عطروش في حوار مع وكالة" 2 ديسمبر" على هامش الاحتفاء به بدعم العميد طارق صالح
على هامش الاحتفاء به في مهرجان عيدنا تعز السادس الذي يقام بدعم من عضو مجلس القيادة الرئاسي العميد الركن طارق محمد عبدالله صالح، قصدت الجناح الذي يسكن فيه، في الفندق في مدينة تعز. الفنان المخضرم محمد محسن عطروش، برمزيته التأريخية، فقد ارتبط اسمه بثورة أكتوبر المجيدة، واصبح احد رموز التحرر الوطني من الأستعمار البريطاني، قال لي الماسترو أحمد راوح: يكفي عطروش أغنية" برع يا استعمار الخالدة." وحدثني عن جمال ألحانه الموسيقية. في طريقي أليه كنت أردد مقطوعات من أغنية،" يا رب من له حبيب" وصلت إلى غرفته في الفندق، طرقت الباب، وسمعت صوت يناديني بالدخول، دخلت الغرفة ووجدت إعلاميين يهموا بالخروج، كانوا ياخذون منه تصريحا صحفيا، صفى الجوء لكلينا، وكان هو من بدأ الحديث: ماذا عندك؟!
سالت عطروش مبدئيا: هل يمكنني أن أوصفك بقولي: محمد محسن عطروش الفنان الذي كان يعزف القنبوص في الحضرة؟!
أبتسم، فأراحتني ابتسامته وقال: تلك قصة في طفولتي، أنا كنت منشد في طفولتي، كان أي يأخذني معه إلي حضرة الشيخ الديني في القرية وكنت أنشد فيها، وحدث ذات يوم أنا كان معي قنبوص، آله موسيقية صنعتها بيدي، العود غالي الثمن آنذاك ونادر أن تجده، كنت أنشد وأعزف بالقنبوص، شيخنا رفض أن أعرف بالقنبوص، فصاح بوالدي طلب منه أن يخرجني من الحضرة وقال لي أنت كافر وقال لوالدي ابنك كافر، فاخرجني والدي من الحضرة. الموقف هذا شكل عندي عقدة ونزوع لاثبات وجودي قلت لابد أن أصبح فنان.
- يقال أن الفنان الذي يبدأ في النشيد الديني يكسبه ذلك أمكانات وقدرات صوتية عالية يعني أنت مدين للنشيد الديني؟!
لي رأي خاص بغض النظر عما قلته. الأنشودة الدينية عبارة عن غزل مهذب في النبيل محمد (صلى) ، ما الفرق بينه وبين الأغنية الغزلية؟! هذا غزل في شكل تصوف قدسي في النبي وصحابته وذاك غزل جزئي في قضية عاطفية، حكاية حب، والحب هو أساس الكون، لا يمكن اتصور كون بدون حب، المجتمع اشبه بصقور جارحة، الحب يجعل الحياة ممكنة.
- "يا رب من له حبيب لا تحرمه من حبيبه" يبدو أن خلف هذه الأغنية قصة عاطفية ما؟
قال متحفزا: قصة إنسان أراد أن يتزوج من شابة أحبها، لكن أهلها رفضواه، فجلس سنين طويلة ينتظر أن يوافقوا على تزويجه، مات الأب، فلجأ إلى أمها، وفي هذه الظروف وافقت الأم، فتزوج، ولكن لمجرد ما تزوج لم يلبث سوى شهور قليلة ومات الشاب.
على نحو مباغت قلت لعطروش: هل عشت تجربة عاطفية في حياتك؟!
رد بسرعة وكأنه ينفي عن نفسه تهمة: لا، أنا لا أترجم تجاربي الخاصة إلى أغاني، ما فيش حد يترجم قصته في أغانيه، قصتي أحفظها لوحدي، قدسيتي لوحدي، أغار عليها كما أغار على أغلى شيء في حياتي. الإنسان لا يحب أن ينشر تجريته العاطفية عبثيا للناس، حتى عنترة بن شداد لما أحب، جميل بثينة، هناك ظروف أجبرته للإنطلاق في إشهار حبه.
- المرأة في حياتك بماذا تصفها؟
الشريك الأساسي في الحياة الذي لا بد منه.
- هل المرأة كانت ملهمة لك في التلحين؟
من يوم ما خلقنا الله على الأرض وهي ملهمة.
تحمست لردوده وقلت له أنا سعيد أنني أحاور فنان كبير وبنفس الوقت يمتلك قدر عالي من الثقافة.
قال: ربي يحفظك
سالته: درست الأدب الإنجليزي في القاهرة لماذا لم تدرس الموسيقى.
قبل أن أنهي سؤالي قال: أنا درست الموسيقى لمدة ثلاث سنوات، الأستاذ الذي كان يدرسني الموسيقى، قال لي: يا ابني أنت بترجع اليمن، الموسيقى ما تأكلش عيش، ادرس دراسة تفيدك، ثلاث سنوات تكفيك، هضمت فيها كل النظم والقوانين والمقامات الموسيقية، تكفيك لتصبح ذخيرة حية للموسيقى.
-في الطفولة من دربك على العزف والموسيقى؟!
قال لي بصوت مرتفع: الطفولة قضيتها وأنا منشد ديني، استمريت بالإنشاد لحتى دخلت الإبتدائية، علمني أبي التجويد، درسني الفقه الإسلامي، حفظت القرآن صم وعمري 12 سنة.
قلت لمحمد عطروش راجعا بذاكرته الى الطفولة: عشت حياتك في عدن ؟!
- لا، أنا عشت في أبين في قرية المحل وعشت في عدن مؤخرا.
- أغلب ألحانك لحنتها في أبين أم في عدن؟!
ليس لي صومعة محددة، في عدن، في ابين، في كل مكان.
- ألا تحمل في قلبك عشقا خاصا لمدينة عدن؟!
قال: أنا عشقي رحال معي، عشقي وجداني منفتح لكل تجارب البشر، تلك نظرية قديمة، أسمها نظرية الفن للفن، لقد انقرضت. مع تطور المجتمعات أصبحت قيمة الفن للإنسان، قيمة الفن للوطنية.
تقصد أن الفن أصبح للإنسانية كلها؟سألته.
تابع حديثه: الفن للناس الذين الذين يعيشون في هذا الوطن، الفن للمجتمع هذا، وأنت تغني تستمد ذخيرتك من هذا المجتمع وتعيد صياغته صياغة فنية جديدة لنفس المجتمع.
سألت الفنان محمد عطروش: محمد عطروش قصة 1000 عمل لحني هل هذا الرقم صحيح؟!
قال لي بنبرة لا تخلو من الزهو: أنتجت ما يقارب 1200 لحن، والذي سجلته للإذاعة والتلفزيون لا يعادل ثلث هذا الرقم، وسألني: انظر الآن كم النسبة الضايعة؟!
رديت على سؤاله بسؤال: أين ذهبت بقية الألحان؟!
رد علي بصوت مرتفع وقد بدى على وجهه الإنفعال: اسأل نفسك واسأل المجتمع حقك؟
فشعرت بالحيرة، ولم أحب أن أعيد عليه السؤال لانفعاله.صمت قليلا ثم قال:
أنا عشت في حرب من أجل عودي الغنائي، من شأن أثبت وجودي، حرب دفاعا عن نظريتي في هذا المجال، اما الذي تسجل هو ما يعادل ثلث ألحاني، ألا ترى أن هذه خسارة كبيرة.؟!
- ما هي أشد الصعوبات التي واجهتها في حياتك الفنية؟!
التنافس غير الشريف، طغيان المادة على الوسط الفني.. عندما تتطفى المادة في الوسط الفني ويصبح الفنان همه كم بيأخذ، هناك لا تطمح بأي تطور، ستجد من يحاربك وإذا أستمريت تحارب سوف تتشتت، يجب أن تبتعد وتحافظ على نفسك. والذي يحافظ على الفنان هو الا ينجر الى ردود الأفعال.
- كيف كنت تنتج ألحانك؟
كل فنان موسيقي تتولد في جوفه أشجان تأتي هذه الأشجان من جميع ما يحيط به في حياته، فيبدأ يتأثر بها، وعندما تصل إلى مرحلة العشق الجامح ينزع هو إلى ترجمتها إلى صور لحنية لأشعار أستلمها تجسد هذا العشق، كل فنان لديه ذخيرة معينه من هذه الصور اللحنية، أيوب طارش له ذخيرته، المرشدي، محمد سعد، الإلهام لا يأتي من السماء، الفنان الفطن عندما يكتسب خبرة يستطيع أن ينتزع تعابيره بطريقة سهلة ممتنعة.
قاطعته بسؤالي: تعني أن ليس هناك طقوس معينة لكتابة اللحن؟
فقال: ليس هناك طقوس، لا تذهب عند البحر، ولا الصالون والا الخمرة، كما قلت لك، عندما تأتيني قصيدة ممتازة تتطابق مع خيالي وتتوافق مع هواجسي ألحنها أنا أحسن لحن، لأن الصور مخزونة عندي. والإنسان الذي يأتي بلحن من خارج المألوف لحنه يفشل.
- لماذا يقال عن الزمن الذي كنتم رواده الزمن الجميل، والزمن الحالي يوصف بالردي؟!
صمت عطروش قليلا وقال: الخلل في مسائل تتعلق بعدم مواصلة المشوار الفني، هناك معوقات تعوق الرحلة الفنية في الحياة الإجتماعية، منها الفخر، منها الجهل، منها التنافس غير الشريف، والمطابنة.
- تقصد بالمطابنة أن كل فنان يحاول بناء مجده بهدم مجد الآخرين؟
نعم، الفن لا يزهر الا إذا أنا وأنت كفنانين نغني فوق مسرح واحد، الناس تشاهدني أنا وأنت وتختار يا أنا يا أنت، هذا التعايش هو الذي يجعل الفن يزدهر، بدونه لا يزدهر ألفن، وهناك أمثله كثيرة، مثلا هناك كثير من الفنانين لا يريد أن يغني الا لوحده، لكن أين هي أعماله، أنتهت، وأين الذين كانوا يشجعونه، لا شيء، أصبح في السلة، حتى لو أعدته من جديد وأعطيته المسؤولية كي يولد فن.. سيفشل. الفن لا ينجح الا عندما يقف الجميع فوق مسرح واحد. الناس في مصر يسمعون لعبدالوهاب، تسمع فريد، تسمع عبدالحليم، تسمع أم كلثوم، تسمع صباح، وتسمع وتسمع وتسمع..
الآن الفنانون في الشمال يغنون النغم الجنوبي أحسن من الجنوبين، الآن هناك عدد كثير من الفنانين في الشمال على عكس زمان، كان هناك ثلاثة إلى أربعة فنانين فقط: السنيدار، السمة، الحارثي، الآن هناك عدد كبير. وعلى فكرة، في الشمال أثمر الفن وفي الجنوب تراجع.
- من الفنانين الشباب الآن لمن تسمع أكثر وتعجب به؟
المرحلة الحالية، صعب تحكم، الزمن فيها متسارع، كثرت الأحداث لدرجة أنك لا تستطيع أن تكون رأي، ثم أن التجارب التي خاضوها الفنانين تجارب صغيرة، عندما تكبر وتنضج الثمار عندها تستطيع أن أكون رأي وأقول من هو الممتاز. الآن لا زلنا نستجر شذى عطر السنيدار، حق السمة، حق الحارثي، حق القدماء.
ما هي نصيحة محمد عطروش للأجيال القادمة من الفنانيين؟
اعلموا أن الموسيقى هي أصدق تعبير شفاف وأسرع تعبير وأعمق تأثير، وعليهم بالتالي أن يتسلحوا بها، إذا كانوا يريدون أن يصبحوا فنانين. سلاح الموسيقى هو العلم بها، لا ينبغي الإستهانة به، علم الموسيقى هو واحد زايد واحد يساوي إثنان.
سالت عطروش: هل تعرضت إلى صدمات في حياتك؟
رد عطروش: كثير.. صدمات أسرية وغيرها كادت توقفني، أهم عايق عندي اليتم، أنا فقدت أمي وأنا عمري أربع سنوات، وأبي من شان يرعيني راح يتزوج أخت أمي من أجل تربيني، لكنها جابت له درزينة أطفال، أنشغلت بتربيتهم ورمت بي جانبا. لكن هي عندها حق.
قلت له: اغنية برع يا استعمار غنيتها قبل رحيل الإستعمار أو بعد رحيله؟
قال: هذا جدل فارغ يا ابني، ما جدوى أن أغنيها بعد رحيل الإستعمار أنا غنيتها والاستعمار موجود.
سالت محمد عطبوش: أيام الإستعمار كان هناك حرية فنية أكثر مما بعد رحيل الاستعمار؟!
قال لي: نعم ولكن السؤال هو لماذا؟ كان الإستعمار يريد أن يجعل الفن ترجمه له لكنه فشل في ذلك، وأكتشف أن الفن أصبح ترجمة وطنية معادية للإستعمار، الفن الطربي هو أول من بعث نزعة التحرر والتمرد عن كل قسوة وكل ظلم، هو النزوع الأول للوطنية.
أخيرا نريد أن نضع سطح لهذا الحوار بالحديث عن نظرتك الكلية للحياة والفن؟!
رد: فلسفتي الخاصة هي أن تؤمن بجوهرك، إذا أكتشفت أن لك دور عليك أن تقوم به وأن تصمم عليه وأن تسير إليه، رغم كل ما يعوقك ويحصل لك، هذه نظرتي في الحياة لذلك أنا موجود إلى الآن رغم كل العوائق.