كثر من ثماني سنوات مرت من عمر حرب ضروس تشنها مليشيا الحوثي الإرهابية، على اليمنيين، حولت حياة آلاف الأسر في المناطق الرازحة تحت سيطرتها، إلى جحيم وعذاب مقيم، وكانت أكثر الفئات تضررًا هي فئة الموظفين الذين نهبت رواتبهم وحرمتهم من مصادر أرزاقهم، فأصبحوا وحيدين بين سندان الفاقة ومطرقة الأزمات الاقتصادية الحوثية التي جعلت الخبز حلمًا صعب المنال.. ويقف المعلمون في أعلى قائمة المسحوقين من ممارسات المليشيا التابعة لإيران، التي تستهدف العملية التعليمية بالدرجة الأولى، وبعد هذه السنوات يبدو أن الأنين بدأ يرتفع وتعلو أصوات المعلمين مطالبين بحقوقهم، في مقابل استمرار الكهنوت في عتوّه وطغيانه.    

ووسط إصرار المليشيات المدعومة إيرانيًا، على العبث بالعملية التعليمية الذي بدأ بقطع رواتب المعلمين والتربويين، مرورًا بتلغيم المناهج الدراسية بفكرها الطائفي، واستحداث تواريخ دراسية مخالفة للقانون، واستثمار جوع المعلمين لإرغامهم على أن يكونوا أدوات في مشاريعها التدميرية.. يندفع الموظفون في قطاع التعليم، اليوم، لقول "لا" في وجه الظلم، بدءًا بتنفيذ إضراب شامل في معظم مدارس العاصمة المختطفة صنعاء، للمرة الأولى، كاسرين بذلك حاجز الخوف من آلة القمع والبطش والانتهاكات الحوثية التي تمارسها ضد من يطالب بحقوقه.

تعالت أصوات المعلمين مطالبة بتسليم مستحقاتهم المنهوبة منذ سنوات لمواجهة الاستحقاقات المعيشية المتردية، ولاقت الدعوات للإضراب تفاعلًا واسعًا من قِبل مربي الأجيال الذين أضنتهم سنوات الجوع والفقر والمرض الحوثية.

يؤكد أحد موظفي نقابة المعلمين في صنعاء لـ"2 ديسمبر" دون ذكر اسمه خشية على حياته، بأن الإضراب ساد معظم مدارس العاصمة بشكل كلي، خلال اليومين الماضيين، فيما تم تنفيذه بشكل جزئي في عدد قليل من المدارس التي تخضع لسيطرة عناصر الحوثي.

وأورد مثالًا للمدارس التي شهدت إضرابًا كليًا: "ماجد للأولاد، وبغداد، والقدس، وأروى، والفرات، والكويت، وعبدالناصر، ومعاذ بن جبل"؛ فيما شهدت "مدرسة نسيبة للفتيات، وخالد بن الوليد، وصلاح الدين، وعائشة، وبلال بن رباح، وعمر المختار، ومدرسة غبش للبنات" إضرابًا جزئيًا.

وتابع: "نتوقع ارتفاع نسبة الإضراب وشعبيته خلال الأيام المقبلة، وسيتم التفاعل معه بشكل واسع من الناشطين والمثقفين والأهالي، خاصة وأنه يمس حياة أهم شرائح المجتمع"، لافتًا إلى أن الإضراب سيتواصل حتى تتم تلبية جميع مطالب المعلمين والتربويين، وعلى رأسها صرف المرتبات والمستحقات المالية كاملة.

معاناة 262 ألف معلم

وفقًا لتقرير منظمة "اليونيسف"، فإن نحو 600 ألف موظف مدني، بينهم 262 ألف معلم في مناطق سيطرة المليشيات الحوثية، قُطعت مرتباتهم لأكثر من 8 سنوات، من قِبل الحوثيين، بحجج ومزاعم متعددة زائفة.

حملات للمدارس

وشكّل إضراب المعلمين، حالة فزع ورعب ورهبة في صفوف المليشيات الحوثية، التي نفذت حملة مداهمة لعناصرها المدججة بالأسلحة لعدد من مدارس العاصمة صنعاء، خاصة المدارس النموذجية، مهددة بمعاقبة المضربين، في حين عمدت إلى إعلان صرف 30 ألف ريال (نصف راتب) للحاضرين، في محاولة منها للسيطرة على الوضع؛ إلا أن المعلمين باتوا يفقهون مثل تلك الألاعيب، وأعلنوا استمرار الإضراب حتى يتم صرف جميع حقوقهم المالية.

وذكر التربوي (أ. ب. ك)، أن المليشيات داهمت المدرسة وأفزعت الطالبات، بطريقة همجية كعادتها، في محاولة منها لإفشال إضراب المعلمين، وعمدت إلى صرف نص مرتب للحاضرين، مؤكدًا أن ذلك لا يمكن أن يحل وضع المعلم المعيشي ولا مشاكل الديون ومتطلبات الحياة اليومية.

وعود واهية

وفي هذا الصدد، يقول التربوي "محسن" لـ"وكالة 2 ديسمبر"، مكتفيًا باسمه الأول خشية على حياته: على مدى 8 سنوات ونحن نكابد وضعًا معيشيًا بالغ الصعوبة؛ جراء انقطاع الرواتب من قِبل المليشيا الحوثية، ووصل بنا الحال إلى حد الفقر المدقع، وهي تواصل تسويق أكاذيبها ووعودها بأنه سيتم تسليم المرتبات "قريبًا" دون تحديد تاريخ لذلك القريب الذي تاه على مدى السنوات الماضية.

مشيرًا إلى ما سببه جشع المليشيات "التي لا تشعر ولا تعنيها المعاناة المرهقة التي نعيشها بشكل يومي، ودفعت العديد من التربويين للعمل في أعمال شاقة لا تناسب أعمارهم حتى يؤمّنون قدرًا يسيرًا من المال لسد رمق جوع أطفالهم وأسرهم".

وأمام هذا الوضع المأساوي الذي وصل أعلى مراتبه يتابع "محسن": لم نجد أمامنا سوى تنفيذ حملة إضراب كسبيل وحيد لأخذ حقنا المنهوب، ولن نسكت قبل أن نحصل على حقنا كليًا.

مرحلة فارقة

من جانبه، قال التربوي "نشوان ناشر"، لـ"وكالة 2 ديسمبر": "نحن نمر بمرحلة فارقة وقاتمة جدًا، أبرز ملامحها تدجين المجتمع حتى يصبح مثقلًا بالواجبات ولا يرى له حقوقًا، ثم يعطيك فتات ما تبقى، وتقبّل اليدين وتكون عبدًا له دون أن تنبس بكلمة".

وأضاف: "لا يعقل ما تعيشه المليشيات من رفاهية في العيش، وتهمل المعلم وتنهب رواتب ثماني سنوات، في المقابل يعطيك 30 ألف ريال كحافز والتذرع بالحرب، وعلاوة على ذلك يجبرك بالتزامات وتوقيعات على صرف ربع راتبك. هذه عبودية وإذلال بحق المعلم.

فقر وبؤس

أن تكون معلمًا في مناطق سيطرة الحوثيين خاصة العاصمة المختطفة صنعاء، فذلك كفيل بأن تُهدر كرامتك وتعيش فقيرًا في وطنك، هكذا يبدأ أحد المعلمين بكلمات مليئة بالأسى، في حديثه لـ"2 ديسمبر"، مضيفًا أنه بات يعيش في ماراثون الفقر المدقع وباتت حياته جحيمًا بفعل نهب راتبه من قِبل الحوثيين، "لذا؛ لم يبق لنا أحد، خاصة مع تجاهل الأمم المتحدة في وضع حل لأزمة انقطاع الرواتب ووضع حد رداع يجبر المليشيات على دفع حقوق الموظفين".

يختتم حديثه: "سيواصل المعلمون إضرابهم عن التدريس، حتى تتم تلبية حقوقهم المالية المنهوبة".

من جانبه، يقول المعلم "سلمان" لـ"2 ديسمبر": "قبل اندلاع الحرب، كان قطاع التربويين الرسمي، الأكثر نشاطًا في تسليم رواتب الموظفين، بالإضافة إلى أنها رواتب منتظِمة تجعل الموظفين يعيشون حياة مستقرة، مقارنة بزمن الحوثي حيث بات الموظف التربوي والموظفون عمومًا يعيشون أسوأ فصول المعاناة؛ إذا مرض فليس لديه قيمة دواء، وعجز عن تسليم إيجارات المنزل، وغيرها من المآسي، ووصل بهم الحال للوقوف أمام أبواب المنظمات للحصول على معونات غذائية لتلبية جزء من احتياجات أسرهم".

يقابل قرار المعلمين برفع أصواتهم مطالبة بحقوقهم، بتفاعل مجتمعي واسع، حيث امتد إلى قيام العديد من أولياء الأمور بمنع أبنائهم من الذهاب إلى الدراسة تضامنًا مع المعلم، للحصول على راتبه المنهوب، الأمر يشعل هستيريا مليشيات الإرهاب والنهب والفساد ويقض مضجعها في أهم القطاعات التي تمارس فيها ضلالها وعتوها ونشر فكرها الطائفي، فضلًا عن تحويله إلى مصدر لتزويد جبهاتها بالمقاتلين الأطفال بعد تفخيخ رؤوسهم بالإرهاب.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية