عميد شهداء الحديدة الشبلي.. من القادسية الثانية إلى الجمهورية الثانية
ما زالت قصص الشهداء تؤكد لنا يوما بعد يوم أن للجمهورية رجال يحمونها، وينزعون ببطولاتهم رذاذ قلق قد يساور أي من اليمنيين على وطنه.
أبطال اختاروا هم أقدارهم ليرسموا لرفاقهم وللأجيال مُثُلا في التضحية والفداء، وترسيخ قيمة الوطن في النفوس، فصاروا منابع إلهام وفخر لدروب الحرية في ساحات الوغى.
بدايات عربية
في مبتدأ العام الماضي تداولت وسائل الإعلام صورة لقائد المقاومة الوطنية العميد الركن طارق محمد عبدالله صالح مع ثلاثة أطفال أحدهم طفلة في عمر الزهور، بقلب حان من القائد وعيون يملأها أمل الأبوة من الأطفال كان المشهد.
كان الثلاثة الأطفال هم أولاد عميد الشهداء في الحديدة على الساحل الغربي العميد البطل عبدالغني أحمد أحمد الشبلي، رجل هذه الحكاية الشماء في مسيرة الاستشهاد الجمهورية.
ولد الشبلي العام ب١٩٦٦محافظة ريمة، مديرية السلفية، عزلة يفعان.
في الخامسة عشرة من عمره قرر بطلنا أن يختار دربه في سنوات البناء الحديث للجيش اليمني أوائل عهد الرئيس الشهيد علي عبدالله صالح، فالتحق بالخدمة العسكرية في قوات الشرطة العسكرية عام ١٩٨١ ثم التحق باللواء الرابع عروبة الذي تم تشكيله في ضبوة بمحافظة صنعاء عام ١٩٨٤.
كان هذا اللواء العسكري من الألوية اليمنية التي شاركت في معركة القادسية الثانية ضد الفرس التي اندلعت بين العراق وإيران، وكان الشبلي أحد العسكريين اليمنيين الأوائل الذين خبروا الأطماع الفارسية في الأرض والأمة العربية، فتكونت لديه حالة وعي متقدمة بمعنى الجندية وبمعنى المخرجات الفارسية التي فرختها في غير أرض عربية بينها اليمن، فكان من الذين عرفوا باكرا مدى خطورة المليشيا الحوثية الموالية لإيران على الساحتين، الوطنية اليمنية، والعربية القومية.
عقب مشاركته في المعركة العربية في العراق عاد إلى اليمن ليستكمل بناء خبراته ومؤهلاته العسكرية فالتحق عام ١٩٨٧ بالدورة الأولى لتأهيل الضباط في مدرسة المشاة بصنعاء ومنح شهادة إتمام الدراسة العسكرية، وتنقل في عدة قطاعات وكان له دور بارز مع زملائه الضباط المكلفين بمكافحة التهريب وضبط المهربين في قطاع الملاحيظ بين محافظتي صعدة وحجة.
قيادة وشهادة
عندما اجتاحت مليشيا الحوثي صنعاء وشرعت في تمددها ببقية المحافظات، حدد الشبلي موقفه الوطني سريعا، مستلهما خبرته ووعيه بمدى الخطر الفارسي الذي تمثله المليشيا في اليمن، فما كان منه إلا الانطلاق إلى جبهات العز والشرف بداية في تعز وبعدها مأرب وميدي. كما يستذكر رفيقه (ع. إ).
شهور مضت على نضاله الجمهوري في عدة جبهات، حتى كان الظهور الأول للعميد طارق في شبوة، بعد استشهاد الزعيم، "لم يتمالك الشهيد الشبلي نفسه من الفرحة وكان يقول الحمد لله الانتفاضة مستمرة، كان يثق بقدرات العميد طارق في لملمة وإعادة ترتيب الصفوف وبناء قوة عسكرية نظامية واستئناف القتال ضد مرتزقة إيران، وبالفعل تواصل مع زملائه الضباط الذين سبقوه إلى عدن وتم التنسيق وتحركنا معا إلى عدن". حسبما يضيف (ع. إ).
قدم الشهيد الشبلي خلال انضمامه للمقاومة الوطنية- حراس الجمهورية، وتعيينه قائداً للكتيبة الخامسة في اللواء الثاني حراس الجمهورية، مثالا في المهارات القيادية والقتالية، حتى ارتقى شهيدا في معركة تحرير الحديدة.
يقول مصور الكتيبة الخامسة (ع. ر): بعد تحرير وتأمين مستشفى 22 مايو، كان العميد الشبلي بجوار محطة سبعة يوليو القريبة من المستشفى وكان معه البطل العقيد حسين أبو حورية قائد الكتيبة الرابعة والذي استشهد هو الآخر في ذات المعركة، معركة الحديدة، تعرضنا لقصف بقذيفة هاون استشهد على إثرها مباشرة العميد الشبلي، وكان ذلك بتاريخ ٩/ ١١ /٢٠١٨.
مشاهد وشهادات
من القصص المشهورة عن الشهيد الشبلي أنه بعد توليه مهامه في الحديدة كقائد للكتيبة الخامسة، والحوثي لا يزل هناك، استطاع تحرير سبعة كيلومترات بزمن قياسي لم يتعد أربع وعشرين ساعة دون إصابة أحد من أفراده.
العميد (ع. ر) قائد لواء المدفعية، قائد اللواء الثاني حراس الجمهورية سابقا، الذي كان الشبلي يقود إحدى كتائبه، يتحدث عن بعض مزايا الشهيد كقائد ميداني قائلا: الشبلي يمتلك الكاريزما القيادية، وفي أوقات الراحة سرعان ما يتعايش مع أفراده كواحد منهم وكان منبع المعنويات رحمة الله عليه، وعند اشتداد المعارك لا خوف على قطاعه إطلاقا، لديه ملكات في إدارة المعركة، ورجل مقاتل من الطراز الأول.
يتابع العميد (ع. ر): لم يتردد الشبلي في تنفيذ أي مهمة، لم ألمس فيه أي تخاذل بل على العكس كان مبادرا ويمتلك الخبرة القتالية العالية ولديه عقيدة عسكرية وطنية.
ويحكي (أبو هاجر. ف) مشهدا قياديا للشهيد بقوله: كنت قائد فصيل وماسك موقع في الجاح، تعرضنا لهجوم من المغرب حتى الفجر، كان الموقف صعبا جدا، كنا في حالة فاصلة والكتيبة مكلفة بتأمين مساحة واسعة ومشتتة على المواقع، تواصل معنا بثبات وفي اللحظة الحرجة بادر بإسنادنا بنفسه ومن معه من أفراد القيادة والمرافقين، وتقدم مخترقا الصفوف وكان يقصف بسلاح البازوكا بنفسه، أخذ موقعه كفرد محارب، وسيطر على الموقف وكبدنا مرتزقة إيران خسائر فادحة.
(ع. س) هو الآخر يستذكر مشاركاته مع الشهيد الشبلي: صاحب خبرات قتالية عالية ويمتلك القدرة على التخطيط للمعركة لضمان الانتصار بأقل الخسائر البشرية، كان مثالا للتضحية والفداء والانضباط العسكري.
ويضيف: استشهد وهو في مقدمة الصفوف مع أنه كان بمقدوره إصدار الأوامر لكنه كان أشجعنا، وأكثرنا حرصا على التنكيل بمرتزقة إيران أحفاد الإمامة.
من جانبه (ع. م) توجيه الكتيبة الخامسة قبل تعيينه ركن توجيه اللواء الثاني حراس الجمهورية يقول: للأمانة كنا في التوجيه المعنوي نعجز عن مجاراته في رفع معنويات المقاتلين، كان روحا معنوية، وبكاريزميته وأسلوبه القيادي كان مشعل حماس وكل من عمل تحت قيادته ضباطا أو أفرادا لا يتوانون ولايترددون في تنفيذ المهام.
يواصل (ع. م): كان يحب الجندي الشجاع، وشعاره دائما الحياة مرة واحدة، ومادام الموت حتمي فلماذا تعيش جبانا، كذلك كان يؤمن أنه من المعيب جدا أن يكون الجندي غير منضبط عسكريا وغير قادر على تحمل المصاعب وغير طموح في تطوير قدراته.
في الساحل الغربي وفي جميع جبهات الجمهورية الثانية تتوالى قصص البطولات متوجة بشهداء آثروا على أنفسهم ارتفاع سياج الوطن في وجه المؤامرات والاستهدافات الفارسية له بكل مفاصله، الهوياتية والسياسية والاجتماعية وحتى التاريخية، وها هي ثمرات تضحياتهم تنمو، هنا وهناك، تأكيدا لانتصار شامل كامل، قادم لا محالة.