مخاوف تبتلع مؤهلات المتخرجين (تقرير)
"ماذا بعد التخرج؟!"، سؤال يقض مضاجع آلاف الطلاب المتخرجين في مختلف الجامعات اليمنية، الذين يزداد عددهم عامًا بعد آخر، وكل واحد منهم في جعبته تجربة تلهم بالكفاح والصمود، تقابلها الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد، لا سيما خلال سنوات الحرب المفروضة من قِبل مليشيا الحوثي المليئة بالمنغصات.
مخاوف جمّة
يرى الطالب "آدم الحريبي"، أن مخاوفه كثيرة يختزلها في استمرار الحرب، التي أثّرت على جميع مناحي الحياة المختلفة، بما فيها "المهنية"، وعلى حاملي مختلف التخصصات.
ويضيف "الحريبي" (طالب إعلام)، أن "توقف التوظيف منذُ سنوات يزيد من المخاوف تجاه إمكانية الحصول على وظيفة، نحن على وشك التخرج، حيث ينتظر الطالب بعد التخرج من الجامعة سنوات للحصول على فرصة عمل في مجال تخصصه.
ويتابع:" مخرجات التعليم لا تتناسب مع متطلبات سوق العمل. وشح فرص التوظيف وتدني التأهيل، ثنائي يبعث بالقلق والخوف بشأن المستقبل".
ادعاءات ومبررات
ويرد الأستاذ المساعد في قسم الإعلام وعلوم الاتصال في جامعة تعز، هشام الصليحي، على ما أسماها "ادعاءات ومبررات عدم التأهيل"، بأنها قديمة، قائلًا لوكالة" 2 ديسمبر": "الحرب، الواقع، الظروف ومستوى جودة التأهيل والتدريب، هي مبررات قديمة، وادعاءات لم تعد صالحة في زمن المصادر المفتوحة والمتاحة للتعلم والتدرب، واكتساب الخبرة لمن يريد".
ويردف: "إن اقتراب حلم التخرج يقتضي من الطالب شعورًا فرائحيًا بالضرورة؛ أما عكس ذلك فيفصح عن خلل في طبيعة الاتجاه الذي سلكه الطالب، وهذه مشكلة تتفاقم ولها أسبابها، وحلولها أيضًا".. مشيرًا إلى أن ظاهرة التذمر والادعاءات لدى المتخرج، تؤكد حاجته للإرشاد النفسي، والتوجيه المعنوي، ومساعدته على اختيار التخصص والمستقبل الذي يشبهه.
أين الواقع؟!
تساؤل يطلقه الطالب "ياسر المخلافي"، الذي اقترب موعد تخرجه من كلية الهندسة- جامعة الحكمة بتعز، ويقول لوكالة" 2 ديسمبر":" منذُ بداية مستوى رابع ورأسي يعجُ بتساؤل عما بعد التخرج، خصوصًا أن وضع المتخرجين الذي سبقونا لا يُطمئن البتة".
يضيف المخلافي: "قضيت سنوات عجاف خلال الفترة الجامعية وبذلت مجهودًا كبيرًا، كوني أعمل مساءً لتوفير الرسوم الباهظة لهذا التخصص، وأنا خائف جدًا أن يذهب كل ما قاسيته سُدى، وينتهي بي الأمر في مجال مهمش وكأني لم أدرس الهندسة يومًا".
ويتابع: "لم أعتمد على الجامعة فقط في اكتساب الخبرات الهندسية الصعبة؛ بل عملت على أن أطور قدراتي ومهاراتي التي شُغفتُ بها منذُ الصغر، ولديَّ ما يكفي لمواجهة احتياجات واقع سوق العمل بجدارة واحتراف، لكن أين الواقع؟!"، قالها بنبرة تنم منها خشيته من الآتي.
الجامعات ومتطلبات سوق العمل
لقد أدرك طالب الهندسة "ياسر المخلافي" أن الجامعة لا يمكن أن تمنحه كل شيء عدا الشهادة.. لذا؛ سعى لتطوير نفسه، واكتساب المهارة من مصادر أخرى، وتجاوز مخاوف تُعتبر أساسية لدى طلاب آخرين وضعوا كامل اعتمادهم على الجامعات ومناهجها، واتجهوا للتخصصات التي تضمن لهم مستقبلًا ماديًا كريمًا، لا إلى التخصصات التي يجدون أنفسهم فيها.
في هذا الصدد، يقول الأستاذ المساعد في علم الاجتماع "محمود البكاري" لوكالة" 2 ديسمبر": "إن عدم تلاؤم مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل يزيد من انتشار معدل البطالة في البلاد، كما تتشبع تخصصات ومجالات وتفتقر مجالات أخرى للعاملين المؤهلين.
ووفق البكاري، "يغلب على التخصصات الجامعية المجالات النظرية، وإذا وجِدت تخصصات تطبيقية فإنها تفتقر للتجهيزات الفنية اللازمة، من معامل وورش وآلات ومعدات التدريب، فتجد المتخرجين يتقدمون لوظائف إدارية قد تشبّع منها سوق العمل، وخاصة في الوظائف الحكومية".
