مناهج داعش سوريا وحوثي اليمن.. تفخيخ المستقبل بجيل إرهابي( تحليل)
إقدام مليشيا الحوثي على تغيير المناهج وبالمحتوى الذي تعتمده، أعاد إلى الأذهان ما قام به تنظيم داعش في مناطق كان قد سيطر عليها سواء في سوريا أو في العراق، حيث ألغى مناهج التعليم وأقر كتب (ملازم) من عنده بمحتوى خُصص لصناعة جيل ملغوم بكم هائل من الكراهية والعدوانية تجاه كل من حوله، وكل من يخالفه الرأي حتى لو كان والديه.
حتى في المسائل الحسابية للصفوف الأولى، يعتمد داعش في تعليم العد من واحد إلى عشرة على استخدام رصاص ناري، وكل ما يتعلمه الأطفال له صلة بالقنابل وأدوات الموت.. و بالطريقة ذاتها تمضي مليشيا الحوثي الإرهابية في اليمن، وما يزيد عن داعش أن المليشيا المدعومة إيرانيًا تعمل على ترسيخ خرافة الولاية والحكم السلالي الذي يقسم الشعب اليمني إلى سلالة تحكم وغالبية عبيد.
ما خُيّل لليمنيين قط أن تسقط يومًا قصائدُ شاعر اليمن الكبير عبدالله البردوني من صفحات المناهج المدرسية، لتحل بدلًا عنها قصائد لـ"شعراء" طارئين، تشربوا الطائفية من "ملازم" حسين الحوثي، مؤسس مليشيا الحوثي الهالك؛ أو أن يروا الأخير وطغمة من كبار السلاليين يستحوذون أماكن في مناهج التربية الوطنية، كانت مساحاتٍ محجوزةً حصرًا لشخصيات من الرعيل الوطني الأول، باعتبارها نماذج خالدة من مؤسسي الجمهورية.
في زمن الحوثيين، استُبيح التعليم على نحو مخيف، وفاحت روائح الكراهية من وسط طيّات الكتب؛ إذ تدرجت المليشيا بإجراء تعديلات على المناهج الدراسية بما يتلاءم ومشروعها الطائفي؛ لكن هذه التعديلات بلغت ذروتها مؤخرًا مع اشتمالها على إحداث تغيير جذري في أمتان الكتب وحذف مضامين المنهج المُقر مسبقًا، بشكل كلي، من مناهج التربية الإسلامية والقرآن الكريم واللغة العربية والتربية الوطنية.
انصب تركيز الحوثيين على طلاب المراحل الابتدائية، من الصف الأول إلى الصف السادس بدرجة أساسية، وهي المرحلة العمرية الأكثر انفتاحًا على استقاء المفاهيم الجديدة دون قيود أو مراجعات؛ إذ إن الخصائص الذهنية والسلوكية للأطفال تقترن عادة بالفهم السطحي للأشياء، والقابلية العالية للتوجيه السلوكي العملي؛ فضلًا عن تلقائية المشاعر والعواطف النفسية؛ لذلك يستغل الحوثيون هذه الخصائص لإغراق الأطفال بالأفكار الطائفية وتنشئتهم عليها.
تشير هذه المعطيات إلى مستوى التدبير الذي حاكه الحوثيون لإدارة اللعبة الطائفية بأكبر قدرٍ من الكفاءة؛ ومع أن التعديلات ليست وليدة اليوم، إلا أنها باتت أكثر خطورة بعد تعميمها حتى على المدارس الخاصة، ناهيك عن التركيز على مرحلة النشء لضمان بناء جيل عقائدي بامتياز سيتحول مع السنين- إذا ما قُهر هذا المشروع- إلى جيش من المتطرفين كما تبيّت المليشيا وتهدف من وراء هذا المسعى.
على ما أفادت مصادر في صنعاء، فإن المليشيا الحوثية اقتحمت العديد من المدارس الخاصة وخاطب مسلحوها الطلاب بصريح العبارة دون مواربة: "اللي يشتي يكون دكتور أو مهندس أو طيار هذا فاشل، وأن البطل والشاطر هو اللي يشتي يطلع مجاهد"؛ يحدث هذا بالتوازي مع إجراءات صارمة لفرض المناهج الجديدة على المدارس الخاصة، ما يعني أن الغيمة السرمدية المعتمة قد لا تنجلي عما قريب؛ بل قد تلقي العتمة المزيد من حُجبها على الجميع.
والواضح أن الهدف من وراء هذه التعديلات، ليس مجرد إعادة النظر في مضامين الكتب كما تسوّق المليشيا مزاعم التبرير، إنما هي خلطة كاملة تتضمن طرائق التدريس والأنشطة والتقويم التي تعمل على بناء شخصية المتعلم ووعيه وتدريبه، بما يضمن للمليشيا مستقبلًا ضم جيل بأكمله إلى مشروعها الآسن، كونه تعديلًا أُجري لغاية طائفية باعتباره كان مجردًا من نظم التطوير المنهجية التي تتشكل في عملية متواصلة وتراكمية من خلال الدولة لا في عهدة مليشيا طائفية شرعنت لنفسها الدور.
الآن، لم يعد خافيًا على أحد مشروع الإيديولوجيا الدينية والتربية على العقائد التي تكرس لأجلها المليشيا جهودًا مضنية، لرفع منسوب الطائفية والتعصب ورفض الآخر، والهدف من وراء ذلك تعمير الحواجز أمام كل المبادرات الآيلة إلى جمع اليمنيين باتجاه أهداف وطنية مدنية موحّدة، وصنع شرخ مجتمعي كبير يوسّع الهوة التي بدأت المليشيا الحوثية الاشتغال عليها منذ بدء الحرب.