ما بعد 21 وقبل 26 سبتمبر.. ليلة الجوع والتشريد الحوثية والبارحة الإمامية
بعنجهية المغرور وغشاوة المتجبر ترغم المليشيا الحوثية الإمامية الكهنوتية اليمنيين في مناطق سيطرتها على إظهار البهجة بما تسميها "ثورة 21 سبتمبر" بينما يقاسون أوضاعا معيشية تتصاعد وتيرتها سوءً، وهو الأمر الذي يكشف عن تطابق واقع الحياة المعاصر مع الواقع الإمامي البائد الذي اندثر قبل 59 عامًا من اليوم، عقب قيام ثورة الـ26 من سبتمبر المجيدة 1962م.
وتعكس حالة التردي الشامل الذي تعشيه العاصمة صنعاء اليوم، وباقي المناطق التي تسيطر عليها المليشيا المتمردة صورة ذهنية مماثلة لذلك الواقع المخيف الذي كانت عليه البلاد تحت نير الحكم الإمامي المتخلف قبل قيام ثورة الـ26 من سبتمبر.
وفي حين، اتسمت سياسات الحكم الإمامي، خلال عقود من الزمن بالطابع المستبد التقسيمي في جوانبه الطبقية والطائفية والسياسية، وأيضًا بالتفريط في مصالح اليمن واليمنيين وتحويل المجتمع إلى مستعمرة داخلية تخضع للإملاءات الإمامية وكهنوتيتها في ذلك الوقت، عادت إلى حياة اليمنيين ذات السياسات، وبطابع أكثر جرمًا وصلفا على أيدي أحفاد الإمامة (الحوثيين).
سعى أحفاد الإمامة بحلتهم الجديدة عقب اجتياحهم الغاشم للعاصمة صنعاء، قبل نحو سبعة أعوام وسيطرتهم على مؤسسات الدولة، للانقضاض على كافة مظاهر النظام الجمهوري، ومحاولة إحياء نظام السلالة، بكل تفاصيله الاستبدادية، الطائفية، الكهنوتية، الظلامية، والعنصرية البغيضة، في اعتقاد واهم منهم بضعف ذاكرة اليمنيين عن تفاصيل حكم أجدادهم المستبد الذي سعى إلى تشريد وتهجير اليمنيين، وتحويل حياتهم إلى باحات من الظلم والظلام.
الليلة والبارحة
التدهور المريع في الأوضاع المعيشية، والاقتصادية، والصحية، والخدماتية، اليوم، في مختلف المناطق التي تخضع لسيطرة أحفاد الإمامة الذين عادوا يرتدون حلتهم الجديدة (الحوثيون) يعيد إلى الأذهان مجددًا حياة ثلاثية البؤس، والشقاء، والحرمان، التي كان قد عاشها اليمنيون في عصر الإماميين، حين ما كانت البلاد "بؤرة للوباء المميت".
"بؤرة الوباء المميت" هو وصفٌ يشير إلى حقبة الاستبداد أثناء الحكم الإمامي، حد تعبير الروائي اليمني الكبير "زيد مطيع دماج" في رائعته "الرهينة"، وهي رواية يمنية تمثل في أحداثها تصويرًا واقعيًا لأوجاع اليمنيين، في منتصف القرن الماضي، أثناء الحكم الإمامي المستبد.
وعلى مدى السنوات الماضية من عمر الانقلاب الحوثي، دفعت المليشيا - بحسب تقارير أممية - اليمن، إلى حافة مجاعة ساحقة، حيث بات يعاني قرابة الـ20 مليون يمني حاليًا من انعدام الأمن الغذائي، تؤكد التقارير أن من بينهم أكثر من 9 ملايين شخص يعانون من انعدام شديد في الأمن الغذائي، وذلك في مجاعة تشبه تلك التي شهدتها البلاد في أربعينيات القرن الماضي، حيث أوصلت سلطات الحكم الإمامي الشعب إلى مجاعة أودت بحياة الآلاف، في وقت كانت مخازن الإمام تعج بالطعام والحبوب، إلا أنه اقتصر على توزيع بعضها على خاصته وأركان حكمه وأذياله.
نزعة تشريد اليمنيين
وفي حين، تؤكد تقارير رسمية قيام مليشيا الحوثيين خلال السبع سنوات الماضية بتشريد وتهجير ما يقارب أربعة ملايين يمني من منازلهم، وتهجيرهم من ديارهم قسرًا، فإن ذلك التهجير يطابق التهجير الإمامي لقرابة الـ20% من اليمنيين خلال فترة حكمهم المستبد الذي انتهى في ستينيات القرن الماضي.
إن عملية التشريد والتهجير القسري لليمنيين التي تقوم بها مليشيا الحوثي بحق ملايين اليمنيين تؤكد واقعًا أن لا فرق بين مشروعها الذي تمارسه بحق المعارضين لكل أفكارها، ومشاريعها الدموية التدميرية والعنصرية، وبين مشروع العهد الإمامي خلال فترة حكمه حتى ستينيات القرن الماضي، إذ تؤكد العديد من المعلومات التاريخية التي طالعتها "وكالة 2 ديسمبر الإخبارية" أن ثورة الـ26 من سبتمبر قامت وهناك من بين أقل من خمسة ملايين يمني في الشطرين، حينها، أكثر من مليون يمني مشردون ومهجرون في الخارج.
تشير مصادر تاريخية إلى أن الحكم الإمامي الكهنوتي عمد خلال فترة حكمه البلاد في الشمال، إلى الاضطهاد الممنهج ومحاربة التعليم وتعميق الأمية بداخل المجتمع حتى يتمكن من إحكام قبضته على المواطنين، فحارب المثقفين والشخصيات المستنيرة واتخذ بحقها سياسات القمع والتهجير والنفي، وهو الأمر الذي ليس ببعيد عمّا يحصل اليوم من قبل الأحفاد (الحوثيين) من سياسة قمع وتهجير واختطاف وقتل لكل الشرائح المثقفة والتي تعرف حقيقتهم وماهيتهم، ورفضت مشروعهم التدميري الطائفي الهادف إلى إغراق البلاد، في فوضى العنصرية والطائفية المذهبية، وتحويلها إلى مقاطعة إيرانية تخدم نظام ملالي ولاية الفقيه.