تهز أصداء الحرب التي أشعلتها المليشيات الإرهابية كيان اليمنيين على طول رقعة اليمن في امتداده شرقاً وغربا، شمالاً وجنوباً، فلا تكاد تخلو بلدة ولا قرية فيه من الاضطهاد الذي تمارسه المليشيا، غير أن تهامة الممتدة على طول الساحل الغربي حملت الجزء الأكبر من هذه الشنائع الحوثية، وذاقت أسوأ العذاب، خاصة منذ انطلاق معارك الساحل الغربي ضد مليشيات الإرهاب الحوثية.

 

في قرية المحل بمديرية حيس جنوبي الحديدة، كانت الأسرة المكونة من 7 أبناء مع أبيهم وأمهم، تحبس أوجاعها بعيداً عن مرأى ومسمع الجميع، ومنذ سنين، قضت الأسرة حياتها هناك تواجه البؤس وضنك الحياة، حتى حل الكهنوت الحوثي عليها فبدل الحياة هناك إلى جحيم، وزاد على ذلك تهجير الأسرة قسراً من مسكنها بعد تحويل الحي إلى ثكنة عسكرية، فلم تجد الأسرة ملجأ يؤويها إلا عند قريبٍ لها بمدينة الخوخة.

 

منذ سبعة أشهر ويزيد، انتقلت أسرة عبد الرحمن إلى الخوخة طلباً للأمان المُصادر بفعل الكهنوت من حيس، ونقلت معها وزر المعاناة الذي فضلت في فصل حياتها السابق أن يبقى طي الكتمان محفوظاً بالتعفف والانصياع للمشيئة الإلهية في هذا القدر الأصعب.

 

كان عبد الرحمن، الأب الذي بلغ به العمر قرابة ستين عاماً قد تعرض لحادث سير في حيس، الأمر الذي أدى إلى إصابته بكسر في عظمة الفخذ فلم يجد عافيةً من يومها، وظل مقعداً عن العمل لا سبيل له سوى حركته الضرورية داخل المنزل لا غير، وكانت له طفلة اسمها زينة في شهرها السابع قبل إصابته تعاني من حمى شوكية، نقلت على إثرها إلى المستشفى، إلا أن خطأ طبياً حدث أثناء حقنها بجرعة دواء أصابها بالجنون، حيث ما تزال على وضعها المؤسف حتى اليوم وهي في عمر الثالثة عشرة.

في منزل النزوح تقضي زينة حياة شاقة، وليس لها من حياة المرح الأرجوحة معلقة على شجرة بفناء المنزل تحمل عليها كلما ضاقت بالبكاء، ومثلها شقيقها إبراهيم ذو السابعة عشرة من العمر يعاني حالة نفسية أصيب بها كمداً وقهرا، بعد أن تعرض للإهانة من قبل مجموعة من الشبان في مدينته، شعوره بالقهر أدخله في حالة نفسية يُخشى عليه من مضرتها حتى اليوم، وإلى جانبهما يتلقى إبراهيم –شقيقهم الأكبر- علاجه في عدن، حيث هو الآخر مصابٌ بحالة نفسية.

 

السيدة شيخة، ربة هذه العائلة، تحمل كل المشقة في التربية والإعالة والبحث عن المأوى والمسكن، وفعل كل شيء له صلة بأبنائها، تذهب صباحاً إلى مخيم النازحين في مدينة الخوخة وتبيع مقتنيات بسيطة ومطرزات، ولوازم تحيكها بيدها، وبخور وعطر على سكان المدينة، لتوفير ما تستطيع جمعه من مال تقضي به حاجة أسرتها، إلى جانب مساعدات إنسانية تتحصل عليها من الهلال الأحمر الإماراتي بين الفينة والأخرى.

 

تقول شيخة لمراسل "وكالة 2 ديسمبر" إنها لا تجد وقتاً للراحة، وأصعب أوقاتها، تلك التي تقضيها من ابنتها زينة. تضيف "أحيانا يصاب إبراهيم بحالة نفسية ويقوم بضربي وركلي أمام الناس، ولا يدري هو ماذا يفعل"، مردفةَ "عندما يصحو من حالته النفسية  ويخبرونه أنه ضربني يظل يبكي فيبكيني معه عندما يعتذر ويتوسل".

 

تعيش أسرة عبد الرحمن محملة بالهم ومرصعة بالألم، فالزمن يهدم جسد الأم ويأكل عمرها، وهي تخشى أن يصاب باقي أبنائها الصغار بهذه المشاكل، ومنذ التقاها مراسلنا كان لسانها لا يتوقف عن الدعاء برفع البلاء، ويكشف الأب عن زوجة أخرى له لديها خمسة أبناء لا يدري عنهم إلى اليوم شيئا وهم ما يزالون في حيس.

 

نصف هم هذه الأسرة، أو بالأحرى الأغلب منه، جلبه شر مليشيات الحوثي التي حولت معاناتها من دار يحصر الألم في زواياه رضى بقدر الله، إلى معاناة تدمي القلب ولا تجد من يداويها إلا أم لا حول لها ولا قوة.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية