تقرير| من حجة إلى تعز.. مأساة المرأة اليمنية النازحة
في ظل الظروف المحيطة التي أفرزتها الحرب، تنزوي المرأة اليمنية بين ويلات الحرب وحياة النزوح والتشرد وظروف العيش الصعبة التي تعيشها آلاف الأسر، حيث تركت الحرب المفروضة من قبل مليشيا الحوثي منذ 8 سنوات، المرأةَ اليمنية في ماراثون متواصل من البحث عن لقمة العيش.
لم يكن بعلم عُلا محمد البالغة من العمر (47 عاماً) أنها ستضطر إلى النزوح من منزلها الكائن في مديرية حرض في محافظة حجة، إثر قذيفة صاروخية حولت منزلها إلى كومة من الحطام حيث تقول لـ"2 ديسمبر": أعيش حياة قاسية لا تخلو من العنف بعد أن وجدت نفسي وأطفالي مجبرين على النزوح والتنقل بحثًا عن الأمان. لم أكن أعرف حياة كهذه من قبل، بهذه العبارة تلخص عُلا محمد حال النساء النازحات في اليمن.
نزوح قسري
نزحت عُلا محمد وأسرتها المكونة من ثمانية أشخاص، مرتين منذ سقوط قذيفة حوثية على منزلهم أودت بحياة زوجها، ليستقر بهم الحال في منطقة عصيفرة شرقي مدينة تعز بلا عائل أو معيل يصرف عليهم ليخففَ من معاناتهم المستمرة.
كانت الأسرة تستقر في منطقة حرض- شمالي محافظة حجة (شمالي غرب البلاد)، وعندما اشتد القتال بين طرفي النزاع اضطرت إلى النزوح باتجاه صنعاء ثم إلى مدينة تعز، المنطقة التي تعيش تحت صفير المقذوفات وأزيز الرصاص حيث يعيش المواطنون منعدمو الدخل هناك حالة من الهلع والخوف، وبحسب تقارير حقوقية فإنها إحدى أكثر المدن اليمنية خطرًا بسبب التمركز العسكري القائم على القنص هناك.
تردف عُلا بلغة متلعثمة وملامح شاحبة لـ"2 ديسمبر": عشنا أيامًا معدودة قبل أن تقترب الاشتباكات والقصف من المنطقة، حيث تعرض منزلنا للقصف بقذيفة حوثية، وقررنا النزوح إلى محافظة صنعاء، استقرينا هناك لمدة شهرين، ولأن وضعنا صعب وتعرضنا للمضايقات من قِبل المؤجر اضطررنا للنزوح مرة أخرى إلى منطقة عصيفرة وسط مدينة تعز.
تقارير أممية تقول إن أكثر من 3.6 مليون شخص نزحوا من منازلهم منذُ بداية الحرب عام 2014.
حياة قاسية
تقتات هذه الأم هي وأطفالها الثمانية من عملها الشاق في بيع المناديل على المارة والمركبات، وسط أرصفة الشوارع في المدينة.. تتكبد الأسر وضعًا معيشيًا مترديًا خاصة أنهم يسكنون في منطقة نائية وقريبة من خطوط التماس. في المقابل تغيب المنظمات الإنسانية عن النظر إليهم وتلبية ما يحتاجونه من أساسيات العيش لسد رمق جوعهم، حتى إن وجد شيء مما يجود به أبناء المنطقه التي تسكنها تلك الأسر، إلا أنه لا يقدر على تلبية متطلبات الحياة المثخنة بالحرب والجوع.
تواصل عُلا القول لـ"2 ديسمبر": كنا ساكنين في دكان أنا وأولادي الثمانية، لكن الحال تبدل بنا بسبب رفع الإيجار علينا، ووضعنا صعب لم نستطع تسليم الإيجار، فطُردنا إلى الشارع، لسنا بخير، لكنا على قيد الحياة، ولا نعلم هل سنستمرُ في معاناتنا هذه؟ أم أننا سنعود؟ أم أن هناك أقدارًا أخرى في انتظارنا؟ ثلاثة أسئلة لا يملك أحد إجابتها، حتى تلك التنهيدة التي أطلقتها، لتخفي عن أطفالها الدموع.
بعد الحياة المريرة التي قضتها الأسر في ذل العوز وإهانة الطرد من المنزل، نظرًا لعجزهم عن دفع الإيجار، استقرت هذه المرأة النازحة المتوفى زوجها، وأطفالها الثمانية، في خيمة واحدة مهترئة ومتهالكة لا تقيهم برد الشتاء وحرارة الصيف، كما تزداد الأمور سوءًا عندما يكون هناك رياح شديدة تسقط المخيم فوقهم، وعند سقوط الأمطار فالمياه تتسرب إلى المخيم.
وجع النزوح الجديد
بمرارة تحكي عُلا عن حياتها الجديدة، في ظل خيمة صغيرة لا يتجاوز طولها عشرة مترات، من طرابيل ممزقة، وما يعانون من مجاعة حقيقية ونقص كبير في المواد الغذائية والإيوائية المطلوبة، ومخاوف كبيرة يضاعفها القلق من تمزق المخيم الذي يأويها مع أطفالها، وكذلك الخوف من إصابتهم بأي مرض أو جائحة يفتك بهم.
مشقة المرأة المستدام
تقول الناشطة الحقوقية إشراق المقطري لـ" ديسمبر"، إن المرأة اليمنية تحملت عناء الحرب وويلاتها، زوجة مقعد أو أم فقيد أو أسير أو مختطف أو مسؤولة منزل لا رجال فيه، كذلك أمهات الأيتام يأتين في طليعة أولئك النساء اللواتي حملن عناء هذه الحرب بنضالهن وصبرهن على ظروف قتل أزواجهن وأبنائهن، ناهيك عن الظروف الاقتصادية الصعبة للغاية.
توضح: تتفاقم معاناة الجوع عامًا بعد عام، وتسوء حالة المرأة اليمنية أكثر بسبب الحرب والانهيار الاقتصادي وارتفاع الأسعار، إضافة إلى نقص المساعدات الإنسانية، كل ذلك يشكل منعطفًا خطيرًا على حياة الإنسان اليمني، الذي يعاني منذُ ثماني سنوات.
وتتابع المقطري: بالنسبة للمرأة النازحة بعموم اليمن، للأسف أتت الحرب بكل ثقلها وقسوتها على حياة النساء وأوضاعهن المأساوية، ونزوح المرأة في اليمن جزء من سياق وضع حقوق الإنسان المتردي في البلد، حيث وجدت المرأة اليمنية نفسها منفردة ووحيدة في مواجهة مباشرة مع كل ما يحيط بها.
علاوة على هذا الواقع المرير الذي تعيشه المرأة اليمنية في الظروف المحيطة بها، فإن الحرب المفروضة من قِبل مليشيا الحوثي المدعومة إيرانيًا، منذُ ثماني سنوات، وما خلفته من أزمة إنسانية هي الأسوأ في العالم، خاصة بعد أن دُمرت الكثير من المنازل وتم تلغيم الكثير من الممرات والطرقات وأماكن الرعي والتنقل؛ جعلت غالبية النساء في وضع خطير.