ويوضح: "لقد اعتاد الشباب على البحث عن وظائف إدارية، ولم يهتم بتأهيل نفسه في مجالات المهن والحرف.. لهذا؛ لا شك أنهم سيصدمون بواقع العمل الذي يتطلب مهارة وخبرة قبل شهادة ودرجات علمية".
جامعات تُفاقم المخاوف
تعمل الجامعات الدولية على تحديث مناهجها كل فترة لمواكبة التغييرات الحديثة ومتطلبات سوق العمل؛ أما جامعاتنا فما زالت تُدرِّس مناهج حقبة السبعينيات، وأساتذة المقررات يتقيدون بهذه المناهج، ما يجعل مخاوف الطلاب طبيعية وليست مرضية بما أنها ناتجة عن عوامل تدعو للتخوف حقًا، وفقًا للاستشاري النفسي "محمد عامر".
عامر يرى "أن الفجوة الكبيرة بين المناهج وسوق العمل أضعفت الجانب المهاري لدى الطلبة، وهذا ما يجعل المؤسسات وأرباب العمل يطلبون الخبرة قبل الشهادة في كثير من المجالات التطبيقية، وهذه إحدى أهم المخاوف الكبيرة لدى الطلبة".
والحل في رأي عامر، يكمن في ضرورة أن يطور الطالب قدراته ومهارته تطويرًا ذاتيًا، حيثُ أصبح الإنترنت يتيح كل ذلك، بالإضافة إلى معرفة صياغة الـ(CV) بطريقة صحيحة للحصول على وظيفة، وعلى الدولة أن تحدّث المناهج وتلزم الجامعات بالاهتمام بالجانب العملي والتطبيقي، وإدماجهم بسوق العمل في مرحلة الدراسة للتغلب على هذه المعضلة.
تحديث البرامج
يشير أحد المتخصصين إلى أن "تخوف الطلبة من عدم حصولهم على وظيفة بعد تخرجهم، يترك أثرًا سلبيًا على نسبة أعداد الطلبة المتقدمين للدراسة في الجامعة عامًا بعد آخر".
عبدالناصر جبارة- رئيس وحدة الجودة والاعتماد الأكاديمي في كلية الآداب بجامعة تعز يقول "إن جامعة تعز تعمل على إيجاد حلول لهذه المشكلة متمثلة بدائرة التطوير الأكاديمي وضمان الجودة، بتحديث البرامج بشكل مستمر في أغلب العمليات والتخصصات حتى تواكب سوق العمل والتطور التكنولوجي".
قلق المرحلة
تقول الأخصائية النفسية ريم العبسي، لوكالة "2 ديسمبر": إن أي مرحلة جديدة يدخلها الفرد يصاحبها القلق وترافقها العديد من المخاوف، خصوصًا إذا كان لا يمتلك المهارات والأدوات اللازمة لمسايرة هذه المرحلة، هذه المخاوف قد تتطور إلى اضطرابات نفسية تؤثر على سلوك الفرد ومستقبله".
وتتابع: "إن الأثر النفسي له دور كبير في هذه المخاوف، مثل المحيط السلبي الذي ينقل الطاقات السلبية للفرد حول مستقبله وذاته، مثل الزملاء أو الأسرة".
وتضع الأخصائية النفسية، حلولًا نفسية تتمثل في حديث الطالب عن مخاوفه لذوي الخبرة، والتعرف على الأسباب الحقيقية وراء هذا الشعور ومصدره ومعرفة أساليب التخلص منه، مثل الاعتياد على التعبير عن المشاعر وعدم كبتها ثم الترويح عن النفس.
كما يجب على الطالب التدرب على مهارة اليقظة الذهنية التي تساعد على العيش في إطار الحاضر، والتركيز على نقاط القوة، وعدم الاستغراق في الماضي، والانشغال بالمستقبل، بالإضافة إلى معرفة أساليب العلاج المعرفي السلوكي والتثقيف النفسي.
ضعف القدرة الاستيعابية
مع تزايد نسبة عدد المتخرجين، أصبح من المستحيل الحصول على وظيفة في اليمن، حيثُ يتخرج سنويًا آلاف الطلاب في ظل معاناة سوق العمل اليمني من ضعف قدرته الاستيعابية لهذا الكم الهائل من المتخرجين.. لذا؛ فقد الطلاب أملهم في الحصول على وظيفة، وتلاشى شغفهم تجاه اكتساب الكثير من المهارات وتطوير قدراتهم؛ خوفًا من أن يكون كل ذلك مضيعة للوقت، حيث إن 41% من خريجي الجامعات اليمنية لا يتوقعون الحصول على فرص عمل في مجالهم؛ أما عدد المتخرجين الذين تقدموا للحصول على وظائف وصل إلى 15 ألفًا، حسب مسؤول في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.
وهذا يستلزم استراتيجية ثابتة تعمل على تهيئة المكان المناسب لاستيعاب المتخرجين الذين لا شك أنهم بحاجة إلى نوع من التأهيل والتكيف مع بيئة العمل، بالتعاون مع الجهات المعنية بالتدريب والتطوير حتى لا ينصدم المتخرج بمتطلبات غير معقولة ومهارات لم يكتسبها في سنوات التعليم.