بائع "المشاقر" الطفل محمد خالد.. قصة كفاح
يوقظ الطفل محمد خالد (12عاماً)، وهو يلوّح بالمشاقر، في نفوس البعض ذلك الولع الأصيل والمتوارث بتلك الحزم المشكلة بطريقة تقليدية فيشترونها منه، أو يحجمون عن ذلك لأسباب متعددة أبرزها الوضع المادي المتردي.
يجلب محمد، بشكل شبه يومي، عشرات المشاقر من إحدى القرى، ويبيعها على المارة وركاب الباصات والسيارات في شارع بير باشا وسط مدينة تعز، جنوبي غربي البلاد.
*عناء متعدد الأوجه
ليس لمحمد بسطة ومظلة تقيه أشعة الشمس اللافحة، كما لا يفترش الأرض ولا يستقر مع حزم المشاقر في زاوية محددة؛ إذ يتجول في نطاق مكان تواجده المعتاد حاملاً في يديه عددًا من المشاقر المشكلة بعناية ويحتفظ بكميات أخرى في الكيس الذي على ظهره.
لا يتوقف محمد عن عرض مشاقره على الركاب وسائقي الباصات والسيارات التي يتنقل بينها بخطى متسارعة تُظهر مدى حرصه على بيع ما بحوزته من مشاقر والعودة بالعائدات المالية إلى أسرته لتستعين بها في توفير بعض المتطلبات اليومية البسيطة.
ملامح محمد المنهكة ووجهه الأسمر المائل إلى السواد يفصحان عن قصة كفاح هذا الطفل، الذي يخوض رحلة شاقة وطويلة من قرية المبهاق التابعة لمديرية جبل حبشي غربي تعز.
تقع قرية المبهاق الجبلية على بعد 6 كيلو مترات تقريباً من مركز المدينة، وهي مسافة طويلة، يقول محمد خالد لـ"2 ديسمبر"؛ إنه يقطع معظمها سيراً على الأقدام، وما إن يصل منطقة الضباب حتى يتعلق خلسة على إحدى المركبات أو الوايتات (صهريج نقل المياه) لتقله إلى المكان الذي يبيع فيه المشاقر وسط المدينة.
يُعد محمد واحداً من عشرات السكان في قرية المبهاق الذين يزاولون نشاط بيع حزم المشاقر التي يزرعونها بكثافة
منذ اندلاع الحرب في العام 2015،
وذلك في المدرجات والجداول والشعاب كما يقول الشاب مبارك الوهابي لـ"2 ديسمبر"، مضيفاً أن باعة المشاقر يقطعون المسافة الفاصلة بين القرية ومدينة تعز سيراً على الأقدام في ظل انقطاع الطريق الرئيسي للقرية بسبب الحرب، وتعرضها لهجمات مليشيا الحوثي، إلى جانب غلاء الوقود وإيقاف السائقين لسياراتهم وشراء دراجات نارية ينقلون عليها الركاب مقابل أجرة باهظة.
*موروث قديم
وتواجه أسرة محمد، وغيرها في القرية، العزلة والفقر وصعوبة الظروف وندرة الأعمال، بزراعة المشاقر وبيعها في مدينة تعز، وهو نشاط متوارث وقديم.
المشاقر جمع مُشقر وهي حزم صغيرة مشكلة من ورود وأزهار وأغصان متنوعة مقطوفة بعناية من نباتات عطرية أبرزها الشذّاب والريحان والخوعة والأوزاب والنرجس والحمحم أو البياض والسواد، وكذلك الكاذي والفيجل والتور والرند والعطرية والداجية وغيرها.
والمشاقر واحدة من أبرز مفردات الموروث الشعبي القديم في اليمن، وخصوصاً تعز التي يعُدها باحثون المهبط الأول للمشاقر، ومنذ القدم اعتاد الرجال والنساء التزين والتطيب بها واستخدامها لأغراض أخرى.
ترتبط المشاقر بهندام الرجل والمرأة وتشكل مكملاً أساسياً للزي الشعبي، كما تحضر في تفاصيل حياة اليمنيين وزياراتهم وطقوسهم ومناسباتهم وأفراحهم ومآتمهم، وتدور حولها العديد من المعتقدات أبرزها قدرتها على طرد الأرواح الشريرة والوقاية من العين والمس والسحر وغيره، حسب باحثين.
*مصدر رزق
المشاقر بالنسبة للطفل محمد، مصدر رزق، فهو يجلب، وفق حديثه لـ"2 ديسمبر"، كل يوم من 40 إلى 50 مشقراً، يبيع المشقر بـ500 ريال، كما يلفت إلى تفاوت الإقبال عليه، موضحاً: "أبيع أحياناً جميع المشاقر التي جلبتها، وأحياناً أبيع بعضها ويتبقى البعض الآخر لأبيعها في رحلة اليوم التالي".
وكعادته، يصحو مبكراً ليحمل المشاقر المرتبة بعناية، لتحافظ على رونقها وتشكيلاتها، في داخل كيس بلاستيكي يضعه على ظهره حتى يسهل عليه المشي أو التعلق على السيارات، وحين يصل إلى بير باشا يقوم ببيعها حتى ساعات ما بعد الظهيرة.
يعود بعدها إلى قريته التي يقطنها آلاف السكان بنفس الطريقة التي أقبل بها إلى مدينة تعز، حينها يبدو منهكاً وغير قادر حتى على اللعب مع أقرانه الذين لا يشاطرونه نفس النشاط.