حربُ الحوثيين... تداعيات كارثية دمرت الوشائج الأسرية
فيما مضى كانت جناية قتل ولد لأبيه أو سجن أب لطفله أو العكس، تتحول بصورة دراماتيكية إلى قضية رأى عام نظرًا لمستوى البشاعة في مثل هكذا جرائم مأساوية، قليلًا ما يشهدها المجتمع اليمني المعروف بترابطه الأسري؛ لكن بعد سبع سنوات من الحرب التي أشعلها الحوثيون يبدو أن الجرائم الأسرية أصبحت تهدد الوشائج الجامعة للأسر وتتجاوز الخطوط الحمراء حتى للجريمة ذاتها.
لا شك أن حالة الطفل "نادر" الذي خرج من سجن أبيه في محافظة تعز، هزيلًا يوشك أن يلفظ آخر أنفاسه، واحدة من صور هذه المأساة التي تخلّقت من تداعيات الحرب الحوثية الشعواء التي كان لها الأثر المُدمر في تحوّل بعض الآباء أو الأبناء إلى وحوش أو ضحايا لعوامل نفسية تأثر بها قطاع كبير من المجتمع سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
الأهالي في قرية "دُبه" بعزلة الأقروض في مديرية المسراخ جنوب شرق تعز لربما شعروا بتأنيب الضمير إزاء حال الطفل نادر الذي كان يسجنه أبوه في دورة مياه بالمنزل مُعرضًا إياه لكثير من المهانات والتعذيب؛ عوضًا عن حرمانه من الطعام والشراب إلا ما يبقيه على قيد الحياة.
كان بلاغ الأهالي للسلطات بمثابة حياة جديدة للطفل الذي اُخرج من دورة المياه وهو غير قادر على التحكم بالبول والبراز بسبب ما ناله من ضرب وتجويع، ثم نُقل على عجالة إلى مستشفى أطباء بلا حدود في مدينة تعز واُخضع لرعاية صحية مشددة في محاولة إنقاذ يعمل من أجلها الأطباء.
تقول الروايات المحلية إن الأب تزوج امرأة جديدة بعد أن توفيت أم نادر قبل فترة، كان الصغير ينفر من المنزل باستمرار إلى منزل عمته ثم يلحقه أبوه ويعيده إلى المنزل بالضرب المبرح قبل أن يقرر سجنه بهذا الأسلوب الشنيع لتفادي هروبه المتكرر.
وقال أخصائيون اجتماعيون إن ما أقدم عليه الأب لا يمكن اعتباره قد حدث في ظرف طبيعي، فمن البديهي، يستحال على الأب أن يقدم على فعل كهذا دون وجود تأثيرات نفسية تدفعه لتعذيب نجله وسجنه وحرمانه من الطعام والشراب دون أن يتأثر بفعله الجنائي.
وأكد الأخصائيون أن الآثار النفسية غير المباشرة التي تأثر بها كثير من الآباء نتيجة تداعيات الحرب الحوثية، فهنالك من أصيبوا بالجنون ومن أقدموا على الانتحار وآخرون تحولوا إلى وحوش فتاكة يمارسون الجريمة بحق فلذات أكبادهم مثل والد نادر.
ولا يبرر الاخصائيون الجريمة التي أكدوا أنها تستوجب العقاب والمحاسبة باعتباره جرما جنائيا؛ لكنهم في ذات الآن، يرون أنه من الواضح أن هؤلاء الآباء بحاجة ماسة إلى إعادة تأهيل نفسي لفترة طويلة، فهذا النوع من الجرائم يتكرر عندما يتعرض أرباب الأسر لضغوط نفسية تجعلهم يتصرفون بهذه النزعة العدوانية تجاه أبنائهم.
أما التأثيرات النفسية المباشرة فيتعرض لها الأبناء أكثر من الآباء في الواقع اليمني على وجه الخصوص، وتحدث بصددها الجريمة بشكلٍ عكسي، وعادة ما يكون الجناة فيها من المُجندين في صفوف المليشيا الحوثية الذين يتعرضون لغسل أدمغة وتغيير جذري لثقافاتهم، وعادةً ما يخرجون من معسكرات الحوثيين بثقافة جديدة أكثر تطرفا وعدوانية لا يستثنون من فِعالها حتى آباءهم وذويهم.
وسُجلت جرائم قتل مروعة مارسها أبناء بحق آبائهم بصور وحشية في مناطق سيطرة المليشيا الحوثية، وفي العادة يرتكب هذه الجرائم شبان جندوا في صفوف المليشيا الحوثية وعادوا بثقافة الغلو إلى أسرهم ليرتكبوا هذه الجرائم دون أسباب، ودائما ما يكونوا مدفوعين بما اكتسبوه من فكرٍ شيطاني، بحسب المختصين.