شعرت بسعادة غامرة وفرح خفف عني الحزن والألم، عندما لاحظت استياء الناس ورفضهم التغييرات التي طالت المنهج التعليمي المستند إلى قيم الجمهورية، بمناهج طائفية سلالية.. هكذا يقول التربوي "محمد"- نتحفظ عن ذكر اسمه الثلاثي خشية على حياته- وهو أحد المعلمين في العاصمة المختطفة صنعاء، بعد أن لاحظ تذمر ورفض الأهالي مساعي المليشيا الإرهابية لحوثنة المناهج التعليمية.
 
يضيف محمد، في حديث لـ"وكالة 2 ديسمبر": "أشعر بغصّة وأنا أجد المنهج الذي تعودت تدريسه لسنوات وقد أصبح روزنامة من الضخ الطائفي، يحوي بين غلافيه أفكارًا تمجد خرافات السلالة الحوثية؛ لكن رفض الناس لهذا التوجه الخطير في ملشنة التعليم، خفف عني ألم التفكير بمستقبل جيل بأكمله".
 
وأكد: "لا يمكن أن أكون أبدًا مشاركًا في تنشئة الأطفال بأجندة طائفية، كوني أحد المعلمين، وسأعمل جاهدًا على تحصينهم من هذه الأفكار قدر ما استطعت كواجب يمليه عليّ ضميري".
 
ألم الضمير 
 
بحسرة، يتحدث محمد: "أنا أستاذ تربوي، تلقيت تعليمي بفضل الجمهورية ومنهجها التعليمي، وهذا المنهج من جلائل الأعمال لرموز ثورتي سبتمبر وأكتوبر، ومن تضحيات كبيرة بُذلت في سبيل مقارعة الظلم، واليوم يعكف الحوثيون على تدريس تاريخ الإمامة ومجيء من يسمونه الإمام الهادي إلى اليمن، وعما يسمى آل البيت وطاعتهم وخرافة الولاية!"، مشيرًا إلى أن هذا المنهج والأفكار التي يحتويها قامت ضده، من قبل، ثورة 26 سبتمبر، وخلّصت الناس من خطورته الفكرية.
 
استياء الناس على تغيير المناهج التعليمية من قِبل مليشيا الحوثي، لا يقتصر على سكان العاصمة، إنما كافة المواطنين في المدن الخاضعة لسيطرة المليشيا المدعومة من إيران؛ ذلك أنه يستهدف النسيج الاجتماعي ويمجد السلالة ويضع لقادتها الإرهابيين هالة مقدسة، عكس ما هم عليه، في تزييف للحقائق والواقع والتاريخ.
طمس الذاكرة الوطنية
 
وأجرت المليشيا تغييرات في أربعة من مناهج المرحلة الأساسية: اللغة العربية والتربية الإسلامية والتربية المدنية والتاريخ، تضمنت تلك التعديلات دروسًا تمجد التاريخ الإمامي السلالي الطائفي، وتزيف الأحداث الدموية التي مرت منذ سيطرة مليشيا الحوثي على صنعاء، فيما تعتبر يوم النكبة 21 سبتمبر/أيلول 2014- وهو تاريخ انقلابهم واستيلائهم على صنعاء- بأنه ثورة، في حين تحاول تغييب الثورات اليمنية العظيمة 26 سبتمبر و14 أكتوبر و30 نوفمبر، والثوابت الوطنية، وتهاجم المجتمعين الإقليمي والدولي، وتكرس في أذهان الناشئة أن الحوثيين الذين أدخلوا اليمن فيما وصفتها التقارير الدولية بأسوأ أزمة إنسانية على مستوى العالم، حماة الوطن، وتعمل على غرس الولاء للمليشيا وأسيادهم في إيران الدولة الراعية للإرهاب، بدلًا عن اليمن.
 
عمدت المليشيا الحوثية في مناهجها التدجينية إلى استبدال قصيدة شاعر اليمن الكبير عبدالعزيز المقالح التي تمجد الجمهورية، بقصيدة للشويعر المدعو معاذ الجنيد، تمجد السلالة، كما استبدلت الدروس المتعلقة بشهداء ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة؛ محمد محمود الزبيري وعلي عبدالمغني، بدروس تتحدث عن "الإمام القاسم والإمام المنصور وابنه يحيى حميد الدين"، وجميعهم أئمة سلاليون سفاحون حكموا اليمن بالحديد والنار.
 
يشير أحد التربويين المخضرمين- نتحفظ عن ذكر اسمه خشية على حياته- إلى أن مساعي المليشيا في تغيير المنهج، تهدف إلى طمس الذاكرة الوطنية، وتاريخ الجمهورية اليمنية، ومناسباتها الخالدة في الضمير الوطني كثورة الـ26 من سبتمبر، ومحاولة محو رموزها، وإعادة كتابة التاريخ اليمني بما يتوافق مع أفكار السلالة الذي يروج للحكم الإمامي الكهنوتي.
 
ويؤكد أن المليشيا عندما شعرت برفض المواطنين لمشروعها الطائفي، اتجهت إلى تلقينه للنشء في محاولة لإيجاد قاعدة شعبية تنمو مع الأيام.
 
العمالة لإيران
 
لم تكتفِ المليشيا في تكريس العنصرية وأفضلية الحوثي سلاليًا على سائر المواطنين اليمنيين، بل عملت أيضًا على تقديم التاريخ بصورته المزيفة، ما يظهر في إضافة درس عن معركة كربلاء بين الحسين بن علي ويزيد بن معاوية، في كتاب التاريخ للصف السادس بعنوان "الدولة العلوية في طبرستان"، ومحاولة الربط بين اليمن وإيران تاريخيًا، وتصوير فارس ومدها الصفوي منقذًا وصديقًا لا عدوًا إرهابيًا كما تحكي المدونات التاريخية منذ القدم.
 
هذا التوجه، يؤكد كما وصف عاملون في سلك التعليم، عمالة وتبعية مليشيا الحوثي لإيران بشكل علني، وأنها تحاول تبرير ذلك من خلال ربط تاريخ اليمن مع إيران، وأن ثمة علاقات تاريخية مشتركة تجمعهما، ودولة واحدة كانت تحكمهما منذ آلاف السنين هي الدولة العلوية، الأمر الذي قوبل بنفور ورفض لدى عامة الناس.
 
وعن السخط الشعبي الواسع للصلف الحوثي، يقول الكاتب محمد العلائي: "يُعد الرأي العام مظهرًا من مظاهر الثقافة الجمهورية، ومن هذا المنطلق نفهم مشاعر الاستياء والسخرية والرفض التي أثارتها السياسات التعليمية لمليشيا الحوثي بما في ذلك الاستياء من تغيير المنهج ومحاولات صبغه بصبغة الجماعة، وطمس الذاكرة الوطنية والجمهورية".
 
يضيف العلائي: "رفض الناس بهذا الشكل القوي، يؤكد أن الجمهورية أصبحت متجذرة في نفوس المواطنين، بحيث غدت مسألة ثابتة، ومحاولة إزالتها ضرب من المستحيل، وأن الوعي المجتمعي سيظل رافضًا".
 
التعليم النظامي أيًا يكن محتواه، بحسب العلائي، ليس سوى مؤثر واحد من بين مصادر تأثير أخرى لا تقل أهمية في تشكيل الوعي والشخصية، وذلك لأن المواقف السياسية والوطنية في اليمن تنشأ غالبًا من الإحساس النقدي العقلاني بضرورات الواقع المادي، لا من اعتبارات النصوص والعلوم النظرية، مؤكدًا أن العبث الصبياني بالمنهج الدارسي، سيضاعف كراهية الناس ضدهم بشكل أقوى.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية