الرواية اليمنية والمقاومة الوطنية
مثلما غيرت الحرب الحوثية مجرى الحياة عموماً في اليمن، نال الأدب اليمني (الرواية بالتحديد) نصيباً من الارتداد والانحسار والركود الثقافي والقمع وتغييب الدور الثقافي للتنوير الأدبي، إلا أن الرواية من هول الصدمة عملت على استيعاب تحديات السياق العام (سياسياً واجتماعياً)، وتمكنت من شق مسارها الجديد في أساليبها ومواضيعها وأفكارها وشخوصها ولغتها لمواجهة التحولات الطارئة المهددة للهوية والجارفة للذات اليمنية والتاريخ اليمني الحديث والقديم.
فالرواية عموماً تمثل الصورة المتخيلة للنضال والكفاح ومقاومة أي انحراف يهدد المجتمع وجودياً، فتكون هي لسان حال الشعوب والناطق بأحلامها وأفكارها وسرد إشكالياتها المتعاقبة بشكل متخيل باعتبارها الصانعة للأوطان المتخيلة والمحركة للمياه الراكدة في الوعي الجمعي تجاه أي خطر محدق من فكر دخيل وسلوك مهيمن بقوة السلاح والعنف.
المتابع للمشهد الثقافي الروائي اليمني سيجد أن الرواية اليمنية تخوض حراكاً ثقافياً وصراعاً مريعاً في التصدي للفكر السلالي الطائفي الحوثي، وذلك من خلال تبنيها مهمة وطنية سردية تنصبّ في تبديد وتفكيك أنساق هذا الفكر عبر تاريخه المشين، متعمدة نبش واستحضار الكثير من الصور والمشاهد والشخصيات المنتمية للسلالة الكهنوتية التي كانت بمثابة الظلام الذي أغرق اليمن في غياهب الظلم والقهر والقمع، وذلك كما في رواية "وقش" للروائي اليمني الراحل وليد دماج الذي خصص سرديتها حول فرقة "المطرفية" التي بطش بها المدعو عبدالله بن حمزة الهاشمي في يومٍ ما، من أجل إطلاع القراء اليمنيين على التاريخ الأسود لهذه السلالة العنصرية وحقدها الدفين.
كما خصص (الغربي عمران) روايتي "الثائر، وحصن الزيدي" لتناول تاريخ الإمامة قبيل ثورة 26 سبتمبر، فكشف بأسلوب سردي بديع النهج الإمامي الذي كان يتبعه الهاشميون في إدارة سلطتهم مع اليمنيين، وتقويض ذلك الزيف والخداع والتمويه، ودحض الخرافة الهاشمية التي اتخذها السلاليون ذريعة للوصول إلى قلوب العامة وكسب ولائهم والتسلط عليهم بدعوى انتسابهم لآل البيت وأحقيتهم بالحكم دون غيرهم من سائر الخلق، كما جاءت رواية "صنعائي" لنادية الكوكباني لتضع القارئ اليمني أمام التحديات الجسيمة التي خاضها أجدادنا ونضالهم الجسيم في ثورة سبتمبر وحصار السبعين، حيث قدمت تلك الأحداث بصورة سردية أكثر تشويقاً وسلاسة من كتب التاريخ ووسائل الإعلام، مخلخلةً، بذلك، الأفكار السائدة ومزعزعة للجمود الفكري والثقافي تجاه هذه العصابة الفاشية وأساليبها المعادية للحرية والسلام .
وليست هذه الروايات فحسب من جملة ما صدر في السبع السنوات المنصرمة التي سارت على هذا النمط المقاوم للجائحة الحوثية؛ فهناك الكثير منها كما لو أنه توجه سردي عام معني بقضية اليمن الأساسية المتمثلة بوجوب التصدي لعودة الإمامة الرجعية عبر السرد، لما له من أثر كبير في هدم وفضح وتعرية التاريخ السلالي الذي كان مغيّباً عن وعي العامة بطريقة مباشرة وغير مباشرة، فيستعيد القارئ الثقة بذاته ويكتسب خلفية ثقافية تمكنه من معرفة عدوه اللدود وطرقه ونهجه في اقتياده إلى صفه.
ولذا، فإن دور الرواية اليمنية مهم في معركتنا الوجودية مع السلالة، وتُعد طريقة مثلى في المقاومة الوطنية والنضال الفكري والثقافي، وإحداث استنارة وحماس وطني وتبصير القراء، بمختلف مشاربهم وتوجهاتهم، بالخطر الحقيقي الذي ينقادون نحوه بجهلهم وخداع عدوهم لهم بشتى الوسائل، ومن هنا لا بد من توسيع دائرة الدور الثقافي للرواية وحث صغار السن وطلبة المدارس والجامعات من قراءة الأدب وتحفيز مشاعرهم الوطنية نحو الخلاص، وتعضيد هويتهم الجمهورية والنظامية والقانونية؛ فعبر الثقافة والمعرفة والسرد نكون أكثر وعياً وصرامة في ردع أوهام وأفكار الكهوف الرجعية، ولا يقتصر التحفيز على القراءة فحسب؛ بل استغلال الطاقات الشبابية في التعبير عن هواجسهم وخيالاتهم وأحلامهم عبر الرواية والقصة، فالإبداع دوماً لا يرضخ للظلم والتخلف والطبقية، وإنما يقود الشعوب نحو الحرية والعدل والمساواة والمستقبل.