وكالة 2 ديسمبر الإخبارية

الثورة مستمرة...

عاد إليها طفلها بعد أسبوع من غيابه عن أنظارها، لكنه عاد أشلاءً ملفوفة بقطعة قماش بيضاء.

 

دخلت الأم في غيبوبة استمرت لمدة 10 أيام حسب ما يروي والدها جد الطفل لـ "وكالة 2 ديسمبر"، ويقول: "قبل عام أكمل حفيدي اختبارات الصف التاسع أساسي، وقد كان يشكو لي من أمه التي ترافقه يومياً إلى المدرسة صباحاً وتعود به عندما ينتهي من الدراسة، وكان يلاقي استهجان زملائه الذين يصفونه بأنه طفل، وفجأة غاب الطفل عن أمه وجن جنونها ليخبرها زوجها أنه دفع به للقتال مع الحوثيين مقابل حصول الأب على رتبة عسكرية (مقدم)، ظلت الأم تبكي وبعد أسبوع من البكاء وجدت أشلاء طفلها والآن مصابة بحالة نفسية".

 

هكذا يروي الجد قصة طفولة حفيده الذي كانت أمه تخاف عليه وترافقه كل يوم إلى المدرسة ولم تكن تعلم أنه سيذهب بلا عودة.

 

قصص كثيرة على هذا المنوال، وفي ذات السياق يقول الشاب إبراهيم لـ "وكالة 2 ديسمبر" إن شقيقه اليتيم والبالغ من العمر 13 عاماً تم أخذه من دار الأيتام بشارع تعز، وإلحاقه بميليشيا الحوثي دون علم أهله وأصيب ثلاث مرات، وكان أحد قيادات الميليشيا المدعو "القوبري" كان يأتي إلى بيت إخوانه ويأخذه بالقوة وقبل أشهر قُتل هذا الطفل، ويشير إلى أن القيادي الحوثي "القوبري" قتل بعد أسبوع من مقتل هذا الطفل اليتيم، ويقول شقيق الطفل المقتول: "لقد فرحنا بمقتل القوبري وسيكون لنا حساب مع أهله بعد أن تنتهي ميليشيا الحوثي".

 

فجوة كبيرة وأحقاد لا تنتهي زرعتها ميليشيا الحوثي في صدور أهالي الأطفال الذين ضحت بهم الميليشيا، وينتظرون ساعة الانقضاض على الميليشيا والأخذ بثأر أطفالها.

 

لا تتوقف القصص ففي كل حي من أحياء العاصمة والمناطق التي تسيطر عليها ميليشيا الحوثي مئات من قصص انتهاك الطفولة، وفي ذلك يروي المواطن (ع.أ.ح) قصة طفله البالغ من العمر 14 عاماً والذي غادر منذ 5 أيام من وقت كتابة هذا التقرير، ويقول الأب لـ"وكالة 2 ديسمبر": "أُقسم بالله العظيم أني لا أعلم بأن طفلي ذهب إلى الجبهة إلا بعد يوم وليلة وأنا أبحث عنه وأسأل الجيران ليخبرني أحد جيراني بأن المدعو (ع. عاطف) مسؤول الحوثيين في الحارة قد أرسله إلى الجبهة، وعندما عرفت ذرفت الدموع وقلت حسبي الله ونعم الوكيل، فأنا لا أقدر على الوقوف في وجه هؤلاء الظلمة".

 

طفولة أخرى لها قصتها، حيث يروي الطفل خالد المكني نفسه "أبا الكرار" قصته لـ "وكالة 2 ديسمبر"، ويقول: "جئت من يريم قبل عام من الآن والتحقت بالتدريب، ثم التحقت لمدة أربعة أشهر بجبهة نجران، لكن أبي خاف علَيّ وطلب منهم إعادتي إلى صنعاء، وأبي سيد من الهاشميين لذلك أعادوني للعمل في حراسة المنشآت".

 

أثناء الحديث مع الطفل خالد لاحظنا بجواره لعبة عبارة عن سيارة نوع قلاب مملوء بالحصى وسألناه عن سبب وجود هذه اللعبة رد بالقول: "والله أسلي نفسي وأضيع الوقت ما بش عمل (لا يوجد عمل)".

 

صورة مُعبرة عن الطفولة التي تسكن هذا الطفل الذي ما يزال يستهويه اللعب، والكثير من أقرانه تحرمهم الميليشيا حقهم في اللعب والدراسة وتجبرهم على اللعب بالنار الذي عادة ما يشوي أجسادهم ويقضي على مستقبل وطن بأكمله.

 

هكذا يبدو حال الطفولة في اليمن في ظل سيطرة ميليشيا الحوثي على الدولة، وتوزع الموت على اليمنيين صغاراً وكباراً وذكوراً وإناثاً دون أن تراعي ديناً أو عرفاً أو قانوناً أو حتى ضميراً إنسانياً.

 

من جانبها الباحثة والناشطة الحقوقية (س.ب) تقول لـ "وكالة 2 ديسمبر": "ميليشيا الحوثي هي الأكثر انتهاكاً للطفولة على مستوى العالم، وثمة قواسم مشتركة كثيرة بينها وبين تنظيم داعش الإرهابي، ومن بين هذه القواسم سأذكر قاسماً مشتركاً وهو تجنيد الأطفال، بل إن ميليشيا الحوثي تُعد الأكثر تجنيداً للأطفال من تنظيم داعش الإرهابي".

 

وعن حجم الأطفال المجندين في صفوف الميليشيا تقول الناشطة الحقوقية: "30% من المقاتلين في صفوف الميليشيا هم من الأطفال وتتراوح أعمارهم ما بين 10 إلى 17 عاما، كما أن الميليشيا لم تتوقف عن التجنيد، بل إن الانهزامات التي تتكبدها الميليشيا وفقدان الكثير من مقاتليها جعلها تزيد من تجنيد الأطفال، حيث أخذت كل الأطفال من دور الأيتام وبالقوة وأنا كنت شاهدة على ما حصل لدار الرحمة للأيتام والذي تم اقتحامه بالقوة وأخذ كافة نزلائه دون أي ضمير أو رحمة".

وتُشير إلى أن من يقول إن نسبة الأطفال في صفوف الحوثيين قد تراجعت من 50% إلى 30% فهو لا يُدرك أن نسبة 50% كانت في الفترة من 2004 إلى 2010 وعندما دخلت الميليشيا صنعاء والتحق بها كثير من أبناء القبائل والعسكريين المغرر بهم تراجعت نسبة الأطفال إلى 30% في ظل زيادة أعداد البالغين، لكن عملية تجنيد الأطفال مستمرة، وعندما نراقب صور قتلى الميليشيا سنجد أن نسبة الأطفال كبيرة جداً، وهذه كارثة يجب أن تتنبه لها منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الدولية المعنية بالطفولة وأن يتنبه لها العالم بأسره لأن هذه الظاهرة تهدد أجيال المستقبل، وتنذر بوضع إنساني كارثي يلقي بثقله السلبي على مستقبل وطن، وفي حال استمرت هذه الميليشيا في السيطرة على اليمن فإننا نستطيع القول إن اليمن بلا مستقبل.