في مدرسة على بن أبي طالب الواقعة وسط مدينة تعز حطت نحو 25 أسرة رحالها بعد رحلة سفر شاقة استمرت يومين من مدينة الحديدة هربا من الجحيم الذي تسببت به مليشيات الحوثي الإرهابية.

 

ما يزال التعب وأثر السفر باديا على وجوههم بعد أن قطعت هذه الأسر مسافات طويلة للوصول إلى تعز، والمكوث في هذه المدرسة وأبنية مجاورة كانت خالية من السكان منذ فترة الحرب التي أشعلت فتيلها مليشيا الحوثي فيما توزعت أسر أخرى على أحياء عدة بالمدينة.

 

يقول رجل يبلغ من العمر 55 عاما لمراسل "وكالة 2 ديسمبر" إن جميع الأسر النازحة في مدينة تعز والبالغ عددها نحو 1455 أسرة هم من ذوي الدخل المحدود ممن كان معيلوهم يعملون على متن دراجات نارية أو في أعمال أخرى بدخل يومي يكفي بالكاد سد حاجة الأسرة من الطعام ليوم واحد.

 

يضيف بصوت يبدو عليه الحسرة لقد توقفت الأعمال وانقطعت كافة الخدمات، وأصبح الحصول على مياه الشرب صعبة منذ أن اجتاحت مليشيات الحوثي مدينة الحديدة.

 

ويرفض هذا الرجل الإفصاح عن هويته خشية على ولده الذي ما يزال في مدينة الحديدة وينتظر الفرصة المواتية للهرب منها، ويقول "لقد انقطعت الكهرباء عن معظم أحياء المدينة، فيما كانت مياه المجاري تطفح بشكل مستمر في الحي الذي أعيش فيه.. الحياة لم تعد تطاق هناك".

 

تردي الخدمات

منذ أن سيطرت مليشيات الحوثي على مدينة الحديدة بدأت كافة الخدمات تسوء، لما شاب الجهات الخدمية من عمليات فساد واختلاس للمال العام، وعدم الاهتمام بإصلاح البنية التحتية لبعض المرافق التي أصابها التلف.

 

وبحسب مراقبين فقد وضعت عناصر مليشيات الحوثي التي تولت إدارة الخدمات في المدينة الإثراء السريع جل اهتمامها، وبدأت في البحث عن مصادر المال، متجاهلة النداءات الداعية إلى توفير خدمات المياه والكهرباء التي كانت في تراجع مستمر إلى أن توقفت تماما.

 

مخاوف من التجنيد

في يونيو الماضي جالت أطقم تابعة لمليشيا الحوثي الحي الذي يسكن فيه عبده مصوعي، وبدأت مكبرات الصوت تدعو السكان إلى ما أسمته "الدفاع عن المدينة".

 

في بادئ الأمر بدت الأمور عادية لكن الوضع تغير في المرات التي تلت ذلك بعد رفض معظم السكان تلبية الدعوة، فقررت مليشيا الحوثي فرض التجنيد الإجباري مرغمة السكان على القتال في صفوفها، لذا قرر أغلبهم الفرار من المدينة على مراحل متباعدة.

 

اتخذت بعض الأسر طرقاً عدة للهرب بعضها على دفعات فصلت فيها الرجال عن النساء؛ فيما اتخذ الشباب طرقاً ملتوية وبعيدة عن أعين المليشيات التي أصبحت تدقق في هويات الخارجين من المدينة.

 

ووُصفت الحديدة التي كانت تعتبر في السابق مدينة التسامح والبساطة بمدينة تفوح منها رائحة الموت، فيما أصبح التنقل في أحيائها خاصة القريبة من المطار صعبة للغاية نظراً لقيام مليشيا الحوثي بحفر خنادق ووضع متارس ترابية.

 

وفي عمارة سكنية غير مكتملة البناء مجاورة للمدرسة امتدت حبال الغسيل ونشرت عليها ملابس مهترئة تدل على البؤس الذي كان هؤلاء يعانون منه، ومدى الحرمان الذي عاشته تلك الأسر في زمن المليشيات، فيما كان بعض الأطفال يلعبون بكرة صنعت من بقايا مواد بلاستيكية في باحة المبنى.

 

يقول شاب كان يؤدي دور المعلق الرياضي كنوع من التسلية إنه فر من الحديدة متخذا طرقاً فرعية داخل حقول زراعية وأخرى ترابية هربا من أعين عناصر المليشيات.

 

يقول إن الحديدة أصبحت اليوم مدينة تعمها الفوضى وتنتشر فيها رائحة الموت التي جلبتها مليشيا الحوثي لأبنائها البسطاء.

 

ويؤكد أنه يعرف العديد من زملائه الذين انخرطوا في صفوف المليشيات لقوا حتفهم بعد أن خدعتهم مليشيات الموت بوعود زائفة ولا يعرف أحد مصير جثثهم.

 

وقد عرف ذووهم بمقتلهم - حسب قوله - من زملاء لهم ما يزالوا يعملون ضمن صفوف المليشيات لكنهم لم يتسلموا جثثهم حتى اليوم.

 

وقال آخر رافق الأسر النازحة إن مليشيا الحوثي رفضت في البداية السماح لتلك الأسر بالمغادرة وبعد فترة استجداء سمحوا لها بذلك.

 

ويرجح من كلام الشاب أن مليشيا الحوثي كانت على ما يبدو ترغب في جعل تلك الأسر دروعاً بشرية.

 

وفي بناية مجاورة للمدرسة عبر رجل مسن عن ارتياحه من الوصول إلى هنا "إنه امر لا يصدق بالنسبة لمن شاهد معاناة سكان الحديدة ومدى قسوة الظروف المعيشية".

 

وقال إن أغلب الأسر اعتمدت على التنقل من منطقة إلى أخرى فيما استقل بعضهم عربات مخصصة لنقل المواشي وبعضها للخضروات وجميعهم تركوا خلفهم كل ما يملكون من أجل النجاة بأنفسهم.

 

ووزعت منظمة محلية سلات غذائية تكفي لنحو شهر على النازحين القادمين من الحديدة إلى تعز وقد عبر العديد منهم عن فرحتهم بذلك.

 

وقال أحد الشباب إن مليشيات الحوثي كانت تشترط حصول الأسرة على المواد الغذائية مقابل انخراط شاب أو شابين من تلك الأسرة في صفوفها أما هنا لا نجد شروطاً مسبقة في الحصول عليها.

 

وأضاف أن توزيع المواد الغذائية المقدمة أصلا من منظمات دولية تتم وفق معايير خاصة بمليشيات الإجرام، منها مدى ولاء الأسرة أو عدد المجندين في صفوفها أو ممن قتل سابقا في محارق الموت العبثية.

 

ووصف شاب آخر الوضع المعيشي هناك بالمزري نظرا لانعدام الأعمال فضلا عن إصابة الحركة التجارية بالشلل في مدينة الحديدة التي كان يشكل ميناؤها قبل مجيء المليشيات عصب الاقتصاد الوطني.

 

ورفض العديد ممن قابلناهم الإفصاح عن أسمائهم خشية على ذويهم وبعض أقاربهم ممن لا يزالون في الحديدة، غير أن أحاديثهم كانت شاهدا حيا إضافيا عن مدى الانتهاكات التي تمارسها مليشيا الحوثي بحق المدنيين.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية