أتذكر أحاديث جدتي عما عاشته البلاد في السبعينات من إرهاب جبهوي يستهدف النسيج الاجتماعي بيد أنها لا تعي معنى تلك الكلمة كما أتذكر حديث أمي عن انتقال كامل أسرتها من الرعينة إلى مخلاف فرارا من الدموية التي كانت في كل المناطق الوسطى. 
 
ثم تكمل جدتي حديثها: لما طلع علي عبدالله صالح الحكم انتهت الحرب.
 
ها نحن نعيش جبهوية مختلفة منذ تسليم صالح السلطة عام ٢٠١١ ، حروب ، ودماء، وكوارث جمة أكبر مما يتخيل الذي يكتب تقارير الأوضاع الإنسانية في كواليس الأمم المتحدة ، وأنا أستمع لجدتي تخيلت أن تلك الحكايا أشد ما يمكن للإنسان سماعه ولكن وأنا أعاني هذه الحرب تأكدت لدي حكاية واحدة : بين جبهة وجبهة ثمة صالح ،ثمة وطن ، فاصل جمهوري يتأصل في تأريخ اليمن الكبير.
 
وجِد صالح كنقطة في سواد عارم، نقطة ذهبية ، وما قلته لكم بين مرحلة ومرحلة يكفي لشرح ثلث القرن الذي مر من حياتنا ، وتشكل من منجزات قلما حدثت.. تولى صالح الحكم ولم تكن البلاد إلا بقية باقية من مرحلة الكهنوت الأسود.
 
صحيح أن الجمهورية أعلنت في 1962م، ولكن الوضع القاتم ظل كما هو، ويكفيه معجزة إنهاء الاحتراب الداخلي في المناطق الوسطى ، ثم نشوء المدنية الجديدة من أول صعوده عبر المؤسسات الدستورية، وإنتاج النفط والدخول في مرحلة اتفاقية الوحدة ، ثم الوحدة ، وأسس جيشا لا زلنا نبكيه إلى الآن.
 
لم تنته الطبقية بانتهاء الإمامية ، الطبقية ظلت من بعد سقوط الكهنوت في الستينيات، ولكن في عهد صالح كانا نهاية الطبقية بطريقة سلسة ، وملهمة، فإنهاء الطبقية لا تعني إنهاء الطبقة العليا لصالح السفلى المنهكة إن جاز لنا التعبير، بل كان صالح بنظريته أفضل من وقف ضد الطبقية وذلك بإعلاء جميع الطبقات كأسنان مشط واحد عبر التعليم ، فطفرة التعليم أوجدت طبقة واحدة والدلالة على ذلك بعد فترة، وجيزة جدا ، وجدنا أن الرعوي الذي كان قبل ذلك يسبح بحمد من كان يسميه "السيد" والشيخ يرشح نفسه أمام شيخه في المجالس المحلية أو النيابية.
 
وددت أن لي من المساحة سعة في كتابة كل شيء بتفصيل كامل.. 
 
تمثل ١٧ يوليو نقلة مثالية لوضع مثل اليمن ولإثبات ذلك عليكم بالمقارنة ، كما قال في أحد خطاباته، ومن الجهل مقارنة دولة مثل اليمن بمصر ، فلابد من إخضاعها للسياق المرحلي لما قبل صالح ، لو شاهدتم إحدى حفلات ام كلثوم في الثلاثينيات تكتشفون من نوعية الجمهور أن هناك مدنية متكاملة، وبذخ مصري ، أكثر بكثير مما كانت عليه اليمن قبل تولي صالح الحكم ، فنحن قبل يوليو المجيد كنا كما ولدنا عراة من المدنية ومن المعاصرة ونتأخر عن العالم بدهر لهذا كانت مرحلته مجيدة.
 
الرئيس المشكل من طبيعة البلاد ، وكما قال البردوني في كتابه اليمن الجمهوري أن صالح وحده من رؤساء اليمن الذين سبقوه ينتمي لطبقة الكادحين ، الفلاحين ، وهذا ما كان ، فمن أنجبته سنوات المنازل الشعبية وسنوات الرعي وجبال الخير والقحط ولم يعرف قبل توليه سفارة خارجية أو مطارا دوليا يستحيل أن يصبح دمية ، ولذا كان فطنة اليمن لثلاثة عقود لن تمحى من تأريخ اليمن مهما تقول المتقولون.

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية