لسنوات طويلة ومئات المتعاقدين في جامعة تعز، يعانون مرارة الحياة، ويعيشون ظروفًا مأساوية وشديدة القسوة، حاملين معهم شهادات البكالوريوس، فيما يتقاضون أجورًا زهيدة و"مهينة" حد وصف البعض، ومع نزوح عدد كبير منهم بسبب الحرب، لم يستطيعوا العودة لقِلة الأجر، فاستغنت عنهم الجامعة واستبدلتهم بغيرهم، فيما البعض الآخر رحل عن الحياة وللأبد، بعد سنوات قضاها في خدمة الجامعة، دون أي استحقاقات لأطفاله من بعده، وتحت مبررات واهية، وفي ظل ظروف فرضها واقع الحرب في البلاد.
 
حكايات مؤلمة
 
أحمد سعيد، خريج ليسانس حقوق، من أوائل المتعاقدين في جامعة تعز، كان مراسلًا في كلية التربية، شغل مناصب عدة منها في قسمي الأحياء والفيزياء.
 
قبل سنة من وفاته (في العام 2016)، تضاعفت أوجاع أحمد سعيد بقنص ابنه البالغ من العمر (15) عاماً، وكانت تلك الحادثة المأساة الكبرى في حياته.
 
رحل أحمد سعيد مخلفاً وراءه أربعة أبناء، أكبرهم صقر (17) عامًا؛ لتتحمل زوجته عبء وهموم الاعتناء بهم، والعيش في قلق دائم ومكابدة وهي تحاول توفير مصاريفهم الدراسية واحتياجاتهم الأساسية.
 
أسرة أحمد سعيد لم تستطع قضاء ديون العمليات التي أُجريت له أثناء تدهور حالته الصحية، وهكذا انتهى الحال بأحمد سعيد وأسرته، ليس لأنه مذنب، بل لأنه اختار أن يكون موظفًا يخدم أجيال الدولة التي شردته، وحرمته من أبسط مستحقاته.
 
وفي متوالية للمآسي التي تلقي بثقلها على كواهل أسر متعاقدي جامعة تعز، تقف أسرة منصور أحمد الذي كان يعمل في مطبعة الجامعة منذ العام 2010، وحيدة في صراعها مع الحياة، بعد وفاة عائلها، في شهر مايو من العام المنصرم، دون أن يحصل على أي مستحقات تُذكر.
 
 أصبح محمد ولد منصور، هو من يعول أمه وإخوته بعد وفاة والده، وفي حديثه لـ"2 ديسمبر" يقول:"لدي أخ وأخت يدرسون في الجامعة وأنا من أعولهم بقدر ما أستطيع". 
 
سلسلة طويلة من المعاناة
 
جزء آخر من المعاناة، أثارها سؤال المحرر لـ(عبدالهادي القباطي)، مسؤول المكتبة في الجامعة عن حاله؟ إذ أوضح أنه يضطر للمشي من شارع جمال وسط المدينة، وحتى جامعة تعز، الواقعة في حبيل سلمان، والتي يعمل فيها منذ أكثر من 15 سنة بالتعاقد، وتابع في حديثه لـ"2 ديسمبر": "إذا في مكافآت يعطونها للمقربين"، مضيفًا بأسى: "قبل أيام قدّمت ورقة لأمين عام الجامعة أنني مريض بالسكري وأريد أن أشتري العلاج، لكنه رمى بالورقة إلى الأرض"!!
 
تستعر جحيم المعاناة، فيلجأ المتعاقدون لمطالبة الجامعة برفع رواتبهم؛ لكن مطالبهم تُقابل بالتهديد بالفصل النهائي، وفق عبدالهادي الذي يعول طفلتين، ويقول إنه وأسرته يعيشون على الإغاثة التي توزعها المنظمات، وإلا فإنهم سيموتون جوعاً.
 
إحدى العاملات في جامعة تعز، تبلغ من العمر 41 عامًا- طلبت عدم ذكر اسمها- تقول لـ2 ديسمبر: "رغم أن رواتبنا لا تكفي حق المواصلات؛ إلا أنهم يخصمون علينا بين الحين والآخر"، وتضيف وعلامات الحزن بادية على وجهها :"أهانونا كثيراً وحتى الآن ينعتوننا بأننا لا نزال بالقلم الرصاص".
 
تعمل أروى في قسم شؤون الطلاب بجامعة تعز منذ 14 سنة، تأتي كل يوم من منطقة ريفية بعيدة، تستهلك منها ألف ريال يوميًا للمواصلات، وتتحدث عن صبرها على قلة الراتب وبقائها في العمل الذي وصفته بأنه يهينها، قائلةط إنها تعول أسرتها وتتحمل نفقات علاج أمها المصابة بجلطة دماغية.
 
 متعاقدة أخرى- طلبت عدم ذكر اسمها- تعمل منذ 11 سنة وشغلت الكثير من الوظائف في الجامعة، توضح لـ"2 ديسمبر" بعضًا مما يحدث بالقول: "الجامعة تتعاقد مع ناس بعقود داخلية تصل إلى 100 ألف، ونحن لا يلتفتون لنا، ولو معك مرض ليس من حقك المطالبة بمستحقات، ولكن تعمل بكل طاقتك وإذا معك وساطة يعطوك".
 
دور نقابة الموظفين بجامعة تعز
 
"أنت بالقلم الرصاص"، بهذه الجملة اختصر معمر الهجامي، مسؤول العلاقات العامة في نقابة الموظفين بجامعة تعز، تعامل قيادة الجامعة مع المتعاقدين، مضيفًا في حديثه مع "2 ديسمبر" :"هناك مؤامرة على المتعاقدين، تحت دعاوى التخصص، يُدخلون موظفين جددًا لديهم وساطة، مع أن المتعاقدين من كل التخصصات"، ويتابع: "آخر تكليف كان في عام 2014 حيث تم تثبيت 10 متعاقدين إدارياً، ولم يتم تثبيتهم ماليًا، ويستلمون رواتب متعاقدين حتى الآن" والتي هي 24 ألف ريال. 
 
لدى جامعة تعز 267 من المتعاقدين، 100 منهم تم فصلهم بسبب نزوحهم، بعد أن تهدمت بيوتهم بسبب الحرب، وفق وثائق حصلت عليها وكالة 2 ديسمبر، وهكذا يفني المتعاقد في جامعة تعز عمره على أمل أن يتم تثبيته بعد أن يقضي قرابة 17 سنة من التعاقد، دون فائدة. 
 
 يؤكد الهجامي أن "قيادة الجامعة لا تعير المتعاقدين أي اهتمام، رغم ما يقوم على عاتقهم من المهام"، و"يروي" قصة أحد زملائه من المتعاقدين "يعيش على وجبة واحدة فقط هو وأطفاله"، فيما بعضهم لا يذهبون للجامعة، بسبب عدم توفر أجور المواصلات إلى الجامعة.
 
ويأتي دور النقابة في حماية حقوق المتعاقدين في الجامعة بتثبيت مبدأ الأقدمية، وعدم ترك الأمر للمزاجية، وتعمل النقابة كدور رقابي على هذا الأمر.
 
ردود وتبريرات قيادة الجامعة
 
 تأتي الردود من قِبل قيادة الجامعة سريعة، على المتعاقدين في رسالة فحواها: "إذا لم يعجبكم الوضع فارحلوا"، مع العلم أن هناك متعاقدين منذ أكثر من 17 سنة، لم يتم تثبيتهم حتى اليوم.
 
أصدرت جامعة تعز قرارًا بزيادة مالية لكل موظفيها، وذلك نظراً لتردي الأوضاع المعيشية في البلاد.. يقول رئيس جامعة تعز الدكتور محمد الشعيبي لوكالة "2 ديسمبر": "نظراً لما تمر به البلاد من مرحلة صعبة، ويعيش الناس أوضاعًا مزرية، فقد قررت الجامعة، زيادة عشرين ألف ريال، لكل المتعاقدين والموظفين بالجامعة".
 
وحينما سأل المحرر رئيس الجامعة عن سبب عدم ترسيم المتعاقدين منذ أكثر من 15 سنة، قال إنه وقبل أن يتم تعيينه رئيساً للجامعة تم قبول أعداد كبيرة من المتعاقدين بدون احتياج، وليسوا مؤهلين ولا متخصصين، فكان أول قرار اتخذه هو توقيف التعاقدات بشكل نهائي، وأما الخطوة الثانية إنهاء عقود المتعاقدين غير المداومين، فالعقد سنوي وغير ملزم للجامعة، حسب تصريحه.
 
 ويضيف الشعيبي، إن التوظيف ليس من اختصاص الجامعة، بل من اختصاص وزارة الخدمة المدنية، حيث كانت تُنزِل درجات وظيفية للجامعة سنويًا، ويتم التوظيف وفق معايير محددة، ولكن منذ 2013 لم تنزل أي درجة وظيفية، مع كل المحاولات والجهود التي تبذلها قيادة الجامعة في سبيل ذلك، حد قوله.
 
رئيس الجامعة يختم الحديث بالقول إنه عندما عُيّن رئيساً للجامعة قام بوضع تعميم واضح وصريح، يقر بالتأمين للمتعاقدين، رغم حدوث تأخير في بعض الإجراءات، كما لا توجد مساواة بين حاملي المؤهلات الجامعية وغيرهم، وقد يكون هذا التساوي في العقد الأولي فقط، ولكن من لديه مؤهل يكون راتبه أكثر، وفي ظل الوضع المزري الذي تعيشه البلاد فإن أمر رفع الأجور أمر مستبعد تمامًا، وفق حديثه.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية