أيام قليلة مضت، شهد العراق خلالها تطورًا، وصفته عدة مصادر بالخطير، في أزمته السياسية، باقتحام أتباع التيار الصدري الشيعي المنطقة الخضراء التي تضم أهم مؤسسات الدولة والأكثر تحصينًا في بغداد، ثم اقتحام مقر البرلمان العراقي، في إطار صراع شيعي- شيعي، بين هذا التيار وتحالف "الإطار التنسيقي" الأكثر ولاء لسلطة ولاية الفقيه بطهران.
 
تفوّق الكتلة الصدرية على بقية الكتل، لا سيما الشيعية، بحصولها على ما بين 70- 90 مقعدًا من مقاعد البرلمان بالانتخابات النيابية الأخيرة في أكتوبر العام الماضي، مقابل تراجع القوى التابعة لإيران؛ كان سببًا مباشرًا لتفجر الأزمة الراهنة، حيث أصرت المليشيا الإيرانية في العراق على تشكيل حكومة توافق ومحاصصة، لضمان استمرار سيطرة حاسمة لطهران على القرار العراقي.
 
الأزمة الجديدة، التي يعتقد مراقبون أنها قد تتحول إلى صِدام مسلح، لم تكن الأولى، وليست الأخيرة، في ظل الإدارة الإيرانية للعراق من خلال أذرعها ومليشياتها، القائمة على تسميم الحياة السياسية بالإقصاء والتطييف والتلويح بالسلاح حتى تحت يافطات ديمقراطية، جنبًا إلى جنب مع إفساد حياة العراقيين الاقتصادية والاجتماعية، وممارسة العمليات التمزيقية وامتصاص أي فعالية ممكنة للاقتصاد العراقي.
 
العراق الغني الذي يرقد على ثروة نفطية ومائية، صار نهبًا لأدوات الفساد الإيرانية، يعاني سكانه الفقر والعوز، وتوقف التنمية، وضآلة الخدمات، وتعميق التبعية لإيران ومفردات أمنها القومي، عبر رفد الولاءات السياسية لها بأنشطة ثقافية واقتصادية مشبوهة.
 
تمامًا، كما فعلت طهران بصنعاء من خلال أدواتها مليشيا الحوثي، ومثلما بدأت في لبنان عندما غزتها العام 1982 بذريعة الإسهام في فك الحصار الإسرائيلي عن بيروت، إلا أن ما حدث قيام نحو ألف من رجالات الحرس الثوري الإيراني بشق حركة أمل الشيعية اللبنانية لتشكيل حزب الله الموالي لها، والمستمر في خلق أزمات لبنان الداخلية والخارجية، على المستويات السياسية والاقتصادية.
 
من داخل اليمن ومن خارجه، تتعالى نداءات تعتقد بإمكانية الوصول مع المليشيا الحوثية إلى تسوية سياسية قائمة على الشراكة والتعايش، وهذا ما تكذّبه الأساليب الإيرانية في إدارة نفوذها بالعراق ولبنان وسوريا والبحرين، ولن تكون اليمن بدعًا بينها فيما إذا تمت بالفعل توقيعات سياسية على أوراق المصالحة وفتح صفحة جديدة.
 
قدّمت مليشيا الحوثي في الواقع مؤشرات تؤكد انخراطها في التبعية الإيرانية إلى حدود لا تقل عن تلك لدى القوى الولائية العراقية أو حزب "الله" اللبناني، أنضجها تنصلها من التزامات إجرائية بسيطة في حقيقتها على مدار أربعة أشهر من هدنة رعتها الأمم المتحدة في اليمن.
 
على فرضية حصول تسوية سياسية مع الحوثيين، ستبقى الكثير من الأسئلة المعيقة لسريان سياسي طبيعي في الحياة اليمنية، من بينها، ما يتعلق بمدى استعدادهم للتخلي عن السلاح وتماهيهم في العملية الديمقراطية، وكذا الضمانات بعدم تكرار جوهر السيناريو العراقي أو اللبناني المرتكز على التأزيم المتواصل، وعن فرص حصول منظومة سياسية يمنية بنفوذ إيراني على ثقة المحيط العربي والمجتمع الدولي، لاستجلاب دعم إعادة الإعمار، واستئناف العملية التنموية وغيرها من مهام ما بعد الحرب.
 
وفاق مع مليشيا تعتبر تبعيتها لعمائم ولاية الفقيه عقيدة دينية غير قابلة للمساومة، لا يعني إلا إعادة موضَعة اليمن في مستنقعات الفوضى الإيرانية، وما يحدث في العراق ولبنان مؤشر لما سيكون عليه اليمن في مستقبلٍ ظاهره النعمة الديمقراطية وباطنه اللعنة الحوثية.

 

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية