأس المال الوطني، قابله تصعيد حوثي باقتحام مقر الغرفة التجارية الصناعية بأمانة العاصمة، وتعيين رئيس لمجلس إدارتها بالمخالفة للقوانين واللوائح، إضافة إلى استصدار أحكام بمعاقبة عدد من التجار ومصادرة مصانعهم ومستودعاتهم، في سبيل إسكات القطاع الخاص عن رفع صوته ضد التعسفات والانتهاكات الحوثية.

الحارس القضائي

الإجراءات الحوثية تعد امتدادًا للنهج الذي يعاني منه القطاع الخاص طيلة سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، من خلال تسخير القضاء كأداة للسيطرة على بعض الشركات التجارية والممتلكات الخاصة، فضلًا عن شرعنة المليشيا للنهب ومصادرة الحقوق، عبر استحداث ما يُسمى بنظام الحارس القضائي للتلاعب بحقوق ملكية الممتلكات والشركات التجارية، وإضفاء الشرعية على عمليات غسيل أموال منظمة ونهب ممنهج وواسع لثروات وممتلكات اليمنيين.

وكشف تقرير استقصائي عن استيلاء "الحارس القضائي" التابع للمليشيات على أكثر من (1,7) مليار دولار من قيمة واردات الأموال والشركات والمؤسسات والجمعيات، كما وثق إجمالي ما تم الاستيلاء عليه من قيمة الأموال والإيرادات للأصول والعقارات والمنقولات أكثر من ملياري دولار.

وجمع التقرير أسماء أكثر من (38) شركة كبرى ومؤسسة وجامعة ومستشفى، استولى عليها الحارس القضائي، و/أو يديرها/ صادرها/ فرض الحراسة عليها في العاصمة صنعاء وحدها.

القطاع المصرفي

جميع مجالات عمل القطاع الخاص لم تسلم من التعسفات والمخطط الحوثي للتصفية، فمن قطاع الوقود إلى الأغذية والأدوية، إلى المصارف والبنوك، حيث تعرض القطاع المصرفي لسلسلة من الانتهاكات ابتداء من مصادرة الحسابات الجارية للبنوك لدى البنك المركزي، ووقف سحب الفوائد على استثماراتها في أدوات الدين العام، وتمكين شركات الصرافة لتقوم مقام القطاع المصرفي، إلى تكريس الانقسام النقدي، عبر السماح بتداول العملة الوطنية بقيمتين مختلفتين، وتدمير المنظومة المصرفية التي تعد الشريان الأساسي للاقتصاد الوطني والقطاع الخاص، واستحدثت المليشيا شبكة واسعة من شركات الصرافة التابعة لأشخاص من سلالتها والموالين لها.

كما مثّل المرسوم الحوثي غير الدستوري المسمى قانون منع المعاملات الربوية، رصاصة الرحمة على القطاع المصرفي الذي يعاني بشكل كبير، حيث منعت المليشيات الفائدة في كافة التعاملات المالية بالبنوك والمصارف، تحت مبرر محاربة المعاملات الربوية، الذي يؤثر بشكل بالغ على نشاط القطاع الخاص، ويمنح مليشيا الحوثي حق مصادرة كافة الودائع المالية للتجار ورجال الأعمال لدى البنوك، ويفقد البنوك القيمة التجارية الوحيدة للفائدة من الخدمات التي تقدمها للجمهور.

ويؤكد اقتصاديون أن الهدف من الإجراءات يتمثل في إزاحة العديد من الشركات التجارية والبيوت التجارية الكبيرة، واستبدالها بنافذين من السلالة ذاتها أو موالين لها، بما يعزز من قدرتها على إعادة هيكلة المؤسسات الاقتصادية على نحو يتناسب مع توجهاتها في التأسيس للاقتصاد السلالي.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية