ملف| الفريضة السبتمبرية الغائبة.. ثغرة التسلل الإمامي للانقضاض على اليمنيين (الحلقة 1)
الحلقة (1) قبْيَلة الإسلام
في 26 سبتمبر 1962، أطلق اليمنيون ثورتهم ضد حكم بيت حميد الدين الذي مثّل استئنافًا لحكم إمامي كهنوتي استعلائي، بدأت محاولاته في اليمن مع إبراهيم بن موسى الكاظم الملقب بالجزار لكثرة ما قتل من اليمنيين أوائل القرن الهجري الثاني؛ لكن التاريخ الفعلي للإمامة باليمن كان في نهايات ذات القرن مع مقدَم يحيى الرسي إلى صعدة للمرة الثانية، لاعتماده ومن بعده، خلافًا للجزار، على اختراق الشخصية اليمنية بخلق أرضية ثقافية مواتية لتقبل الإمامة، وهي الأرضية التي أغفلتها أشكال المواجهة اليمنية حتى في العصر الجمهوري عقب ثورة 26 سبتمبر.
وهنا تحاول وكالة "2 ديسمبر" فتح ملف يستهدف إلقاء حجر في الزاوية المعتمة (الثقافة) التي أدركت الإمامة، أكثر من غيرها، أهميتها كمنطقة عمل آمنة بطيئة، لكنها شديدة الفعالية في ضمان امتصاص أية انتكاسات تلحق الإمامة سياسيًا وعسكريًا، وتتيح لها القدرة على الكمون ثم الظهور في الوقت المناسب، كما جرى الأمر مؤخرًا مع المليشيا الحوثية.
مثلما أصبح الإسلام محورًا لحياة شعوب كثيرة تمتد على مساحة جغرافية واسعة في قارات العالم القديم، فقد كان لليمنيين كذلك، خاصة أنه بالنسبة لهم جاء كعامل توحيد لفّ حوله القبائل اليمنية وتجاوز توزعهم الديني بين اليهودية والمسيحية والوثنية وكذا المجوسية التي جلبها الاحتلال الفارسي لليمن قبيل الإسلام، فكان الدين الجديد ودعاته الأوائل من أبناء جنوب غرب الجزيرة العربية (شمال اليمن) محل قداسة وتقدير، ودخل الإسلام كعامل حاسم في بناء الشخصية اليمنية؛ لكن بقراءات غير يمنية، وصارت اليمن وشعبها حلقة جغرافية وتاريخية مهمة في المدماك الإسلامي.
الإسلام ضم المكونات الدينية لأي دين كبير، من عقائد وطقوس وأخلاق وتشريعات وأساطير (ليس بالمعنى السلبي للأسطورة)، وهي مكونات في حقيقتها تدخل في بناء شخصية الإنسان المنتمي للدين، وبالتالي في ثقافته كفرد ومجتمع؛ إلا أنه كغيره من الديانات تعرضت مكوناته لتفسيرات مختلفة عكست الخلفيات الثقافية للمجتمعات المحلية قبل اعتناقها وتفاعلها مع الثقافة الإسلامية الناشئة في القرون الهجرية الأولى، ومن هنا ولدت المذاهب العقائدية والفقهية التي تأسست بطريقة أو بأخرى، مباشرة وغير مباشرة، على رؤى ومواقف سياسية، وكلها كانت مشدودة للمركز "القرشي" دون التفريق بين الدين والقبيلة أو بين المهاجرين الأوائل كحالة أسبقية دينية محضة للإسلام اتسمت بمعارضة القرشية القبَلية لها، من جهة، وللثقافات المحلية الكامنة لما قبل الإسلام، من جهة ثانية.
انخراط اليمنيين في مضمار التضحيات لنشر الإسلام، وإقحامهم في الخلافات البينية القرشية، أضعف إسهاماتهم المستقلة في تشكيل الثقافة الإسلامية، وبالمقابل كثفت القرشية جهود بناء الثقافة الناشئة على أساس ثنائية الدين- القبيلة، أو الإسلام- قريش، حتى أن ما يعرف بالمذاهب السنية والشيعية اتفقت، على اختلافها، في اعتبار الانتماء القبَلي القرشي شرطًا للخلافة كولاية دينية وسياسية في الوقت نفسه، ما أدى على أرض الواقع إلى احتكار مركز السلطة السياسية، فعلًا واسمًا، في قريش لتسعة قرون، وما تهيؤه هذه الفترة الطويلة من قدرته على استمرار تطويع القاعدة الثقافية للمسلمين غير القرشيين للمزيد من إخضاع الإسلام كدين ومحور لثقافة الشعوب والأمم المسلمة للمفاهيم القبلية والسلالية، وبذات الحين كان ذريعة فكرية وثقافية، أيديولوجية في بنيتها ومراميها، لحالات قمع نالت المخالفين، مثلما حصل للخوارج، النافين لشرط القرشية في عقيدتهم السياسية، بجانب ما تسببت به من عمليات إقصاء سياسي لغير القرشيين، وعلى رأسهم اليمنيون، الذين يُعد الأنصار (الأوس والخزرج) تفريعات قبلية منهم، حسب معظم المؤرخين، رغم إسهاماتهم المتفوقة في استيعاب الإسلام ونبيه في بداياته التأسيسية، ومواصلة اليمنيين بمختلف أطيافهم القبلية في توسيع رقعة الإسلام وتقوية شوكته.
فكان أن استُبعد اليمنيون سياسيًا وثقافيًا، وأكثر من هذا شُيطنت إسهاماتهم، كما تم مع إسهامات وهب بن منبه وكعب الأحبار، ونسبة أكبر شخصيات الفتنة الإسلامية عبدالله بن سبأ، المشكوك في وجوده التاريخي، إلى اليمن.