خرافات مؤسسة للأيديولوجيا الإيرانية
عاش محمد بن علي بن الحسين بن با بويه القمي (أبو جعفر الصدوق)، في منتصف عصر حكم بني بويه الذي امتد من العام 224 إلى العام 447 هجريا، وخلال هذه الفترة انتهت فترة الغيبة الصغرى للإمام الغائب عجل الله فرجه.. ونكتب الكلمة ونتلفظ بها عجل.. عجل بفتح العين وجيم مشددة، وليس عجل، بكسر العين وسكون الجيم، كما كان يتعمد نطقها أستاذنا الخطير الساخر أحمد الرمعي قبل فقدنا له!
نقول خلال فترة حكم بني بويه انتهت فترة الغيبة الصغرى للإمام الغائب، أي المهدي المنتظر(260 – 329 هـ بوفاة السمري الذي كان آخر وكيل للإمام الذي غاب منذ ذلك الوقت ولم يرجع بعد رغم أن حصانه باق عند باب الكهف ينتظره ليركبه ومعه سيفه الذي سيقهر به الدنيا في زمن الكلاشنكوف، وإف16 المحلقة في السماء، والصواريخ عابرة القارات.. (لما حكينا هذا لأستاذنا عبد الناصر المملوح، تساءل: ما عسى ينفع المهدي سيفه حين يرجع؟ يدخله في مؤخرته!).
شاهد عصر بني بويه تراجعا حضاريا وجمودا فكريا وعلميا كثر فيه المحدثون حتى قيل إن مدينة قم في عهد البويهيين، كان فيها ما يزيد عن مائتي ألف محدث! وكان ابن بابويه القمي شيخا لكل هذا الغثاء.. توفى هذا القمي عام 381 هجريا، ومن بين تآليفه المحشوة خرافات وأساطير كتاب عنوانه اكمال الدين واتمام النعمة في اثبات الرجعة(يقصد رجعة الإمام الغائب، المهدي المنتظر).. وكتابه هذا من جملة الكتب الأساسية المؤسسة للأيدولوجية الدينية التي نشأت منها النظرية السياسية للشيعة الإمامية في إيران.. الكتاب المذكور يعد أيضا مصدر معظم الخرافات التي يؤمن بها، ويدافع عنها، ويقذف بها نحو الجمهور المنوم، مثقفون شيعة ملتزمون في بلاد عربية كالعراق مثلا، كما نرى ونسمع من قنوات التلفزة التي تمتلكها جماعات ممولة من إيران، ونرى ونسمع مثل ذلك التخريف، من بعض رجال الجماعة الحوثية، وإن كان بقدر أقل، إذ الفارق بين الحالتين فارق في الكم، وليس في النوع.
سوف أنقل للقارئ مقتطفات من ذلك الكتاب، دون تغيير فيها، إلا حيث استدعى الأمر وضع لفظة مكان لفظة لم تعد مستخدمة، لكنها تحمل معناها، وتحسين أسلوب التعبير.. والغرض من ذلك المساعدة في فهم بعض أسباب نزوع الهاشمية إلى تمييز نفسها عن البشر عموما، والتمييز داخل الإسلام نفسه من جهة، ومن جهة ثانية معرفة ميل الحكام المنتمين إلى هذه الفئة لتنصيب أنفسهم أوصياء على الآخرين، كما في حالة تصدير الثورة الخمينية.
في قول القرآن عن إبراهيم: (فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا. ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا).. جزم القمي أن كلمة عليا في هذه الآية ليس المقصود بها الثناء الحسن أو الجميل من الناس ليرتفع شأنهم، بل أراد بها علي بن أبي طالب، وعلى ذلك يكون الله قد أخبر الإمام علي أن الإمام الغائب هو الابن الحادي عشر من ذريته، وأن هذا الأمام هو المهدي المنتظر الذي سيأتي ذات يوم ليملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت جورا وظلما.. وقال القمي إن سلمان الفارسي ضرب في الأرض أربع مائة سنة طلبا للحجة قبل أن يلقى محمدا.. نعم، أمضي من سنوات عمره أربع مائة سنة في البحث عن الحجة المهدي! ولم يذكر لنا ابن بابويه كم من السنين عمر سلمان، لكن يبدو أنه يقع في المرتبة الثانية بعد نوح، ما دامت مهمة واحدة فقط وهي البحث عن الحجة استغرقت أربع مائة سنة من حياته.
وعندما وقف ابن بايويه على الآية القرآنية: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة).. قال ابن بابويه القمي إن الله بدأ بذكر الخليفة (المهدي) قبل ذكر الخليقة(الطبيعة والبشر)، وهذا يدل على أن الحكمة في الخليفة أبلغ من الحكمة في الخليقة.. وقد قال الرسول لعلي: يا علي، لولا نحن.. لولا نحن ما خلق الله آدم.. ولا خلق حواء.. ولا الجنة، ولا النار، ولا السماء، ولا الأرض.. وقال لعلي أيضا: مثلك ومثل الأمة من ولدك مثل سفينة نوح.. وقال علي بن موسى الرضا: نحن العروة الوثقى، ونحن شهداء الله وأعلامه في بريته، بنا يمسك الله السموات والأرض أن تزولا، وبنا ينزل الغيث، وبنا تنتشر الرحمة.
ويقول القمي إن جبريل لما اصطحب محمدا في المعراج، توقف عند منطقة حجب النور، وقال يا محمد إن هذا انتهاء حدي الذي وضعه الله لي في هذا المكان.. ونسب إلى جعفر الصادق قوله: كان جبريل إذا أتى محمدا لم يدخل عليه حتى يستأذنه، وإذا دخل عليه قعد بين يديه قعدة العبد! ونسب إلى الرسول أنه قال: كيف لا نكون أفضل من الملائكة، وقد سبقناهم إلى التوحيد ومعرفة ربنا وتقديسه وتهليله، لأن أول ما خلق الله أرواحنا أنطقنا بتوحيده وتمجيده.. فسبحنا لتعلم الملائكة أنا خلق مخلوقين، وأن الله منزه عن صفاتنا، فسبحت الملائكة لتسبيحنا، ونزهته عن صفاتنا..( إذ لما رأت الملائكة أرواح محمد وآله، استعظمت الأمر وظنت أنها أرواح خالقة، فسارع الرسول للتسبيح كي تعلم انها مخلوقة). وقال الرسول: فلما شاهد الملائكة عظم شأننا هللنا، لتعلم الملائكة أن لا إله إلا الله، ولما شاهدوا كبر محلنا كبرنا الله، لتعلم الملائكة أن الله أكبر من أن ينال، وأنه عظيم المحال، فلما شاهدوا ما جعل الله لنا من القدرة والقوة، قلنا لا حولا ولا قوة إلا بالله، لتعلم الملائكة إن لا حول ولا قوة إلا بالله، فقالت الملائكة لا حول ولا قوة إلا بالله، ولما شاهدوا ما أنعم الله به علينا وأوجبه من فرض الطاعة لنا، قلنا الحمد لله، لتعلم الملائكة ما يحق لله ذكره علينا من الحمد على نعمه، فقالت الملائكة الحمد لله.. فبنا اهتدى الملائكة إلى معرفة الله تعالى وتسبيحه وتهليله وتحميده.. آل محمد مصدر إلهام للملائكة إذن!!
كل ما سبق ليس بشنيع عند القمي، لكي يتعفف من قوله، فالأمر عنده مؤصل تأصيلا منذ اليوم الأول لجلوس الله على العرش .. فالله أمر الملائكة بالسجود لروح آدم، قبل أن يخلق جسد آدم بسبع مائة سنة، ليس بالتقويم الهجري طبعا.. ولماذا أمرهم بالسجود لروح كائن لم يخلق بعد، وهو أيضا لا يستحق السجود؟ لقد أمر الله الملائكة يسجدوا له لأمر سيأتي.
يقول ابن بابويه القمي: استعبد الله الملائكة بالسجود لآدم بسبب ما أودع في صلبه من أرواح حجج الله.. فكان ذلك السجود لله عبودية، ولآدم طاعة، ولما في صلبه تعظيما.. والذي في صلبه مستحق التعظيم هم آل محمد والابن 11 من ذرية علي.. المهدي المنتظر.. الذي لن يعود، ولا عاد مهدي اليهود الذي ما يزالون ينتظرونه اليوم، منذ خلقته أساطيرهم قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام.