كان لزامًا بشكل عفوي على أي شابٍ مقبل على الزواج أن يفكر عند إعداده لحفل الزفاف بالذائقة الفنية لضيوفه، ولهذا يتنافس المقبلون على الزواج حول مَن مِن الفنانين سيحيي حفل زفافهم. في نظرهم يُستوجب أن يُعزف العود في حضرة الضيوف ليكتمل نصاب الفرحة، ويسود الطرب عامة الحاضرين بما يجود به اللحن الصنعاني العذب وما يختاره المُطرب من ألوان غنائية أخرى تُقدم على مأدبة الفرحة.
 
في الغالب، يُجمع الكل على ضرورة أن يكون الوتر هو نبرة القول السائدة في أي حفل زفاف، هكذا جرت عادة الافراح في صنعاء وما جاورها على وجه التحديد، وهنالك البعض أيضًا من يفضلون الفرق الغنائية الموسيقية؛ غير أن المليشيا الحوثية فرضت واقعًا غير هذا تمامًا يوشك أن يقضي على هذه الثقافة الرحبة المتأصلة في المجتمع كبعضٍ من هويته الثقافية التراثية.
 
وقال لـ "2 ديسمبر"، علي الأرحبي (اسم مستعار)، إنه يهيئ لتزويج نجله إبراهيم خلال سبتمبر المقبل، وبخلاف أبنائه الثلاثة الذين زوجهم في السابق سيكون عرس إبراهيم مغايرًا تمامًا للأعراس التي أقيمت لأشقائه، والذين اُحييت احتفالاتهم بمزيج من الأغاني والبرع والرقص الشعبي والضيافة التي استمرت لعدة أيام.
 
وأضاف الأرحبي مفضلًا عدم ذكر اسمه الحقيقي، أن المليشيا الحوثية المدعومة من إيران قضت على مظاهر الحياة في صنعاء ومناطق سيطرتها وحاصرت السكان في كل شيء، حتى على مستوى الطقوس الخاصة، ووصل بها الأمر في الأخير إلى إقرار منع الأغاني في حفلات الأعراس، ما جعل هذه الحفلات تشبه إلى حدٍ كبير جلسات العزاء.
 
وبحسب مصادر مطلعة، فإن الحوثيين أبلغوا حتى الفنانين وحذروهم من الاستجابة لأية دعوة تطلب منهم إحياء أي حفل زفاف، في مسعى من المليشيا الإرهابية لفرض "ثقافة الزامل" الممجد للموت والكراهية بدلًا عن ثقافة الفن الذي كان أهم عوامل الجذب في حفلات الزفاف المقامة على مختلف المستويات خاصة في صنعاء، منبع اللون الغنائي الصنعاني الفريد. 
 
ولمرات عديدة أصدر الحوثيون توجيهات بمنع الأغاني في حفلات الزفاف، وفي أعقابها تعرضت العديد من القاعات للاقتحام واعُتقل عرسان وذووهم وتم الاعتداء عليهم بهدف مصادرة أفراح الناس الذين رفضوا الانصياع لهذه التوجيهات الجائرة التي تعللها المليشيا بأنها لا تتناسب مع ثقافة المجتمع.
 
ولطالما حث الحوثيون سكان صنعاء على اتباع ثقافة الزامل لتكون الطاغية في الحفلات عوضًا عن الأغاني؛ غير أن المجتمع المرتبط بعلاقة وثيقة مع تراثه وتاريخه الفني العريق رفض ما أصر عليه الحوثيون بشتى السبل، وهو ما كان الدافع بالنسبة للحوثيين لمحاولة فرض ما يطمحون إليه بالقوة.
 
في يونيو من العام الجاري أثارت وثيقة صادرة عن منتحل منصب محافظ صنعاء التابع للمليشيا الحوثية عبدالباسط الهادي، سخطًا محليًا واسعًا، عندما تبنى فكرة منع الأغاني بتوجيهات معلنة بخلاف ما كان يحدث سابقًا عندما كانت المليشيا تكرّس جهودا لهذا الهدف دون الخروج بتوجيهات معلنة.
 
وأصدر الهادي حينها توجيهات إلى مدراء عموم المديريات ورؤساء المجالس المحلية بما وصفه في الوثيقة بـ "الحد من ظاهرة الفنانين والفنانات في المناسبات والأعراس من خلال التوعية القرآنية للمجتمع"، في إشارة إلى ثقافة الغلو والتطرف التي تتبعها مليشيا الحوثي وتجسدها فنيًا فيما يُعرف بالزوامل.
 
وأفاد سكان يقطنون العاصمة صنعاء، أن الكثير من الأعراس والحفلات النسائية أصبحت تقام بطقوس صامتة، ويضطر الكثيرون إلى عدم استدعاء فنانين لأحياء الفرحة لتجنب اقتحام المليشيا للصالات وتعريض الضيوف لأي مكروه؛ مشيرين إلى أن الأعراس من هذا النوع أصبحت فاقدةً لبريقها الأصيل وقد نشهد أيامًا يتم فيها الزواج دون مظاهر احتفال بهيجة.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية