بمنتهى  الألم، ينْهدُّ الانسان لحكايات القهر التي فرضتها مليشيات الحوثي الإرهابية، على أبناء الحديدة، في قصص يسردها أصحابها عن جحيم ذاقوه قسراً تحت ظلام الكهنوت الدامس الذي سلطه عليهم الزمن فوضع على  أقدارهم جبالا من الألم، فالحكايات التي تبين حجم الكارثة التي لحقت بأبناء الحديدة لا فضاء من وصفٍ يمكن أن يُسقط عليها لتجسيدها كما حدثت بكل تفاصيل المواجع تلك.
 
فردوس دهمش، الأم الماضية في الثلاثينيات من عمرها، حيث يبديها الزمن منهكة طال بها أمد العمر فجعلها مسنة ضاربة في العمر تستذكر المآسي من حياتها التي ختمها الحوثيون الارهابيون بكارثة تبكي فردوس كلما استردها إليها ذكر أو فاتحها بها سائل يبحث عن ‘‘مجمع الألم‘‘ في تهامة، ذاك الذي يسكن مع فردوس وطفليها في عشة صغيرة بضواحي مديرية الخوخة جنوبي الحديدة، حيث تتواصل المأساة هناك حتى اليوم بأقسى الصور وأكثرها حرقة.
 
في حي الربصة الكائن وسط مدينة الحديدة، كان منزل فردوس عامر بالسلام الى قبل حوالي شهرين، حتى أقر سادة الكهفِ أن يحولوه إلى  جحيم وينفروا أهله منه، فبدأوا إطلاق قذائفهم وصواريخهم من محيطه، الأمر الذي أضر بالمنزل وخرب أجزاء منه، وأقلق الأسرة المكونة من ثلاثة أطفال وأب مفقود، وجعلها تطلب طريق التشرد بحثاً عن الأمان الذي صادرته المليشيات من المدينة.
 
غادرت فردوس مع طفلتها ذات الربيع التاسع في عمرها، وأخرى تبلغ من العمر عامين، وطفل يتوسطهما في الخامسة من عمره، مسترشدة في الظلام أي طريق يأخذها الى  حيث لا وجود للمليشيات الإرهابية ولا لأزلاها من القتلة والأفاكين، فاتجهت مضطرةً نحو مديرية حيس ومنها الى طريق العدين للعبور الى محافظة  اب والبحث عن وجهة توصلها الى الأمان.
 
وعند فجر اليوم الثاني عقب وصولها العُدين، فوجئت بمرض يصيب طفلتها الصغيرة، وما هي إلا ساعات من المداوة حتى حضر الموت ليقضي أمراً كان مفعولا.. ماتت الطفلة في مستشفى المديرية بعد أن بلغت حالتها مستوى لا يحتمل من المرض المصحوب بالحمى والقيئ، فدفنت صباحاً هناك، ومضت أمها برفقة من تبقى من أطفالها حاملةً للحزن تمضي للنجاة بمن تبقوا من صبيانها.
 
في العام 2015م، فقد الأب الغائب عبد العزيز دهمش، زوج فردوس عمله بعد أن سرقت دراجته النارية التي كان يسعف بها أسرته بالزاد الباعث للحياة، فطلب العمل في البحر، الا  أن قدره الظالم في أول رحلة له قذف به الى حيث لا يعلم فخرج عن حدود البلد وتاه حتى وجد نفسه سجيناً في مصر بتهمة  تجاوز المياه الاقليمية لبلده، طمئن زوجته عبر اتصال هاتفي أنه هناك، ومن حينها غاب ولم يأتي عنه نبأ.
 
وصلت أسرة عبد العزيز دهمش الى  عدن، واتجهت بعد فترة الى المخا، ثم استقر بها الحال في ضواحي الخوخة عقب تحريرها  وفي منزل رجل تصله بها صلة قربى اسمه محمد، فتح فناء منزله للأسرة التي استقرت هناك لتبدأ حياة جديدة من الحرمان والقهر، برفقة أربع أسر أخرى نزحت الى  ذات المنزل الواقع بمقربة  من مخيم النازحين هناك.
 
لا تملك الأسرة المنكوبة بمعزل عن الجميع ما يكفي من الطعام، ولا تستطيع الحصول على ماء صالح للشرب يُسقى بها افرادها المنكوبون، الا أنها تجد بين الفينة والأخرى من يمد يده لمساعدتها من فاعلي الخير وأهل العطاء، ويستذكرها الهلال الأحمر الإماراتي بين الفينة والأخرى  بسلال غذائية تحمل عن كاهلها وزراً من المعاناة.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية