فرصة عمل «سريّة حوثية» أفقدت سميرة ابنها المعيل للأسرة
مع أن المأساة باتت صفة ملازمة لملايين اليمنيين بسبب تداعيات الحرب التي تشنتها ميليشيات الحوثي الإيرانية، إلا أن الوضع في مناطق سيطرة الميليشيا أكثر قتامة مع وقف صرف رواتب الموظفين وتوقف الأعمال التجارية وتوجيه كل موارد الدولة لتمويل حربها وتجنيد صغار السن والمحتاجين وإرسالهم إلى محرقة الحرب.
سميرة، البالغة من العمر 61 عاماً، خطف الموت زوجها الذي كان يعمل في إحدى ورش النجارة تاركاً لها ولدين وأربع بنات، لم تجد أمامها من خيار في السنتين الماضيتين سوى إرغام ابنها الأكبر أحمد على ترك مقاعد الدراسة والعمل في ذات الورشة التي كان يعمل بها والده وتحمل مسؤولية الأسرة وتوفير احتياجاتها.
هذا الوضع على قساوته لم يستمر. فبسبب الحرب وتوقف الأعمال التجارية أغلق النجار ورشته واختار السفر والعمل في إحدى الدول المجاورة، ووجد نفسه وأسرته بلا مصدر للعيش، غادر المنزل المتواضع واليأس يكسو وجهه باحثاً عن عمل آخر.
ولان أبواب الرزق قد أغلقتها حرب الميليشيا وتسخير موارد الدولة لاتباعها ومقاتليها فقد ساح في أزقة وشوارع صنعاء أملاً بالحصول على أي عمل، وبينما هو يطرق أبواب المعارف والأصحاب أتاه اتصال من أحد أصدقائه يبلغه بأنه وجد له فرصه عمل وطلب منه ملاقاته.
لم يتمالك أحمد نفسه من الفرح فانطلق مسرعاً وما إن وصل إلى المكان حتى وجد صديقه بانتظاره وبرفقته شخص آخر باشره الحديث عن القتال وحشد له نصوصاً دينية كثيرة لإقناعه بالالتحاق بإحدى جبهات الموت التابعة لميليشيا الحوثي، مقابل راتب شهري وبعض المعونات الغذائية، ولم يكن أمام الشاب الذي يواجه الموت جوعاً هو وأسرته إلا القبول بذلك العرض.
عاد أحمد إلى منزله البسيط والخوف والقلق يسيطران عليه من المصير المجهول الذي ينتظره، وأخبر والدته انه مسافر للعمل في محافظة أخرى وسوف يرسل لها مبلغاً مالياً وبعض المواد الغذائية التي تمكنها من إطعام إخوته، وهروباً من عدم قدرته على إخفاء حقيقة وجهته أخذ على عجل ثيابه القليلة وودع أمه بالدموع ربما لأنه كان يدرك أنه وداع أخير ولن يلتقيا بعده.
مرت ستة شهور على غياب أحمد ونهاية كل شهر كان يأتي شخص ليسلم والدته القليل من المال والقليل من المواد الغذائية التي كانت تؤخذ من المساعدات الدولية ورسالة تطمين بأنه على قيد الحياة.
وفيما سميرة تنتظر كل يوم عودة أحمد جاء الخبر الصاعقة، فقد وصل إليها جثة محمولة على الأكتاف، وفيما هي مفجوعة وغير قادرة على استيعاب الصدمة تحلقت حولها مجموعة من النسوة ممن أتين برفقة الجثمان وحاولن إقناعها بالقبول بما حصل، لكن الأم المكلومة ارتمت على التابوت ونادته بأعلى صوت لعله يسمعها قبل أن تنهار باكية ومغمياً عليها.
حمل أحمد على الأكتاف ودفن معه أحلام أمه وأسرته. وبعد أسابيع من الصدمة أدركت المرأة أن عليها تحمل عناء البحث عن لقمة عيش لأبنائها.
وتعود الحياة دورتها وعند إطلالة الفجر تبدأ سميرة يومها بملابسها الرثة وما تبقى من فتات اليوم السابق مقتسمه إياه مع أبنائها.
وتقف بالقرب من محطات بيع المياه، حيث وجدت فيها مصدر رزقها القائم على جمع قوارير المياه الفارغة وإعادة بيعها إلى التجار الذين يقومون بدورهم بتجميعها وبيعها لمصانع البلاستيك.
المـــــــــصدر "البيان"