الهوية اليمنية
دون سابق إنذار أصبح هذا العنوان ترينداً عاماً وهاشتاجاً شائعاً ضجت به مواقع التواصل الاجتماعي عند اليمنيين، الذين نشروا صورهم بالزي اليمني المعتاد والشائع، مختزلين المعنى الجوهري للهوية اليمنية بلبس العسيب والثوب أو "المعوز والشال"، وبات الكل يتفاعل في النشر ويملأ صفحاته بصوره، وهذا الأمر لافت للنظر من جانب، وباعث للقلق من جانب آخر، حيث تنتصب حزمة من التساؤلات تستفسر عن ماهية هذه الظاهرة وغايتها، وتفتح الباب على مصراعيه للحفر في الموضوع وتداعياته في هذا السياق اليمني المتأزم بشكل كلي.
في البدء هل يمثل الزي اليمني هويتنا اليمنية الوحيدة؟ وإن كان كذلك فهل هناك خطر اجتثاث أو إنكار، فهب اليمنيون بمختلف توجهاتهم لإثبات كيانهم الوجودي عبر تفاعلهم العام كما رأينا، لكن الحقيقة أن هذا التوجه يتوهم في لمّ شمل اليمنيين رغم اختلافهم بصورة تعسفية في إسقاط المفهوم والتحمس له، ويخدم مصلحة العدو الحوثي بتوحدنا معه في هذه الجزئية بالذات لامتصاص النفور العام إزاءه والغضب الشائع ناحيته، كما يعزز السلوك الحوثي الذي أجبر الكل على ارتدائه حتى في أوقات الدوام الرسمي وداخل مؤسسات الدولة بصورة تستفز الشكل الحضاري المدني المتعارف عليه في ثقافتنا اليمنية.
وهنا يجب علينا التعرف على المعنى الجوهري المنطقي لمفهوم الهوية اليمنية التي يجب الالتفاف حولها والتمسك بها كحقيقة مطلقة، كشفرة وجودية تقود الشعب إلى طريق الحرية والكرامة والتنوع السياسي والثقافي والاجتماعي والمناخ الديمقراطي، فهذا الطريق يمثل الهوية الفعلية لأي مجتمع، أما ما يتعلق باللبس والأكل والعادات والأعراف التي تنتمي إلى الثقافة، فهي مجرد خصوصيات لا ترتقي إلى مصاف الهوية والذات العامة.
الهوية اليمنية الطبيعية تتجلى في كوننا مجتمعاً جمهورياً ديمقراطياً متمدناً نعته الإسلام بأنه موطن الإيمان والحكمة لا مستنقع الجهل والعنصرية والظلم والتطرف والتشيع والخرافة السلالية التي يحاول عدو هويتنا عبر التاريخ طمسها وإحلال، بديل عنها، هوية شاذة منحرفة عن قيمنا ومبادئنا السامية الحضارية والمدنية، هوية سلالية ضحلة تهدم كل الأعراف وتمزق النسيج الاجتماعي وتجرف اليمنيين إلى طاحونة الصراع السياسي الديني والهويات الصغرى المتناحرة التي أنهكتنا منذ ثماني سنوات، فكانت النتيجة هي التفكك والتشرد والقمع وفقدان الوطن الآمن المستقر.
ولذا؛ فإن اختزال مفهوم الهوية اليمنية بهذا الشكل الارتجالي يتمخض عن وعي سياسي وثقافي سطحي يحاول تمييع هويتنا الأصيلة النابعة من أعماق وجودنا اليماني وكياننا التاريخي، وينم عن لحظة تردٍّ وانحطاط اجتماعي واختلال في الذات الجمعية التي يبدو أنها على وشك التفريط بهويتها وتقبّل الهوية الطائفية والمناطقية والعشائرية كبديل، باعتبار فقدان الهوية هو فقدان للذات والوطن.
وعليه؛ يجب التفكير جدياً بأن النظام الجمهوري ودولة العدل والديمقراطية والتعايش السلمي والقبول بالآخر وحرية الرأي والسلام والاستقرار، كل ذلك ما يجب أن نسعى بكل السبل لاعتباره هوية يمنية، وأن نحرص دوماً أن نتكتل ونتكاتف تحت هذه الاعتبارات الهوياتية الخالصة ونشق طريقنا نحو المستقبل وأن نتغلب على واقعنا المظلم من خلال تمسكنا بهذه الغايات النبيلة، وإلا فإن هويتنا ستظل مفقودة وغائبة، وستقتلعنا المخاطر من الجذور وتسلم أقدارنا لصراع دائم وتناحر مميت لن ينجو منه أحد، وسنفقد بوصلة الوطن وسط موجات مخيفة من التمزق والتلاشي والجوع والتوحش والغرق في مستنقع مظلم لا نهاية له.