بين فترة وأخرى ترمي مليشيا الحوثي، ما تعتقدها قنابل ذرية استخباراتية ستفجر مكانة الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح في قلوب الشعب اليمني، إلا أن ذرياتها سرعان ما تتحول على صخرة وعي اليمنيين، الذين خبروا كل القوى على الساحة، إلى بالونات لا تثير السخرية فقط وإنما العطف والشفقة من مدى الإفلاس الذي وصل إليه الذنب الإيراني في اليمن.
 
لو كان الحوثيون يثقون بعهدهم وأدائهم لاكتفوا بإنجازات حققوها للشعب اليمني، ولكانت جوابا كافيا أمام أبناء الشعب عن كل سلبيات وأخطاء مفترضة ارتكبها نظام الرئيس الراحل، أو رافقت المسيرة الجمهورية منذ اندلاعها أوائل ستينيات القرن الماضي، لكن من أين لهم بإنجازات غير الدماء المسفوكة والدمار الشامل والمقابر المبثوثة والانتكاس بالبلد في كل المجالات.
 
من يحاولون تشويه صورته الناصعة، جاء للحكم باختيار شعبي واستمر بإرادة شعبية، لم يدعٍ حقا إلهيا، ولا مارس استعلاء على اليمنيين، ولا خدرهم بشعارات جوفاء، ولا أدخل البلاد في حيص بيص، ولا قدم الشعب اليمني قربانا لأحد.
 
كان اليمنيون يسمونه الأخ علي عبدالله صالح، وكانت وسائل الإعلام الرسمية تسبق اسمه بذات اللقب الأخوي، على عكس عبيد العهد الحوثي، الذين حتى في نجواهم لا ينطقون باسم الكاهن القزم المدعو عبدالملك الحوثي إلا وسبقوه بلقب "السيد" وألحقوه بعبارة "سلام الله عليه".
 
جاء علي عبدالله صالح نهاية السبعينيات في وضع سياسي يغلي شمالا وجنوبا، ورأى اليمنيون قبله رؤساءهم ما بين مُقال منفي أو قتيل، ومكونات سياسية متناحرة لا تكف عن العبث بأمن وسياسة البلاد، وقرار خارجي مرهون، واقتصاد لا يكاد يعتمد على نفسه في شيء.
 
جاء على مرحلة نمو جمهوري تعافر الحياة لشق طريقها الحقيقي وفقا لأهداف الثورة السبتمبرية والأكتوبرية، لكنها تتعثر كلما نهضت، فكان له أن يحول البيت الجمهوري المتواضع حينها نحو خطى أكثر جدية، فصفى مشاكل السياسة في الداخل، ثم مع الإقليم اليمني الجنوبي حينها، ومع الجيران والعالم، وكون علاقات متوازنة داخليا وخارجيا، واستغل ثمرة الاستقرار السياسي في الاستقلال الاقتصادي، فعكف على إحالة أحلام النفط إلى حقيقة استفاد منها في عملية دفع واسعة بالمضمار التنموي، الذي انعكس في المزيد من استقلال القرار الوطني، وعم مختلف مناحي الحياة، من بنية خدمية تحتية، طرقات وكهرباء ومياه وتعليم وصحة، وزراعة وصناعة وهلم جرا، ثم استثمر الظروف الإقليمية والدولية فتقدم نحو إعادة وحدة اليمن، وما تبعها من إضافات ديمقراطية كمية ونوعية في التجربة السياسية اليمنية، وما لحق وحدة الإمكانات من زيادة الوتيرة التنموية.
 
هذا هو البلد الذي تركه علي عبدالله صالح فما البلد الذي يتربع على سلطته في عاصمته وبعض محافظاته، الحوثي ومليشياه؟ 
 
بلد كان ديمقراطيا فأصبح وكرا للرعب والإرهاب والصوت الواحد، حزبية ميتة فعلا، ومنظمات ونقابات ووسائل إعلام وكافة وسائل التعبير في خبر كان، لا صوت يعلو فوق صوت الشعار.
 
بلد كان يضمه نسيج اجتماعي وطني يمجد التسامح ويعلي من شأن الاعتدال ويركن إلى السلم العام، فصار مزرعة خصبة للمشاريع الطائفية والإرهاب والعنف والتطرف.
 
بلد كان موحدا من المهرة إلى الحديدة، ومن عدن إلى صعدة، أمسى مشتتا وممزقا.
 
بلد قطع أشواطا في التنمية فتحول إلى بنى عمرانية وخدمية وإنشائية مهترئة وآيلة للاندثار.
 
بلد كانت تربطه بالخارج علاقات احترام تحكمها المصالح المشروعة المتبادلة وفق القوانين والأعراف الدولية، فسقط في تبعيات تمتد إلى خارج النطاق العربي.
 
كل هذا السقوط والانهيار بفضل المليشيا الحوثية المسكونة بالجهل والهمجية، فأفسدت علاقات الداخل والخارج، وطرحت البلد نهشا للرائح والغادي.
 
بالمناسبة، سنكتفي بنموذج طازج للأكاذيب والتضليل والخداع الحوثي، بغرض تشويه الصورة الوطنية للشهيد علي عبدالله صالح، يتمثل في مكالمة مزعومة بينه وبين المدير الأسبق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية جورج تينيت، وتدمير منظومة الدفاع الجوي حسب زعم الفقاعة الحوثية.
 
إذا صحت المكالمة جدلا، فقد أظهرت عظمة الشهيد ووطنيته، وتمثيله لشخصه كرئيس دولة، ونقتصر على ملاحظتين فحسب:
 
الأولى، مدى الاحترام الذي أبداه رئيس مخابرات أقوى وأغنى وأكبر دولة بالعالم في رجائه من الرئيس الشهيد لتنفيذ طلبه، بعكس التوجيهات المرفقة بالصفع أحيانا التي يطلقها إيرلو على القيادات الحوثية، قلنا إيرلو فما البال إذا كان التوجيه من قيادات أرفع في فيلق القدس ناهيك عن قيادات أعلى في الحرس الثوري، أما خامنئي فلعل التوجيهات تعمد بأصوات الأحذية.
 
الثانية، من الواضح من المكالمتين، إن صحتا بدون مَنتَجة، أن الطلب كان متعلقا بأحد عملاء المخابرات الأمريكية، الذي احتجزه الأمن السياسي لقرابة شهرين، وليس فردا من أعضاء تنظيم القاعدة كما حورت المليشيا، وفرض الرئيس الراحل على الولايات المتحدة إخراج العنصر الاستخباراتي من اليمن بمجرد تسلّمه، وكأن الرئيس يقول بشأنه: السجن أو الطرد من البلاد.
 
أما المتعلق بما وصفتها المليشيا الحوثية منظومة الدفاع الجوي، "سام 7"، فمن المعروف أنه من الصواريخ الصغيرة المحمولة على الكتف، تسربت لأسواق السلاح القبلية أثناء وبعد حرب 1994، وتمكنت القاعدة من الحصول على بعضها واستخدمتها في محاولات إسقاط طائرة مدنية، ومروحية تابعة لشركة كنديان نكسن في حضرموت، فكانت هذه الصواريخ مشكلة يمنية وقفت حيالها عوائق عدة بينها إقناع تجار السلاح القبليين بضرورة سحبها من السوق وتمويل هذه العملية لتجنب مخاطر أمنية قد تنجم عن رفض محتمل من التجار، فجاء عرض السلطات الأمريكية بتمويل السحب وتحجج الحكومة اليمنية بالضغط الأمريكي أمام القطاع القبلي مخرجا من مزيد تسرب لهذا السلاح إلى يد عناصر القاعدة، وبذات الوقت التوجه اليمني العسكري لشراء منظومات دفاع جوية حديثة.
 
لم يكن الأمر سرا حتى تكتشفه مليشيا خائبة، فقد تمت عملية التدمير بإعلان رسمي وبحضور صحفيين وإعلاميين.
 
إلى جانب هذا وذاك أن منظومة سام، كانت مناسبة للانخفاضات والسرعات القليلة للطائرات، وعمليا لم تعد مستخدمة اليوم كدفاع جوي مناسب للطائرات الحديثة، وتوقفت روسيا مصدر الابتكار والتصنيع الأساسي لهذه المنظومة من إنتاجها قبل 35 عاما، وأصبحت تستخدم وتتاجر بمنظومات صواريخ دفاع جوي تجاري التطورات الحاصلة في صناعة الطائرات الحربية، مثل إس 300، إس 400، إس 500.
 
أنظمة الدفاع الجوي التي تتشدق المليشيا الحوثية بتصنيعها، وهي إيرانية في حقيقتها كالطائرات المسيرة، وأعلنت عن تفوقها على دفاعات "النظام السابق" لم يشاهدها اليمنيون تدمر أهدافا جوية مهمة، على الأقل لحماية مخازنها من السلاح الذي كدسته في المدن.
نتمنى أن تعرض مليشيا الحوثي، كم ونوع، قطع السلاح الأمريكية من بين العتاد الذي سيطرت عليه من مخازن الجيش اليمني السابق، لنعرف مدى ارتهان القرار العسكري لـ "النظام السابق" لأمريكا، كما كان ارتهان أسيادها في طهران، أثناء الحرب العراقية الإيرانية، الذين قاتلوا العراقيين بسلاح وخبرات وصيانة وذخائر أمريكية وإسرائيلية، حتى يتسنى لـ"زوجة السر" الإيرانية ونسلها الحوثي رمي الآخرين بالعمالة.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية