(تحليل إخباري) عودة إلى مُسلسل التجنيد.. استقطاب حوثي متسارع للأطفال تحت ظلال الهُدنة
قد يبدو المشهدُ فيما خص الدور الحالي للأمم المتحدة في اليمن أقرب إلى "اندفاعةٍ طموحة" ما برحت أن تحوّلت إلى "محاولات عاثرة" تهددها أو تكبح جماحها ممماطلة مليشيا الحوثي وتراخي الموقف الدولي؛ لكن نظرةً سريعةً في قرائة تحوّلات المشهد اليمني في الشهرين ونصف الشهر الماضية، تجعلنا نستنبط أن فرضيات السلام لا زالت أبعد عن مدى التفاؤل الذي يُبديه البعض، لا سيما وأن القاطرة الرئيسية لهذا الحراك (الأمم المتحدة) لم تستطع بعد تحديد الوجهة المُراد الوصول إليها في خارطة مليئة بالتناقضات، أو الخروج من مستنقع مراوغات المليشيا التابعة لإيران.
كانت الهُدنة، بمثابة بصيص أمل، بالغ كثيرون في التعاطي معها بتقديرٍ قاصرٍ للموقف وحيثياته أو بحسن النيّة؛ لكن مليشيات الحوثي المدعومة إيرانيًا، كانت تنظر لهذه المسألة على أنها فرصةٌ واعدة ورابحة لإعادة ترتيب أوراقها المبعثرة من جديد، سواء فيما يخص تفويج عوامل الثروة من إيرادات سفن الوقود القادمة إلى ميناء الحديدة، أو التفرّغ لإعادة بناء مجاميعها من جديد، من خلال المسارعة في عمليات التجنيد وزيادة كثافة العامل البشري في منظومتها المليشياوية.
اصطدمت جهود الأمم المتحدة بصخرة التعنت الحوثي، هذا هو الحال؛ لتتحول الهدنة إلى مجرد فسحة في نظر المليشيا لإعادة ترتيب دفاعاتها.
فبينما كان الحوثيون يبتدعون أساليب التوائية للهروب من تنفيذ واحدة من الاستحقاقات الداهمة المنصوص عليها في اتفاق الهدنة التي بدأ سريانها في الثاني من أبريل الماضي، والمتعلقة (أي هذه الاستحقاقات) برفع الحصار عن مدينة تعز؛ كانت ذات المليشيا قد هيأت الظروف لتسريع عمليات التجنيد بالذات في أوساط الأطفال عبر ما يُعرف بـ"المخيمات الصيفية".
أكثر من مَلمَح يعطي إشارات واضحة إلى أن المليشيا المدعومة إيرانيًا، تفكر في ما بعد اكتفائها من فترة الهدنة لتفجر الحرب من جديد وإعطاب الجهد السياسي المكثف، وكانت الرسالة الأحدث في هذا الإطار لجوءها إلى تكثيف الجهود في تجنيد الأطفال "بمن فيهم أطفال لا تتجاوز أعمارهم 10 سنوات خلال الشهرين الماضيين" وفق ما أفادت وكالة "أسوشيتد برس" الدولية نقلًا عن مسؤولين في المليشيات وعمال إغاثةٍ وسكان.
لم يُخفِ مسؤولو المليشيا الحوثية أنه تم نشر هؤلاء الأطفال المجندين حديثًا "في الخطوط الأمامية كجزء من تعزيز مقاتليها خلال الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة"، وهؤلاء الأطفال الذين يتم تفويجهم بصورة مستمرة لتغطية النقص البشري الحاد في جبهات القتال، تتراوح أعمارهم بين الـ10 والـ12، رغم أنه يُمنع "تجنيد الأطفال دون سن الـ15، في القوات أو الجماعات المسلحة، ولا يجوز اشتراكهم في العمليات العدائية" بحسب منصوص البرتوكول الإضافي الثاني لاتفاقية جنيف لسنة 1977 بشأن حظر تجنيد الأطفال.
يُرسل الحوثيون إشارات سلبية، في نطاق ترددات التفاؤل؛ فباستمرار حصارهم لتعز وتفانيهم في عمليات تجنيد الأطفال بصورة يومية، كأنما يحاولون بث إشارات الرفض لمبادرة المبعوث الأممي حول معابر تعز المحاصرة في فضاء محتقن بالتناقضات في ما يتعلق بالدور الأممي غير الحازم والمواقف الدولية المتراخية، لا سيما وأن الحوثيين وقّعوا في أبريل الماضي على ما وصفته وكالة الأمم المتحدة للطفولة بأنه "خطة عمل" لإنهاء ومنع هذه الممارسة- أي تجنيد الأطفال.
تقول مصادر سياسية يمنية إن الأمم المتحدة معنية بوقف هذه الممارسات وعدم الاكتفاء بسياسة التنديد والشجب، حيث يقيم الحوثيون معسكرات التجنيد والاستقطاب هذه في المدارس والمساجد بدرجة رئيسية؛ ووفق خبراء الأمم المتحدة فقد قُتل ما يقرب من 2000 طفل جندهم الحوثيون في ساحة المعركة بين يناير 2020 ومايو 2021.
بُثت مشاهد صادمة على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل متتابع خلال الأسابيع الماضية، أظهرت أطفالًا في أعمار متفاوتة معظمهم تحت سن 14 عامًا يتلقون دروسًا حول كيفية استخدام السلاح والتعامل معه في المخيمات الصيفية، وإلى جانب أن هؤلاء الأطفال يؤهَّلون ليكونوا وقودًا للحرب، فإنهم يُشحنون بالأفكار الطائفية والمذهبية؛ رغبةً من المليشيا المصنَّفة من قِبل مجلس الأمن "جماعة إرهابية"، في بناء جيل متطرف يخدم مشروعها الطائفي مستقبلًا.
بالكاد تجد مليشيا الحوثي من يتقبل فكرة إرسال أبنائه طواعية إلى المخيمات الصيفية، لذلك لا تتورع في الضغط "على العائلات لإرسال أطفالها إلى المخيمات حيث يتعلمون كيفية التعامل مع الأسلحة وزرع الألغام، مقابل الحصول على الخدمات، بما في ذلك الحصص الغذائية من المنظمات الدولية"، كما أفادت الـ"أسوشيتد برس" نقلًا عن عمّال إغاثة عاملين في اليمن.
في أواخر العام 2021 مُني الحوثيون بخسائر بشرية ومادية باهظة الكُلفة أثناء المعارك الأشد وطأة على الإطلاق في محافظة مأرب الغنية بالنفط، شرق اليمن، وفي نوفمبر من العام ذاته اعترفوا بمقتل 14700 عنصر من مقاتليهم نتيجة المواجهات والغارات الجوية للتحالف العربي، وهذا ما يفسر نهمَهم المتنامي في عمليات الاستقطاب والتجنيد بهدف التعويض.
وأفادت الوكالة الأمريكية "أسوشيتد برس" نقلًا عن مزارعَين اثنين من سكان محافظة عمران، شمالي اليمن، بأن مشرفين حوثيين زاروا منازلهم في مايو الماضي، وطلبوا منهم إعداد أطفالهم للمخيمات في نهاية العام الدراسي، ما أجبر المزارعين على إرسال 5 من أطفالهم إلى معسكرات التدريب عندما هددهم مشرفو المليشيا بقطع الحصص الغذائية التي تتحصل عليها أسرهم من المنظمات الدولية.
كانت لجنة خبراء الأمم المتحدة أكدت في وقت سابق من هذا العام، أن الأطفال في سن السابعة المُستقطَبين من قِبل مليشيا الحوثي يتعلمون تنظيف الأسلحة، وأشارت إلى أن لدى المليشيا نظام لتلقين الأطفال الجنود، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية للضغط على الأسر؛ إذ يتم أخذ الاطفال أولًا إلى المراكز لمدة شهر أو أكثر من الدورات الدينية، قبل أن يُضمّوا إلى التشكيلات المسلحة للمليشيا ويتم إشراكهم في ساحات الحرب.