مجلة شؤون إيرانية: هل اعترف "حزب الله" أخيرًا بإسرائيل؟!
• إقرار "حزب الله" باتفاقية ترسيم الحدود البحرية هو بمثابة اعتراف ضمني بالكيان الصهيوني كدولة
• رئيس وزراء الاحتلال يائير لابيد: الاتفاقية البحرية ستؤدي إلى تراجع دور "حزب الله" في السياسة اللبنانية
• تنازل الجماعة الشيعية عن "موقفها القتالي" المعلن جاء ضمن تنازلات أخرى أبداها لبنان لصالح إسرائيل
• كاتب لبناني: الكثيرون في لبنان اليوم يرون أن عملية الترسيم الجارية هي "تطبيع مع العدو"
وضعت اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و(إسرائيل)، التي تم التوصل إليها بوساطة أمريكية، "حزب الله" اللبناني في مأزق، خصوصًا في ظل تناقض مواقف الجماعة الشيعية المسلحة من هذه الاتفاقية، بين الرفض العلني والتأييد السري، ووسط تساؤلات يطرحها المراقبون مفادها: هل اعترف "حزب الله" أخيرًا بإسرائيل؟!
وفي سبيل الإجابة على هذا السؤال، ذكرت دراسة نشرها "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى"، مؤخرًا، أن اعتراف "حزب الله" باتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و(إسرائيل)، تمهيدًا لبدء استخراج النفط والغاز الطبيعي من مياهه الإقليمية في البحر المتوسط، هو بمثابة اعتراف ضمني بالكيان الصهيوني كدولة، وليس مجرد "كيان" كما تؤكد أدبيات الحزب وتصريحات كبار مسؤوليه منذ عدة عقود.
وأشارت الدراسة، في هذا الصدد، إلى خطاب حسن نصر الله، أمين عام الحزب، في 17 سبتمبر/أيلول الماضي، بأن جماعته "ستعطي فرصة لإحلال السلام"، وستمتنع عن إطلاق المزيد من التهديدات أو القيام بأعمال مسلحة.
واعتبرت أن هذا الإعلان الخاص بـ"حزب الله" يعكس عدم قدرته على الدخول في مواجهة عسكرية مع (إسرائيل)، وبدلًا من ذلك هو يبحث عن طريقة دبلوماسية للخروج من التهديدات التي أصدرها، كما أن تنازله عن "موقفه القتالي"، جاء ضمن تنازلات أخرى أبداها لبنان لصالح (إسرائيل) من أجل إبرام اتفاق بشكل سريع.
ازدواجية كبرى
من المؤكد أن "حزب الله" واكب كل لحظات اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، وكانت تصله بشكل سريع كل تطورات الملف والاقتراحات الدولية والأمريكية والإسرائيلية. كما كان فريق من قبله يُطلع أمينه العام، حسن نصر الله، على تطورات الملف، ويدون ملاحظاته على كل بند أو مقترح، وهو ما يعني حدوث تغيّر كبير في موقف الميليشيات الموالية لإيران من الاحتلال الإسرائيلي.
من جهة أخرى، ينطوي تعامل "حزب الله" مع هذه القضية الإشكالية، على مبادئ براجماتية محضة، ففي خطابه المشار إليه، اعتبر نصر الله أن هذا الملف الاقتصادي لا يتصل بأي ملف سياسي آخر. وهو ما يعني وجود ازدواجية كبرى في المسألة برمتها.
قال نصر الله: "المسؤولون الصهاينة قالوا بأن الاستخراج من حقل كاريش سيحصل في سبتمبر/ أيلول ولكنّهم أجّلوا، المهم ألا يحصل استخراج من حقل كاريش قبل حصول لبنان على مطالبه المحقّة. الخطّ الأحمر بالنسبة إلينا هو بدء استخراج الغاز من كاريش، وقد أرسلنا رسالة بعيدًا عن الإعلام أننا أمام مشكل إذا بدأ الاستخراج، هدفنا أن يتمكّن لبنان من استخراج النفط والغاز، وهذا الملفّ لا يتصل بأيّ ملف آخر".
ويؤكد المراقبون، أنه خلال السنوات الأخيرة، بدا أن "حزب الله" قد توصل إلى استنتاجين مهمين: أن التهديدات الفارغة باستخدام صواريخه وطائراته المسيرة، قد تحقق نتائج أكثر من استخدام الأسلحة نفسها، وأن حربًا أخرى يمكن أن يكون لها تداعيات أسوأ على الحزب من تقديم تنازلات لعدوه اللدود.
وحمل موقف الجماعة الشيعية خلال الأشهر الأخيرة من هذا الملف تناقضًا أساسيًا، ففي العلن هدد "حزب الله" بما أسماه "الانتقام من إسرائيل وقطع الأيدي الصهيونية"، وأعلن رفضه المفاوضات مع (إسرائيل). أما في الخفاء، فكان مسؤولو الجماعة يحثون السلطة في لبنان على متابعة التفاوض مع (تل أبيب) بجدية!
تغيير قواعد اللعبة
يقول الكاتب إبراهيم نوار، إن اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع (إسرائيل)، يمنح لبنان فرصة تاريخية لـ"تغيير قواعد اللعبة" في التعامل مع أزماته المختلفة، من بوابة فتح كنز الغاز، الذي لا يمكن فتحه دون موافقة (إسرائيل).
ويضيف نوار، إنه على الرغم من أن نصر الله لن يستخدم أبدًا مصطلح "التطبيع"، وسط احتدام أزمة الاستقطاب السياسي في المنطقة بين إيران و(إسرائيل)، فإن اتفاق ترسيم الحدود البحرية يقيم قاعدة مصالح مشتركة، من خلال نظام متفق عليه لإدارة مورد مشترك هو الغاز الطبيعي، لن يمكن لأي من الطرفين استثماره من دون اتفاق مع الطرف الآخر. ونظرًا لفوائده الاقتصادية غير المشكوك فيها، فإن الزعامات السياسية في بلد يعاني من أزمة اقتصادية طاحنة وممتدة، تقف في صف الاتفاق، ربما مع بعض التحفظات، التي يمكن وصفها بأنها "شكلية وجزئية".
من جهة ثانية، اعتبر رئيس وزراء الاحتلال يائير لابيد، أن الاتفاقية البحرية من شأنها أن تؤدي إلى تراجع دور "حزب الله" في السياسة اللبنانية، قائلًا: "نحن لا نعارض تطوير حقل غاز لبناني إضافي، سنحصل منه بالطبع على الحصة التي نستحقها. هذا الحقل سيقلل اعتماد لبنان على إيران، ويحد من نفوذ حزب الله، ويعزز الاستقرار الإقليمي".
في المقابل، يرى بعض المحللين عكس ذلك، مؤكدين أن إعطاء "حزب الله" الضوء الأخضر للتنازل عن حقل "كاريش" والخط 29، يعني أنه سيحصل مكاسب أهم وأعلى. وهذه المكاسب ستكون في الواقعين السياسي والاقتصادي، فبعد توقيع الاتفاق سيذهب لبنان نحو خطوات متتالية في عملية إعادة بناء الدولة المنهارة، بدءًا من تشكيل حكومة فاعلة وانتخاب رئيس للجمهورية، سيكون للجماعة الشيعية دور كبير فيها.
ويشير المراقبون إلى إعلانات "حزب الله" الأخيرة أنه يقف خلف السلطة في اتفاقية الترسيم، تؤكد حقيقة أنه حزب لا يمانع أن تسرق (إسرائيل) حقوق لبنان من النفط والغاز، والجميع يعرف أن الدولة اللبنانية التي أضعفها الحزب الإيراني ويقودها للسقوط لا تهمه مصالح لبنان دولة وشعبًا، وإنما مصالح إيران، فهذا الفصيل الإيراني تمكّن من التفاهم مع (إسرائيل) في الوقت الذي عجز فيه عن تفاهمه مع الشعب اللبناني حيال عروبة لبنان ودوره.
ويرى مراقبون أن هذا الحزب بات عليه من الصعب أن يبرر وجود سلاحه أو عداءه لـ(إسرائيل)، فكيف يتفق الحزب مع مَن يدعي عداءه، ويؤكد المراقبون أن الاتفاق سيكون على حساب لبنان لأنه الأضعف، ولأن الحسابات في الاتفاق ليست لبنانية بل إيرانية، طالما أن من يقود المباحثات هو "حزب الله".
وأخيرًا يقول الكاتب اللبناني سمير سكاف، "هناك كثيرون في لبنان اليوم يرون أن عملية الترسيم الجارية هي تطبيع مع العدو، فالتطبيع هو الاعتراف بوجود الكيان الآخر. وإن عملية ترسيم الحدود هي اعتراف بحدود الدولة الاسرائيلية بحرًا. وهو تسليم بكيانها، بحقوقها، وباستثماراتها. لبنان اليوم هو في مرحلة الاعتراف بوجود العدو، وهو يفاوض مع العدو، ولا يهم إن كان ذلك مباشرا أو غير مباشر! فهذا يعتبره الكثيرون تطبيعًا!".
ـــــــــــــــــــــــــــ
مجلة شؤون إيرانية الصادرة من باريس