الدكتور صادق القاضي يكتب لـ" وكالة 2 ديسمبر" : الإمامة العائدة.. تحاول السيطرة على المستقبل (1- 2)
عندما قام رجال ثورة 26 سبتمبر 1962م، بالإطاحة بالنظام الإمامي البائد، كان من أهم مهامهم وأول أولوياتهم البديهية: تخليص الثقافة والفكر والوعي الجمعي، للشعب اليمني، من مخلفات الكهنوت والاستبداد، واستبدال طرق الإدراك والتفكير والتعبير والسلوك العامة، ببدائل عصرية حديثة تعبّر عن النظام الجمهوري، بقيمه ومرجعياته ومنطلقاته وتوجهاته وأهدافه، ورؤيته وعلاقته بالشعب والعصر والحياة..
لم يكن الأمر مجرد "انقلاب" مسلح على "الإمام"، بل ثورة على "الإمامة" والثقافة الكهنوتية التي أنتجت الحاكم الإمامي، ويعتمد عليها في سطوته وبقائه واستمراه.
"الإمامة العائدة" فعلت المثل.. اجتياح "الجماعة الحوثية" لصنعاء واستحواذها على الدولة ليس مجرد "انقلاب" كما نسميه بشيء من الغفلة.. بل تسونامي عميق شامل لا بد أن يجرف كل شيء تعلمناه وعرفناه وألفناه في ظل النظام الجمهوري.
هذا شيء طبيعي، كان متوقعًا منذ البدء. وكما بدأ النظام الجمهوري من "التعليم"، بدأت الجماعة الحوثية منه.. "التعليم" هو الرهان الرابح لأيّ نظام باعتباره: مصنعاً للأجيال، والأداة الأكثر فاعلية للتأثير والتغيير، والأداة الأضمن لأيّ تغيير حقيقي جذري منشود، والخيار الاستراتيجي الأكثر ضمانة للسيطرة على المستقبل.
يتعلق الأمر بالأنشطة والمقررات والمناهج والمضامين التعليمية والتربوية.. وبالذات المواد التي تتشكل بموجبها شخصية الشخص، ووعيه وقيمه الفكرية والثقافية، ومبادئه الإنسانية والدينية والقومية والوطنية..
سبق للجماعة الحوثية أن قامت جزئياً بـ"تعديل" بعض مضامين هذه المقررات، في محاولة تدريجية "لتشييع" الشعب اليمني السني في أغلبه، وأكثر من ذلك لنشر أيديولوجيتها الخاصة المختلفة والدخيلة حتى على المذهب الزيدي.
لكنها مؤخراً، وقد اطمأنت عسكرياً، فعلت ذلك دفعة واحدة، بإصدارها قراراً يقضي بإلغاء المقررات والمناهج المتبقية من العهد الجمهوري، واستبدالها بمقررات تعليمية أعدتها الجماعة نفسها بما يتلاءم مع أيديولوجيتها الكهنوتية.. ضمن "تغيير" شامل في بنية وأسس ومنطلقات وأهداف وتوجهات العملية التعليمية والتربوية في اليمن.
قد لا يقدّر بعضهم حجم خطورة هذا "الاجتياح" الجديد، لكن خطورته لا تقل بحال عن اجتياح الجماعة الحوثية لصنعاء عام 2014م، يومها انقلبت هذه المليشيا على النظام، واستحوذت على الدولة بالسلاح، لتمكين نفسها في الحاضر.. بينما هي اليوم، بمثل هذا القرار، تقوم بالانقلاب على الشعب، والاستحواذ على وعي ووجدان الأجيال؛ لتمكين نفسها في المستقبل.