الدكتور صادق القاضي يكتب لـ" 2 ديسمبر ": المرجعية الحوثية: بين "القرآن" و"طهران"؟!
يسند "الإسلام السياسي" لـ"الجماعة الحوثية" في جزءٍ مهمٍّ من مرجعيته النظرية، على الدروس والمحاضرات التي كان يلقيها مؤسسها وزعيمها ومرشدها "حسين بدر الدين الحوثي" (1959 : 2004م) على أتباعه مما سُمي "الشباب المؤمن" وغيرهم، تحت عنوان "دروس من هدي القرآن الكريم".
لسببٍ وجيهٍ يتعلق بضحالة وشعبوية وتهافت الخطاب الديني والفكري في تلك الدروس.. ترفض "الجماعة" حتى اليوم طباعتها وتوزيعها على شكل كتاب ببيانات رسمية مسؤولة، وما تزال تراجعها وتعدلها وتهذبها بين فترة وأخرى، وتطبعها وتوزعها على شكل "الملازم الجامعية"، ومن هنا اكتسبت هذه المنشورات اسم "الملازم".
المهم في كل حال، أن عنوان هذه "الملازم" يُظهر أن صاحبها اتخذ من "النص القرآني" مرجعية محورية لنظريته، وهو ما تسعى الجماعة الحوثية لتكريسه في الوعي والثقافة العامة والشعبوية في اليمن، بكل السبل، وعلى أساس ذلك أطلقوا صفة "القرآن الناطق"، على هذا المؤسس، كما وصفوا النهج السياسي والعسكري لجماعتهم بـ"المسيرة القرآنية"!
وبطبيعة الحال، فإن هذا التمسح بالنص القرآني، لا يعني أن النظرية الحوثية قريبة متشابهة مع نظريات الفِرق القديمة والحديثة التي تسمى "القرآنيين أو أهل القرآن"، ولا بعيدة مختلفة عن نظريات الإسلام السياسي السني والشيعي المستندة على نصوص الأحاديث النبوية، أو أقوال الأئمة والفقهاء والمرشدين.
العبرة هنا ودائمًا ليست في نوعية النص المرجعي، بل في نوعية المخرجات النظرية والعملية من قراءته وتأويله. وعلى هذا المحك، فالنظرية والممارسة الحوثية تجعلها أبعد ما تكون عن "القرآنيين"، وأقرب ما تكون من الجماعات الجهادية السنية والشيعية، مثل الحشاشين والوهابيين وحتى القاعدة وداعش..
النص القرآني "حمّال أوجه" كما قال الإمام علي"، إذ يمكن لأي شخص تأويل القرآن بما يخدم رأيه ورؤيته الخاصة، وللشيعة بالذات تجربة تاريخية شهيرة مع المزايدة والخداع بالقرآن الكريم، هي تجربة الإمام علي ومعاوية في معركة صِفّين، رفع أنصار معاوية المصاحف على أسنة الرماح وطلبوا تحكيم القرآن، وانخدع بهم بعض أنصار الإمام علي الذي وصف تحكيم القرآن بعبارته العظيمة الشهيرة: "كلمة حق يراد بها باطل".
وهي عبارة تصح على الخطاب الحوثي بنفس القدر وأكثر، خاصةً على ضوء الممارسات الهمجية لهذه الجماعة في اليمن منذ تأسيسها، وبالذات من اجتياحها لصنعاء وانقلابها على الدولة والإجماع الوطني، ومواقفها المحلية والإقليمية والدولية من حينه، وكلها تؤكد أن مرجعية هذه الجماعة ماثلة أولًا وأخيرًا في علاقتها المكشوفة بنظام الملالي في طهران.
ثمّ إن النص القرآني هو مرجعية جميع المسلمين، بجميع فرقهم وفصائلهم، من الفرق الصوفية التي تنزه الإسلام عن السياسة، إلى فرق: "أنصار الله" وأنصار الشريعة" و"حزب الله" و"بوكو حرام".. وغيرها من الفرق الدينية السياسية الجهادية التي لا تتورع عن استخدام الله والرسول والقرآن والسنة.. في تبرير أقذر المهام والنزوات السياسية والعسكرية!