عند كل ضغطٍ عسكريٍ، أو تطورٍ سياسي يستشعر الحوثيون أنه يمثل خطرًا عليهم وقد يؤدي بشكل أو بآخر إلى تداخل أزمات المليشيا، لا يترددون البتة في إبداء التجاوب الفوري مع مبادرات السلام، حدث هذا  أواخر  2018م، عندما دقت القوات المشتركة ابواب مدينة الحديدة الساحلية غربي اليمن،  وفي أبريل 2022م، حينما توفرت عوامل القوة، السياسية والعسكرية، بتشكيل مجلس القيادة الرئاسي،  وهي الخطوة التي من شأنها قهر المليشيا المدعومة من إيران.
 
ليس مألوفًا أبدًا أن يتجاوب الحوثيون مع مساعي الحلول السياسية، في الغالب يعلون ثقافة تكريس العنف وإطالة أمد النزاع وفق الطبيعة الأيديولوجية للمليشيا  وتوجهها العام؛ لكنهم حين يُحشرون في زاوية ضيقة لا يتأخرون لحظةً عن اللحاق بالطائرة الأممية للذهاب فورًا نحو أي جلسة حوار أو تشاور من أجل التسويات، ودون أي شروطٍ مسبقة.
 
مثل تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في السابع من أبريل الماضي صدمة لمليشيا الحوثي، باعتباره المكوّن الجامع والقوي الذي بوسعه أن يحدث الفارق في أي معترك، لذلك لم تمانع  ولو بأدنى الشروط للذهاب نحو حلول التسوية، ولعل الأمم المتحدة ومبعوثها جروندبرغ ظنوا أن الفرصة باتت مواتية لإشاعة أجواء السلام وصياغة مسودة اتفاق جديد، سيوافق عليه الحوثيون مبدئيًا ثم ينقلبون عليه في الأخير.
وعادة ما ينبري الحوثيون وحدهم في ابتداع أساليب العرقلة، بمعنى أدق، نسف فرص السلام، إذ دأبوا منذ توقيع اتفاق ستوكهولم أواخر  2018م على اللجوء لسياسة "رفع سقف المطالب"؛ للخروج عن صيغة الاتفاق، والتحايل على الاستحقاقات الإنسانية، وكذا التنصل من الوفاء بالالتزامات التي وقعوا عليها؛ ويمكن عبر مقاربة زمنية وقراءة تسلسل الأحداث استيضاح كيف أخفقت الأمم المتحدة في تطبيق اتفاق استوكهولم أمام تعنت مليشيا الحوثي وتنصلها من الاتفاق بعد أن سخرته لإعادة ترتيب دفاعاتها.
مطلع الأسبوع ، كان المبعوث الأممي إلى اليمن ه جروندبرغ في العاصمة المختطفة  صنعاء لانتزاع "موقف إيجابي" من مليشيا الحوثي بخصوص حصار تعز الذي تفرضه المليشيا ذاتها بعد أن يئس من وفدها المراوغ في عمّان؛ لكنه قوبل بشروط تعجيزية لا علاقة لها باتفاق الهدنة جعلته يغادر العاصمة المختطفة خالي الوفاض، وقد استنفد ما بجعبته من وسائل لضمان تنفيذ الاستحقاقات والالتزامات.
بحسب إفادة مصادر متطابقة، تتحدث مليشيا الحوثي عن قائمة مطلبية تتضمن في صيغتها "نقل مقر البنك المركزي إلى صنعاء"، غير أن المبعوث الأممي الذي صُدم بهذه الاشتراطات الهزلية لم يكن قد جاء إلى صنعاء سوى لإخراج المليشيا الحوثية من مأزق نقض الاتفاق، سيما وأن الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي انتهيا كُليًا من تنفيذ بنود الاتفاق دون عراقيل.
كان يفترض أن يُرفع الحصار الحوثي على تعز بعد الثاني من أبريل الماضي بوقت وجيز؛ إذ نص الاتفاق على أنه بمجرد دخول الهدنة حيّز التنفيذ تبدأ نقاشات رفع الحصار الجائر، ولشهرين كاملين ماطل الحوثيون في الذهاب نحو طاولة النقاش؛ لكنهم حينما شعروا أن الهدنة على وشك النفاد أرسلوا وفدًا إلى عمّان لهذا الغرض، ومع إعلان تجديد الهدنة عادوا مجددًا إلى سيناريو التحايل والمخادعة.
تشير المصادر إلى أن هذه الأساليب ليست بجديدة على مليشيا الحوثي، بل صفة تلازمها منذ الحروب الست على الدولة وما أعقبها وصولًا إلى اتفاق السلم والشراكة في 2014؛ إلا أن الحالة الآن ينقصها "الموقف الأممي" الواضح، سيما وأن الوسيط الدولي (المبعوث الأممي) ومن خلفه الأمم المتحدة، مسؤولان على إجبار  الطرف الآخر على تطبيق ما اُتفق عليه دون نقصان، أو مكاشفة العالم بالحقائق وإعلان الطرف المعرقل والمُتنصل دون مواربة.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية