الولي الفقيه دراكولا العصر الحديث
سيُقال إن من الصعب على بشر يعيشون في عصر العلم أن يصدقوا مثل تلك الخرافات ولكن مَن قال إن المؤمنين بنظرية الولي الفقيه يؤمنون بالعلم الذي يستهلكون تقنياته في حياتهم اليومية.
استفاد الخميني من الظاهرة الحزبية التي أحاطت بالمذهب الشيعي وطورها حين امتد بولايته من حياة ما بعد الموت وهي اختصاص ديني إلى الحياة في الدنيا التي لا تقع تفاصيلها دائما تحت مظلة الشريعة. أي أنه ضمن ولايته على أتباعه في الدنيا والآخرة معا. فالرجل الذي أوحى بعلاقته بالإمام الغائب كان مطمئنا إلى أن تلك العلاقة ستكون مقبولة من قبل بشر آمنوا بأن عقيدتهم لن تكون مكتملة إلا إذا اتبعوا خطى رجل دين يثقون به كونه ممثلا للإمام الغائب في الحياة الزائلة. مع الخميني حظي أتباع الشيعية السياسية بزعيمهم الذي راهن على بقاء المجتمع الشيعي ما دامت هناك مسيرات جنائزية.
منذ أكثر من ثلاثين سنة رحل الخميني غير أن نظامه لا يزال يبتز الشيعة بنظرية الولي الفقيه التي جعل منها الخميني نفسه وراثة داخل دائرة ضيقة من رجال الدين. فحين يموت ولي فقيه يكون وارثه جاهزا وقد استلم التعاليم الإلهية كاملة. سيُقال إن من الصعب على بشر يعيشون في عصر العلم أن يصدقوا مثل تلك الخرافات. ولكن مَن قال إن المؤمنين بنظرية الولي الفقيه يؤمنون بالعلم الذي يستهلكون تقنياته في حياتهم اليومية. صحيح أنهم يعيشون في ذلك العصر غير أنهم لا يساهمون في صناعته إلا في حدود المسموح به للدفاع عن الجمهورية الإسلامية ومن ثم ولاية الفقيه. الصناعات العسكرية هي مساهمتهم الوحيدة.
◘ الشيعة كأفراد لا يحق لهم التساؤل عن معنى أن يكون هناك ولي فقيه وعن حق شخص بعينه أن يحتل ذلك المنصب الوهمي
وعلى هذا الأساس يمكن القول إن السلطة التي يتمتع بها الولي الفقيه والمستندة إلى ما يشبه التفويض الإلهي لا تنحصر في شخص بعينه بل هي سلطة متوارثة مستلهمة من أصول العقيدة التي قامت على أساس حزبي، من المستحيل نزع الطابع الطائفي عنه، لا باعتباره موقفا من الآخر المختلف مذهبيا فحسب بل وأيضا باعتباره موقفا من التاريخ بوقائعه السياسية التي كانت ولا تزال وستظل جزءا عضويا من العقيدة. فالولي الفقيه يرعى العقيدة كونها الإناء الذي تصب فيه الأفكار السياسية.
موقع يشكل في حد ذاته بؤرة اختلاف عميق بين المسلمين في ما يتعلق بوظيفة رجل الدين الذي صار في سياق نظرية ولاية الفقيه رجل حرب. كان الخميني رجل حرب وصف السلام بأنه أشبه بالسم وها هم ورثته بمن فيهم حسن نصرالله يواصلون السير على الخط نفسه الذي يُسمى “خط الإمام”. فبدلا من أن يكون رجل الدين داعية سلام وهو ما تنص عليه الأديان كلها، السماوية والأرضية، صار وفق التوصيف السياسي الشيعي داعية حرب دائمة ضد العالم كله. وهو ما أدخل أتباع المذهب الشيعي من غير الحزبيين في متاهة تشعبت دروبها. فمَن يرفض منهم مبدأ ولاية الفقيه وفق التفسير الخميني صار يجد نفسه على خلاف مع شيعيته التي اكتشف مع التجربة الإيرانية أنها كانت منفذا لرجال الدين للوصول إلى السلطة التي نجحوا من خلالها أن يفرضوا سلطة كهنوتهم على المجتمعات التي خُدعت بشعار المظلومية الذي ينطوي على الكثير من التضليل على المستويين العقائدي والتاريخي.
السلطة التي يتمتع بها الولي الفقيه والمستندة إلى ما يشبه التفويض الإلهي لا تنحصر في شخص بعينه بل هي سلطة متوارثة
علينا أن نتذكر هنا أن الخميني بدأ عصره بالانتقام حين عاشت طهران والمدن الإيرانية الأخرى مشاهد إعدام علنية جرت بعد محاكمات مرتجلة أشرف عليها رجال دين لا علاقة لهم بالقضاء. حدث ذلك قبل أكثر من أربعين سنة، ولكنه لا يزال يحدث بين حين وآخر وإن بأشكال جديدة. فشرطة الأخلاق حين قتلت الشابة الكردية مهسا أميني إنما استجابت لتعاليم الخميني التي تنص على قتل الخارجين على مبادئ الثورة ومنها حجاب النساء مباشرة. ولو كان الخميني على درجة بسيطة من العلاقة بالحياة الحقة لما فرض تلك التعاليم التي تدفع نصف المجتمع إلى معاداة الدولة. ولكن فكرة الولي الفقيه مثلما فتنته فإنها عزلته عن العالم بكل اتجاهاته وعن الحياة بكل ألوانها. كان رجلا مغلقا على نفسه صنع صندوقا اسمه “الولي الفقيه” سيكون بمثابة نصب تذكاري يتعبد أمامه الكثيرون، غير أن هناك مَن سيشعر أن كرامته الإنسانية ستكون ناقصة لو أنه اتبع ذلك الوحش المقيم في ذلك الصندوق.
ولكن المذهب الذي طعمه الخميني بولاية الفقيه يقول غير ذلك. وهو ما يعني أن الشيعة كأفراد لا يحق لهم التساؤل عن معنى أن يكون هناك ولي فقيه وعن حق شخص بعينه أن يحتل ذلك المنصب الوهمي.
لقد ضيق مبدأ ولاية الفقيه على الشيعة انتماءهم إلى مذهبهم فإما أن ينتسبوا إليه أو أن يكونوا خارجين على المذهب. ولن يغادر الشيعة تلك الطريق الضيقة إلا حين يتحررون من مبدأ ولاية الفقيه.
وبما أن ولاية الفقيه قد صنعت نظامها السياسي الذي صار خطرا لا على المنطقة وحدها بل على العالم أجمع، فإن فكرة زوال ذلك النظام هي الأكثر جدوى للسلام العالمي من التفاوض معه، لا لشيء إلا لأن بقاء ذلك النظام هو الضمانة لاستمرار العمل بمبدأ ولاية الفقيه الذي يلقي بالشيعة في التهلكة من خلال دفعهم إلى أن يرفعوا راية العداء في وجه العالم كله.
* كاتب عراقي-صحيفة العرب