مأساة أطفال اختطفتهم المليشيات فعاشت أسرهم مرارة القهر
منذ ثلاث سنوات مضت، مررنا بتجربة إنسانية قاسية، كنا مجموعة من الأصدقاء في جلسة مقيل في صنعاء عندما أبلغنا أحدهم أن محمد ابن جارنا في الحي عبد الله المطري مختفٍ منذ ساعات الصباح، لقد خرج في الواقع لجلب حاجيات الأسرة لكنه لم يعد منذ ذلك الحين.
كانت شمس الظهيرة يومها قائضة مقاربة لحرارة أجسامنا التي ارتفعت تأثرا بالنبأ السيئ، فهرولنا على عجالة باحثين عنه في كل المستشفيات والمراكز الطبية الكبيرة لعله تعرض لحادث مروري مفاجئ فنقل إلى إحداها للعلاج، لكن الساعات التي أمضيناها في التنقل من مشفى إلى آخر لم نجد له أثراً، لذا قررنا توسيع دائرة البحث لتشمل أقسام الشرطة ثم الأجهزة الأمنية العليا مستعينين بأصدقاء ومعارف دون أن يجدي ذلك نفعا.
يئس الكل من العثور عليه، باستثناء والده الذي استمر في البحث عنه في الحارات والأحياء الشعبية عسى أن يصادف أحدهم ليخبره عن مصير ولده البالغ من العمر 13 عاما والذي اختفى في ظروف غامضة.
لقد كانت عملية إخفاء رهيبة، عاشت أسرة المطري، خلالها أوقاتاً عصيبة وذاقت مرارة الحزن والقهر على فتى لا أحد يعرف المصير الذي آل إليه، فهل توفي، أم قتل، أم تم اختطافه، ولماذا لم يطلب خاطفوه فدية حتى الآن، هل تم اغتصابه وقتله ثم دفنه للتخلص من أي إثر يقودهم إلى اكتشاف أمرهم، كانت تلك الأسئلة الأكثر ترددا على ألسنتنا، فيما كانت والدة محمد ذلك الفتى النبيل والجميل، تعيش حالة نفسية أقرب إلى الجنون.
بعد ستة أشهر من الوجع والألم المتواصلين، تلقى رب الأسرة ذات مساء مكالمة هاتفية، قال حينها المتصل على الطرف الثاني من الخط وبصورة مقتضبة، محمد لدينا في دورة ثقافية لحفظ القرآن الكريم.
كانت لكنة المتصل صعدية بامتياز وهي لكنة العصابة التي حملت المآسي لليمنيين إلى كل منزل، ففهم المطري أن طفله مختطف لدى مليشيات الحوثي الإرهابية ،لقد سرقت حلم طفولة ابنه وتسببت بقهر و عذاب نفسي وحزن له و لأسرته لن ينسى والآن يغلفون عقله بأفكار طائفية ليجعلوا منه، وقودا للحرب التي أشعلت فتيلها مليشيات الإجرام في كل مكان.
آمال ضعيفة لعودته
أنفق المطري أموالا كثيرة لأجل عودة طفله، أغلبها كانت تذهب لجيوب مشرفي مسيرة الموت لأجل التوسط لدى مليشيات صعدة بإعادته، وبعد ثلاثة أشهر من التردد عليهم، حصل المطري أخيرا على مبتغاه، لقد أعيد إليه ولده وهو الآن بين أحضانه.
تسلم المطري طفلا غير ذلك الطفل الذي يتميز بهدوئه ورزانته، وإنما طفل همه الأول، قتال أمريكا وإسرائيل بل إن تفسيراته الدينية، كانت غريبة وتنم عن تطرف.
احتاج الوالد الصبور، أسابيع كي يخرج ابنه من الحالة النفسية التي يعيشها، مستعينا بطيبب نفسي لمساعدته في ذلك.
وبعد بضعة أسابيع من المعالجة نجح المطري في إخراج ابنه محمد من حالته الفكرية العصيبة واستعادة هدوئه ووقاره مرة أخرى، وهي فرصة نادرة لم تحظَ بها المئات من الأسر التي ما يزال أطفالها لدى العصابة الكهنوتية.
إنها مأساة إنسانية غاية في الحزن تعيشها المئات من الأسرة التي اختطفت مليشيات الموت فلذات أكبادها لتلقي بها في محارق الموت، المشتعلة في أكثر من مكان. فمن يعيد لتلك العائلات اليوم ابتسامتها، ومن يخلص أبناءها من أيدي العصابات الإجرامية؟!!