من الملهم أن نرى كيف يمكن للناس أن يجتمعوا في لحظة ويقولوا الحقيقة دون خوف ولا وجل، بل يقولونها بإباء مطلق، حتى في مواجهة الاستبداد والقمع. قد يُقال إن هذا الانفعال لا يهز أسس الظلم وسرعان ما يهجع؛ غير أنه تعبير قوي عن المقاومة والرفض والأمل والتوق إلى الحرية.
 
تردد اليوم في إب صدى الحقيقة بصوت عالٍ، تحدى الناسُ بضمير حي الاستبدادَ الحوثي الذي لطالما سعى إلى إسكات أصواتهم، حتى جاءت اللحظة المواتية ليقول الناس سويًا بصوت واحد "الحوثي عدو الله"، دون أن يجرؤ أحدٌ على إسكاتهم.
 
حريٌ بالجميع أن يقفوا اليوم حدادًا على فقدان ناشط مدني شجاع كرّس حياته ليكون صوتًا صادحًا بالحق في وجه الكهنوت، وتعرض لقاء ذلك للتعذيب والاضطهاد في سجون الحوثيين بمحافظة إب، حيث دفع الثمن الأسمى لثباته عندما وقف شامخًا كالطود يحركه ضميره ومبادئه وهو يدرك حجم الأخطار التي تتربص به؛ لكنه قال ما أراد بلسان الجميع فتحول إلى بطل وأيقونة إباء.
 
تدفقت مشاهد تشييع جثمان "حمدي المكحل" عندما حُمل جسده إلى المثوى الأخير، كبطل نافح الكهنوت بصوت الحق دون رهبة، ليُسلط موته الضوء على الوحشية المستمرة والعنف الحوثي ضد الأصوات الحرة، وكذا جسّد، وهو جسد هامد، الرفض الشعبي العريض لمشروع الحوثيين عندما هتف الناس في جنازته دون خوف "الموت للحوثي".
 
يتعرض سكان محافظة إب لموجة من الاضطهاد والقمع والعنف؛ لكنهم ملأوا الأمكنة ليقدموا احترامهم لبطل ارتقى منافحًا عنهم يتحدث بلسانهم؛ وأيضًا لإرسال رسالة قوية إلى مليشيا الحوثي: لن يتم إسكاتنا، ولن نخاف، وسنواصل النضال من أجل مستقبل أفضل لعائلاتنا ومجتمعنا ووطننا.
 
في رحلته الأخيرة محمولًا على الأكتاف، حظي حمدي بالجنازة اللائقة، فاضت المدينة القديمة في إب بجموع غاضبة غفيرة من البشر هتفت ضد آلة القمع ومنهج العنف، لتؤكد إب أنها مدينةٌ حرةٌ قد تعيش لحظات انكسار تحت ظروف معينة، لكنها لا تنكسر ولا تداهن ولا تميل إلا إلى كفة الحق، وتلك محاكمة مفتوحة كشفت هشاشة المشروع الحوثي في قلب اليمن، وأبرزت مستوى الرفض الشعبي للمليشيا وأفكارها ومخططاتها.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية