تعمل مليشيا الحوثي الإرهابية على استغلال أي منبر لنشر خطابها المذهبي والطائفي، وقد وصل بها الأمر إلى شطب قصائد أدباء اليمن الكبار المقالح والبردوني واستبدالها بقصائد شويعر المليشيا المدعو معاذ الجنيد، وغيره من الطائفيين، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تم إدراج دروس تمجد قادة المليشيا وتوجهها من الرسي إلى صالح الصماد.
 
على أن هذه الجهود تمت مواجهتها بالوعي المجتمعي الرافض لها والمندد بها، ما جعل هذه الخطوات تأتي برد فعل عفوي من قِبل الشعب الذي بادر لترديد قصائد المقالح الجمهورية وجعل الأطفال والأشبال يحفظونها بصدورهم ووجدانهم.
 
سعي المليشيا إلى نشر خطابها جعلها تبادر إلى استغلال الرموز الثقافية، من خلال التلاعب بإرث المؤرخ والشاعر الكبير عبدالله البردوني، حيث عملت الجماعة على إصدار ديوانين نسبتهما له تحت عنوان "رحلة ابن شاب قرناها" و"العشق في مرافئ القمر".
 
وقد شكل الحوثيون لجنة لمتابعة استلام وطباعة أعمال البردوني من شعراء تابعين لها؛ عبدالرحمن مراد ومعاذ الجنيد وعبدالقوي محب الدين ومهدي الجنيد، وهو ما سمح لهم بالتلاعب بأعمال البردوني وإخراج ديوانين يضم أحدهما 12 قصيدة وهو "رحلة ابن شاب قرناها" فيما الديوان الآخر "العشق في مرافئ القمر" يضم سبع قصائد فقط.
 
كشف الحوثيون عن توجههم في مقدمة الديوانين التي كتبها رئيس الهيئة العامة للكتاب في حكومة الحوثي عبدالرحمن مراد، والذي قال إن جهود إخراج الديوانين إلى النور تتوجت بفضل محمد علي الحوثي الذي رعى ووجه وساند الخطوات ودعم إخراج الديوانين إلى النور. وأضاف في المقدمة إن إصدارهما يتزامن مع اليوم العالمي للشعر، وما أسماه ذكرى العدوان على اليمن، مدعيًا أنه كان للبردوني موقف منها قبل أن تحدث، ونظرات نثرية واستبصار عقلي جدير بالتأمل، متابعًا أن البردوني عاش معهم تفاصيل القصف وليليات قيس اليماني، وحذر من شيخ ضبة ومن تداعيات نفط الخليج على اليمن، على حد قوله.
 
ومع صدور الديوانين المنسوبين للبردوني، سارع عدد من الأدباء والشعراء لتوضيح الأخطاء الإملائية والنحوية والشعرية واختلال الأوزان في بعض قصائد الديوانين، واكتشاف الأخطاء التي لا يمكن للبردوني أن يقع فيها، وهو ما يؤكد تلاعب الحوثيين بقصائد الديوانين وتوظيفها لصالح أجندة المليشيا.
 
الروائي اليمني علي المقري، علق على الديوانين المنسوبين للبردوني فقال "هذه النسخة المليئة، حسب متخصصين وقرّاء، بمئات الأخطاء اللغوية والأسلوبية والعروضية، ناهيك عما ورد إلينا من معلومات مؤكدة تفيد بأنه تم حذف بعض القصائد من المخطوطات الأصلية وأن الأصول المخطوطة تحتوي على أكثر من خط وليس خط الشاطبي وحده، كما زعم أصدقائي في هيئة كتاب صنعاء ومن يدافع عنها والذين كنّا نظنهم أكثر حصافة ونباهة من تصرّفهم هذا، ومن محاولتهم أن يظهروا البردوني بطابع طائفي متوعدين بأنهم سيصدرون كتابًا له يحمل عنوان الحسين ثم الوطن والثورة!
وأضاف "المقري": كما هو واضح من إعلانكم، ستضعون اسم الحسين في العنوان، في كتاب يحوي مقالات من تلك التي أهملها البردوني؛ لأن هذا، وهو من عملكم، يخدم توجهكم الدعائي الطائفي الذي لا يمكن أن يُلصق بالبردوني، ولا يمكن لقارئ متتبع لتجربة هذا الشاعر العظيم في حياته وشعره وفكره أن يقبل به. كيف يخدم توجهكم الطائفي أيّها الأصدقاء؟! يكفي اختياركم للعنوان، على هذا النحو!
أنا مع أن يبقى كل منجز البردوني في متناول الدرس والبحث حتى تلك المقالات والقصائد التي لم ينشرها في كتاب، ولكن علينا أيضاً احترام توجهه أو طريقته في النشر التي كان يمارسها أثناء حياته، وبالتالي على ورثة البردوني أن يمنعوا هذا العبث الذي يطال أوراقه ومنجزه!".
 
الأستاذ الدكتور علي محمد زيد، أبدى رأيه بشأن الكتاب الشعري الذي صدر عن هيئة الكتاب في صنعاء للبردوني فقال: دفاعهم عن إهمال الهيئة وعدم قيامهم بالتحقيق والتصويب، حتى مع الإشارة في الهامش إلى ما اعتقدوا أنه الأصل، غريب، وعن عدم قيام من أملى عليهم النصوص والأشعار بما يجب عليهم من جهد، أغرب. مبدأ التحقيق قائم على أن الفحص والمقارنة والتدقيق ضروري في كل نشر لنصوص لم يعد صاحبها حيًا ليوضح ما يختلف الناس فيه من بعده. وللتحقيق طرق وقواعد معروفة عند المختصين".
 
وأضاف علي محمد زيد: "أما إصدار كتاب لأغراض لا يرضى عنها البردوني نفسه فهو أم الكبائر. فهو لم يعد موجودًا ليتم إقحامه فيما يجري من تمزيق للنسيج الاجتماعي وهو الذي قال:
فخرنا بالجدود فخر رماد 
راح يعتز أنه كان نارا 
ثم إن البردوني خلال حياته الشعرية أهمل الكثير من القصائد والنصوص التي رأى أنها رديئة وتسيء إلى مكانته الشعرية، فهل سيتم البحث عنها لنشرها والإساءة إليه من حيث أرادوا خدمته؟ هذا سؤال يستحق أن يُطرح".

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية