أعدمت مليشيا الحوثي، اليوم السبت، تسعة من أبناء السهل التهامي غربي اليمن، بينهم الطفل عبدالعزيز الأسود، محيطة جميع مداخل ميدان التحرير وسط العاصمة صنعاء بحراسات مشددة من عناصرها، وهيلامان احتفالي، يخيل إلى من لا يعرف الهزال الحوثي أن المليشيا تنفذ الإعدام في الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، وغيرهما من قادة عسكريين غربيين وعرب، حسب سخافة استدعاء قضائي من محكمة حوثية لهم، أثار حينها سخرية وتندر اليمنيين.
 
مسرحية حوثية بدأت بسخافة الاستعراض أمام قطعانها، وانتهت اليوم بألم ليس لأسر الضحايا فحسب، وإنما لكل أبناء تهامة واليمنيين، في استهتار بدمائهم واستهانة بكونهم بضع أفراد عزّل لم يمتلكوا في ومواجهة "الحكم القضائي" الحوثي إلا الترديد بصوت واحد "كاذب.. كاذب.. كاذب" حاول قيادي حوثي حضر حفلة الدم بالإيعاز لعناصره مواجهة الصرخة التهامية الصادقة بصرخة الخداع والتضليل الحوثية "الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل".
 
قضى الشهداء التسعة، غير عاشر توفي تحت التعذيب في سجون المليشيا التابعة لإيران، شهورا طويلة من التحقيقات والمحاكمات السرية، دون أن يتحصلوا على أية حقوق قانونية تقرها شرائع العالم قاطبة، حيث لم يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم، وحرمان المحامين من طلبات قانونية، حتى أنهم لم يتسلموا حكم الإعدام، وإلى لحظة كتابة هذه المادة ما زال الحوثي رئيس نيابة محافظة الحديدة التهامية، يرفض الرد على المكالمات الهاتفية لذوي الضحايا لتسلم الجثث ودفنها في الحديدة حسب وصيتهم. كما أفاد المحامي والحقوقي عبدالمجيد صبرة.
 
لفقت المليشيا للشهداء التسعة تهمة المشاركة في اغتيال الهالك صالح الصماد في أبريل 2018 الذي قتل من قبل طائرات تابعة للتحالف العربي المساند لليمن ضد التمدد الإيراني عبر الحوثيين.
 
تعبث مليشيا الحوثي بحياة التهاميين، ليس فقط استسهالا لوداعتهم التي تعتقدها، وإنما كذلك بدافع نقمة تاريخية على أبناء تهامة الذين لم يخضعوا للعهود الإمامية المتعاقبة منذ مقدم يحيى الرسي أواخر القرن الثالث الهجري. 
 
كان السهل الساحلي التهامي منفذا يمنيا للتعايش أذاب بالسلام الوافدين إلى الأرض اليمنية، وإن كان بعضهم أتى بعباءة المستعمر إلا أن أبناء تهامة امتصوهم وأدمجوهم في الحياة اليمنية حتى صاروا يمنيين أقحاحا، هذا الدور لعبته تهامة مع اليونان والرومان والأكراد والوافدين من القرن الأفريقي، لكنهم تحولوا إلى علقم مرّ لمن جاء ورفض يد التعايش والمكوث حسب الشروط الاجتماعية والثقافية اليمنية، فكانت تهامة وقبائلها بؤر مقاومة لا تنطفئ حتى تعاود الاشتعال أمام أي وافد يمارس الاستعلاء ووقاحة الظلم معهم.
 
وعلى مدى التاريخ الإسلامي اليمني، لم يشعر أبناء تهامة أنهم قد يشكلون جزء من التاريخ أو النفوذ الإمامي الوافد والاستعلائي على اليمنيين، آخذين في هذا الرفض صورا شتى، بعضها تمثل في مناصرة دول ذات مشارب مذهبية دينية مغايرة للإيديولوجية الإمامية القائمة وفق عقيدة الولاية على أساس الاصطفاء الإلهي وتبعاتها التمييزية والطائفية.
 
ناصر التهاميون دولا كالزيادية والنجاحية والمهدية والطاهرية، بيد أنهم وقفوا بالمرصاد للمحاولات الإمامية في السيطرة عليهم ولم يعتبروا أدعياء الإمامة وأذنابها وفكرها مكونا في النسيج الثقافي اليمني، وعندما سعت الإمامة إلى دخول تهامة في أوقات مختلفة أبرزها أيام الدولة القاسمية في عهد المتوكل على الله إسماعيل حوالي منتصف القرن السابع عشر الميلادي (الحادي عشر الهجري)، فإن حكمها لم يستقر في السهل التهامي، وظل يتمتع باستقلال فعلي، وفي القرن العشرين لم يتقبل التهاميون حكم يحيى حميد الدين فنصبوا محمد بن علي الإدريسي سلطة لهم وعززوا دولته في مناهضة يحيى حميد الدين، ومع الدولة الإدريسية وبدونها، خاض التهاميون انتفاضات قبلية من أشهرها معارضة قبائل الزرانيق للحكم الإمامي في عهد يحيى وولده أحمد.
 
غير المعارضة التهامية بشكلها السياسي والعسكري للمحاولات الإمامية التمدد في مناطقهم، مثلت أراضي أبناء تهامة بؤرة للمقاومة الثقافية للإيديولوجية الإمامية، حتى أن مديرية بيت الفقيه المعروفة اليوم في الحديدة تنسب إلى الفقيه أحمد بن موسى بن عجيل، أحد أبرز العلماء التهاميين ذوي الاتجاه المغاير لإيديولوجيا الإمامة، كما أن مدينة زبيد، أول مدينة يمنية اُختطت في العهد الإسلامي، ظلت على مدى قرون منبرا علميا خرج الكثير من العلماء إلى الأرجاء اليمنية، والذين كان لهم الدور الأكبر في مقاومة الفكر الإمامي والوقوف حائطا ثقافيا أمام محاولات تمدده.

اليوم احتضن السهل التهامي القوات المشتركة في مواجهة المليشيا الحوثية الإمامية المدجنة بالإيديولوجية الصفوية الإيرانية، في تعبير تهامي جديد عن الرفض التاريخي للإمامة، وغير تمثيل أبناء تهامة حاضنة شعبية متينة للمشتركة فقد انخرطوا فيها بتشكيل الألوية التهامية، في نقمة متزايدة على الحوثي، عززتها الكثير من السلوكيات الحوثية حيالهم، آخرها ما قامت به اليوم من إراقة دماء تسعة من أبنائهم في ظلم أسطع من عين الشمس في رابعة النهار.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية