في أطراف العاصمة المختطفة صنعاء، ووسط أحيائها الشعبية، تتعالى البنايات السكنية الجديدة التابعة لمشرفي وقيادات مليشيا الحوثي الإرهابية، على أوجاع المواطنين المسحوقين تحت أقدام فقر مدقع ومليشيا لم تترك شيئًا من حقوقهم إلا طالته أنيابها ومخالبها، ضمن حرب التجويع والتركيع ضد اليمنيين، ومشاريع الإثراء الشخصية للسُّلالة وقادتها، بالتوازي مع سعيها لإحداث تغيير ديموغرافي يقلب التركيبة السكانية لصنعاء.
 
في زمن حرب أشعلتها مليشيا الحوثي المدعومة إيرانيًا، وتحرص على إبقاء فتيلها مشتعلًا، أضحت صنعاء المختطفة مثالًا واضحًا لسياسات الحوثي وأفكاره الطبقية السلالية؛ إذ تستأثر بكل شيء ثلة ممن يدعون أنهم "أبناء الله وأحباؤه"، مكنهم من الأرض وخيراتها وطوّع لهم البشر عبيدًا وخدَمًا، فيما تظل آلاف الأسر رهينة للفقر والجهل والمرض، ومن جراحاتهم وآلامهم ومعاناتهم ترتفع الأبنية والأبراج السكنية التابعة لقادة المليشيا الإرهابية، كاشفة حجم الأموال التي تنهبها من إيرادات المؤسسات التي استولت عليها والخيرات التي تستنزفها وتجيرها لمصالحها الخاصة.
 
مدن سكنية يملكها الكهنة
 
أحياء عديدة في العاصمة المختطفة صنعاء، تبرز شاهدًا على ممارسات المليشيا الحوثية، التي استولت على منازل قديمة تابعة للأوقاف، بعد أن تم طرد الساكنين فيها، فيما البعض الآخر منها تم شراؤها من ملاكها بالإكراه وبمبالغ تقل عن قيمتها الحقيقية، لتنتصب مكانها بنايات حديثة، تثير أسى المواطنين، الذين يرون فيها مصير لقمة عيش أطفالهم المنهوبة، والتي أضحت حلمًا بعيد المنال.
 
يقول الصحفي والناشط، عبدالله السنامي لوكالة "2 ديسمبر"، إن اليمنيين أصبحوا يدركون اليوم أين تذهب الملايين التي تنهبها مليشيا الحوثي، فيما تحرم الموظفين من مرتباتهم، كما تحرم الشعب من الخدمات الأساسية، لتبني بها المدن والأبراج الشاهقة لصالح مشروعها التدميري.
 
يضيف السنامي، تسخّر مليشيا الحوثي، كل جهدها في نهب المال العام، وفرض الجبايات، من أجل بناء الفلل والعمارات السكنية، التي أحاطت بها صنعاء من كل الاتجاهات، وخصصتها كسكن للأسر السلالية التي تم استقدامها من شمال الشمال، وتحديدًا من حجة وصعدة، وذلك تنفيذًا لأوامر الدائرة السرية التي أنشأتها المليشيا وتتبع بشكل مباشر مكتب زعيم المليشيا المدعو عبدالملك الحوثي، والمسمى "دائرة تسكين ودعم المجاهدين".
 
ويرى السنامي، أن الأبنية والمساكن التي تقوم المليشيا الكهنوتية بإنشائها، في أطراف العاصمة، لها أهداف تتعدى التغيير الديموغرافي، لتصل إلى الجانب العسكري؛ إذ إن المليشيا تهدف إلى احتواء أي هجوم عسكري، أو ثورة محتملة بالمستقبل، بحيث تكون هذه المباني وساكنيها وسيلة للقمع واستمرار سيطرتهم على العاصمة المختطفة.
 
 وتعمل المليشيا بجهد على إنجاز مخططاتها الخبيثة، بحسب السنامي الذي يشير إلى أن مليشيا الحوثي لا يعنيها بأي حال الوضع المعيشي للمواطنين في مناطق سيطرتها، وواجباتها كسلطة أمر واقع تجاههم، وهذا يعود إلى كونها جماعة ثيوقراطية إرهابية، لا تعمل أي حساب للشعب.
 
من جانبه، يوضح الناشط ناجي محمد، في تغريدة على موقع التدوين المصغر "تويتر"، مصير الأموال المنهوبة، قائلًا: "إلى من يتساءل أين تذهب مرتبات الموظفين في مناطق سيطرة الكهنة، فإننا نقول له تذهب إلى هنا"، وأرفق صورة لمدينة سكنية في محافظة صعدة تتبع أحد المشرفين الحوثيين.
 
ويضيف: "هذه مدينة تابعة لأحد المشرفين الحوثيين الصغار، كما هي مثال للمئات من الشركات والعقارات التي نشأت خلال ثمانية أعوام، وفيما يتضور الشعب جوعًا، يسرق الهوامير الأموال باسم النبي".
 
بناء مقابل نزوح
 
تسببت البنايات والمساكن الحوثية الجديدة في ارتفاع أسعار العقارات في تلك المناطق التي كانت حتى وقت قصير، مناسبة لوقوعها في أطراف العاصمة، كما أدت إلى ارتفاع الإيجارات الشهرية، لتتحول من مناطق كانت تُعد ملجأ للكثير من الأسر الفقيرة، إلى سبب لنزوحهم بعد أن عجزوا عن دفع الإيجارات التي ارتفعت ثلاثة أضعاف ما كانت عليه.
 
يقول "محمد"، مكتفيًا بإعطاء اسمه الأول خشية على حياته، لوكالة "2 ديسمبر" إنه لجأ قبل سنوات إلى منطقة حزيز المدخل الجنوبي للعاصمة المختطفة، لرخص الإيجارات الذي يتناسب مع وضعه المادي، لكنه الآن مضطر لمغادرة المنطقة بعد ارتفاع إيجار الشقة التي كان يسكن فيها مع أسرته إلى ثلاثة أضعاف ما كانت عليه سابقًا".
 
ويرى أن تشييد قيادات المليشيا للمباني الشاهقة، كانت السبب الرئيسي في ارتفاع الإيجارات وأسعار العقارات؛ "لم نعُد نستطيع البقاء في تلك المساكن؛ إذ ارتفع إيجار الشقة التي أسكن فيها من 20 ألف ريال، إلى 60 ألفًا خلال هذا العام".
 
بدورهم، يضع خبراء ومتخصصون الممارسات الحوثية ضمن إطار غسل الأموال المنهوبة، والتوسع والاستيطان للقيادات الانقلابية في أماكن ومناطق حساسة ومهمة في العاصمة المختطفة صنعاء، كما هو في إطار سعي تلك القيادات المليشياوية للإثراء الشخصي، على حساب معاناة آلاف، بل ملايين الأسر المطحونة بين حجري رحى الحرب والنهب.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية