في ظل الأوضاع التي أشرنا إليها في المقال السابق، رأى الرئيس علي عبد الله صالح أن إعادة بناء المؤسسات الشعبية ضرورة وطنية عامة.. وأنه يتعين عليه اتخاذ تدابير مهمة تتيح المشاركة السياسية لجميع الفئات الاجتماعية والتيارات السياسية، لكي تتعاون وتتضامن معا لضمان ما يحقق للبلد الممزق الاستقرار، ومنافع سياسية واقتصادية واجتماعية، وأن يضع حدا للصراعات السياسية والقبلية على السلطة..
 
كان يقول إن تلك الأوضاع لا يجوز أن تستمر، وفي اليوم التالي لانتخابه من قبل أعضاء مجلس الشعب التأسيسي، أدى الرئيس علي عبد الله صالح القسم الدستوري أمام المجلس، وقال عقب أداء القسم إنه يمد يده بيضاء للجميع، وتعهد بسلوك النهج الديمقراطي وتطويره، لتوسيع دائرة المشاركة الشعبية في صنع واتخاذ القرار.. وفي هذا المجال اتخذ صالح قرارات مهمة وكثيرة لتمكين القوى السياسية- التي لم يكن معترفاً بها- وتمكين المواطنين من المشاركة في الحياة السياسية واتخاذ القرارات العامة، وفي بداية الأمر كانت تلك القرارات تتعلق بتطوير المؤسسة التشريعية، والمجالس المحلية، والمتمثلة حينها في مجلس الشعب التأسيسي(4)، والمجالس البلدية وهيئات التعاون الأهلي للتطوير.
 
كان مجلس الشعب التأسيسي الذي انتخب الرئيس علي عبد الله صالح رئيساً للجمهورية يتكون من 99 عضوا، جميعهم معينون بقرار رئاسي، منذ عهد الرئيس أحمد حسين الغشمي (في مطلع شهر فبراير 1978 أصدر الرئيس أحمد حسين الغشمي إعلاناً دستوريا بتشكيل هذا المجلس المكون من 99 مقعدا، ثم أصدر قرارا بتعيين شاغلي هذه المقاعد). وفي 8 مايو 1979 أصدر الرئيس علي عبد الله صالح إعلانا دستورياً جديداً تم بموجبه توسيع صلاحيات هذا المجلس، وزيادة عدد مقاعده من99 إلى 159 مقعداً، لضمان تمثيل أكبر للمواطنين، وصدرت عقب ذلك قوانين لتطوير المؤسسة التشريعية كالقانون رقم 24 الذي صدر يوم 21 سبتمبر بشأن تشكيل المجلس، وصار 70 في المائة من أعضاء هذا المجلس ينتخبون انتخابا غير مباشر، وذلك من قبل ممثلي المواطنين في المديريات، حيث كان يتم اختيار عدد مناسب من المندوبين في المديرية، ويعقدون اجتماعا في مركز المديرية، ويصوتون لعدد من المرشحين، والمرشح الحائز على أكبر عدد من الأصوات يصبح عضوا في مجلس الشعب التأسيسي، وأحيانا كان يتم تزكية مرشح معين، بينما يعين رئيس الجمهورية بقية الأعضاء (30 في المائة)، وكان مبرر هذا التعيين هو تطعيم المجلس بالخبرات الجيدة التي قد لا تراعى عند قبول المرشحين والتصويت لهم.. وفي وقت لاحق أصبح مجلس الشعب التأسيسي يسمى مجلس الشورى بموجب قوانين وقرارات أصدرها الرئيس علي عبد الله صالح في العام 1988 لتوسيع صلاحيات المؤسسة النيابية، وكان 75 في المائة من الأعضاء ينتخبون من قبل المواطنين بالاقتراع الحر المباشر- السري، بينما 25 في المائة كان يصدر قرار من الرئيس بتعيينهم.
 
هذا من جهة، ومن جهة ثانية كانت تجربة هيئات التعاون الأهلي في شمال اليمن قد بدأت في مرحلتها الجنينية بالحجرية في مطلع ستينيات القرن العشرين وعممت بعد ذلك في مختلف أنحاء البلاد، وذلك قبل تولي الرئيس علي عبد الله صالح الرئاسة بزمن طويل، ولكن يعود له الفضل في تطوير هذه التجربة من خلال توسيع صلاحيات ومسئوليات هذه الهيئات، واستحداث المجالس البلدية التي كانت تنم عن رغبته المبكرة في إيجاد نظام حكم محلي.. وكان ذلك في وقت مبكر من رئاستهـ فبحلول منتصف نوفمبر 1978 كان الرئيس صالح قد عقد أكثر من سبعة اجتماعات مع الاتحاد العام لهيئات التعاون، والأمانة العامة للاتحاد، ولجان مجالس التنسيق في المحافظات، بهدف التعرف على آراء قياداتها حول كيفية تطوير أداء الأدوار المجتمعية، وإعداد وتنفيذ المشاريع، وضمان حق المواطنين في اختيار قياداتهم المحلية.. وخلال ذلك كان يوجه الحكومة بتسهيل أعمال هذه المجالس وهيئاتها الإدارية وتلبية المتطلبات المحلية للمواطنين.. وفي نوفمبر 1978 اصدر الرئيس قرارين جمهوريين (رقم 11 ورقم 12) بتشكيل لجنة عليا للانتخابات لأول مرة، وتشكيل لجان إشرافية تتولى مهمة الإعداد لإجراء انتخابات عامة لاختيار أعضاء الجمعيات العمومية لهيئات التعاون الأهلي للتطوير، وأجريت تلك الانتخابات يوم 10 ديسمبر 1978 وتولت اللجنة الانتخابية الإشراف على اختيار الهيئات الإدارية التي دعيت في يناير لعقد المؤتمر العام الرابع لها، والذي انتظم خلال يومين 22 - 24 يناير 1979.. وفي 30 مارس 1979 أصدر الرئيس قرارا جمهوريا بتشكيل لجنة عليا جديدة للانتخابات ترأسها يوسف الشحاري ( نائب رئيس مجلس الشعب التأسيسي)، ونص قرار رئيس الجمهورية بهذا الخصوص على قيام اللجنة بإدارة الانتخابات العامة لاختيار أعضاء المجالس البلدية، كما تضمن القرار دعوة المواطنين للإدلاء بأصواتهم لاختيار ممثليهم في هذه المجالس، وفي 9 مايو أصدر قرارا بقانون لتعديل نص المادة الرابعة في قانون المجالس البلدية، ونص التعديل على تشكيل المجلس البلدي في المحافظة من 9 أعضاء يتم اختيار 6 منهم بالاقتراع الحر المباشر من قبل  المواطنين، وهذا ما تم في الانتخابات التي نظمت يوم 4 يونيو، بينما الأعضاء الثلاثة الآخرون يتم- حسب القانون المذكور- تعيينهم بقرار جمهوري، وقد صدر بتعينهم قرار يوم 3 يوليو، وفي 15 أغسطس عقد بصنعاء اجتماع ضم رؤساء وأعضاء المجالس البلدية المنتخبين والمعينين في عموم الجمهورية، لمناقشة وإقرار الخطط المحلية القادمة، وبعد فترة كافية من هذا التوقيت قام الرئيس بزيارات شملت عددا من المحافظات لمتابعة أداء هذه المجالس في ما يتعلق بتنفيذ الخطط التي أقرتها.
 
لقد شهد العام 1980 حركة دؤوبة في هذا الاتجاه، فمنذ مطلع يناير اجتمع الرئيس بالهيئات الإدارية للاتحاد العام لهيئات التعاون الأهلي، وكلف رؤساء لجان الاتحاد ومصلحة الشؤون الاجتماعية(كانت حينها تسمى مصلحة الشئون الاجتماعية، وفي العام 1981 أصبحت وزارة الشئون الاجتماعية)، بعمل مشترك في المحافظات لدراسة احتياجاتها وحالة المشاريع الخدمية فيها.. وفي يونيو 1981 كلف الهيئة الإدارية للاتحاد العام ووزارة الشؤون الاجتماعية، الشروع في التحضير لدورة  ثالثة جديدة من الانتخابات التعاونية، وتلى ذلك قرار جمهوري في 8 سبتمبر 1981  نص على إعادة تكوين اللجنة العليا للانتخابات التي ستنظم انتخابات هيئات التعاون للموسم الثالث، وحدد القرار اختصاصات اللجنة، وتلاه قرار آخر(القرار رقم 124 الذي صدر يوم 13 أكتوبر 1981) بتشكيل اللجان الإشرافية في هذه الانتخابات، وبعد إتمام الانتخابات عقد المؤتمر العام للمجالس البلدية، وسنرى فيما بعد أن اللجنة العليا للانتخابات المشار إليها، واللجان الإشرافية المتفرعة عنها، أسندت إليها أيضا (بموجب قرار جمهوري برقم 128) مهمة إضافية هي الإشراف على انتخاب ممثلي المواطنين في المؤتمر الشعبي العام المعني بمناقشة مشروع الميثاق الوطني وإقراره بصورته النهائية، وحدد القرار رقم 129 أن يتم انتخاب 70 في المائة من إجمالي ممثلي المواطنين، بينما بقية النسبة المتبقية كانت من صلاحية رئيس الدولة.. 
 
في المقال التالي سوف نستعرض تفاصيل مولد الميثاق الوطني.

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية