اعتصم أتباع عبد الملك الحوثي عام 2014 على مداخل العاصمة صنعاء، في احتجاجات كان يؤكد وفريقه من الدائرة السلالية أنها بريئة من مطامع السلطة والثروة، ولا تبغي إلا إصلاح ما أفسدته الحكومة، وقال الحوثي وقتها "جربونا" فلا نريد غير إسقاط الجرعة واستبدال الحكومة وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، فصدقه كثيرون، وظل قسم كبير منهم على غفلته حتى بعد افتضاح أمره وانقلابه على كل ادعاءاته قبل 2014 فأسقط الدولة وضاعف الجرعة أضعافا، جعلت الناس يتمنون جرع "أيام زمان".

 

لا نناقش هنا من يعتقدون بانتمائهم السلالي من الحوثة، فهؤلاء يعانون غشاوة المشجرات الورقية وسكرة الاصطفاء الإلهي ونشوة الثروة والسلطة، والكثير منهم، للأسف، تنكروا لأبناء جلدتهم وألقوا بأنفسهم في وهم عرق مزعوم، بأفضل حالاته ينحدر من خارج الجغرافيا والتاريخ اليمنيين.

 

لا ننطلق في هذا الموقف من قاعدة عرقية تحت أي مسمى، لأننا متيقنون في عالم (D N A) أن نظرية العرق قد سقطت، وأسقطت معها الأوراق من شجيرات الاحتيال واللصوصية على الدين والتاريخ والبسطاء، ولأننا نعرف أن القرآن، مرجع المسيرة التي يدعيها الحوثي، حسم الأمر بقوله تعالى "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله"، ولا ندري كيف بلع مستخدَمو السلالة المزعومة طُعم "ابن طه" وأن عسكره السلاليين أحفاد الرسول، وكأن ما من مهمة للنبي ورسالة الإسلام إلا تسوية الأرضية البشرية للسهر على خدمة وراحة سلالة الوهم، أيُ تقزيم أو إساءة إلى دين الرحمة للعالمين أكبر من هذا الفكر المنتن؟ "كبرت كلمة تخرج من أفواههم".

 

غرر البداية من الممكن تبريره لعبيد السلالة، لكن اليوم وبعد مرور سنوات على تجربة الحوثي، صارت الأدلة تتواتر حتى غطت عين الشمس وملأت الأفق بغبار خرافة السلالة والولاية وأوصلت اليمنيين إلى حالة ما كانت حتى الكوابيس تتصورها، وبممارسات عنصرية تقتل عمدا كل ما هو يمني وبأساليب ما كان لإبليس أن يبتدعها.

 

من العار والجرم والبؤس أن تستمروا في جهالة العبودية لتقدموا دماءكم قرابين في سبيل مشروع توطئة الرؤوس لسيقان من يتلبس بالتقوى قولا، ويرتكب فعلا الغرور الفرعوني بالربوبية الأعلى.

 

لو لم يكن من الحوثي وأزلامه ومن يقفون وراءه من خطيئة إلا تجيير الدين بهدف تعبيد الناس للسلالة، حتى وإن كانت حقيقية، لكان سببا كافيا لاتخاذ موقف مناوئ من قبل كل يمني خارج السلالة المزيفة، وإن كان مخدر ثعابين السحر الحوثي ما زال حاجبا للرؤية فإن لائحة الخُمس أبانت أنياب العنصرية الحوثية حتى لعميان البصر والبصيرة، هذا وهو يحتاج دماءكم وجيوبكم وقودا لحربه فكيف إذا صفت له ولزبانيته الأجواء.

 

لماذا تستمرئون العبودية الطوعية، وبمجرد جولة تقومون بها في الإجازات من جبهات القتال على المكاتب التي تمثل مفاصل أجهزة الدولة، لا سيما المالية والأمنية والعسكرية، تتضح لكم بجلاء أنكم لستم أكثر من مستخدمين مؤقتين فيما أزلام السلالة الموهومة يمسكون بمفاتيح السلطة والثروة، وإذا رأيتم موقعا مهما يشغله شخص من خارج الدائرة السلالية فاسألوا بأنفسكم عما إذا كان صاحب صلاحيات فعلية وفق المقتضيات القانونية لمنصبه، أم أنه شاشة إضاءة فقط، واقعة تحت تحكم مشرف أو موظف قد يكون صغيرا، إن الحوثي لا يثق بكم، افهموها.

 

ماذا قدم الحوثي غير فساد وصلت رائحته القذرة كل قرية وحارة وكل بيت وطالت الفقراء والأغنياء على السواء، تحت ذريعة "احنا في عدوان"، يتذرع بالحرب، حسنا، الحرب فرصة نادرة لتصحيح الأوضاع بيد من حديد، ثم ما علاقة الحرب بالفساد والسلب والنهب والأسواق السوداء؟

 

استشهد الرئيس علي عبدالله صالح "عفاش" وما زال أزلام الحوثي يسوقون تبريرات للفساد بإلقاء المسؤولية على "العفافيش"، هل بقي للعفافيش وغير العفافيش في دولة الحوثي مكان، وإذا كان العفافيش سببا للفساد فعليك بهم يا حوثي، ألست صاحب الدولة والأمر والنهي؟

 

يزايد الحوثي بالأمن في مناطق سيطرته مقارنة بمدينتي عدن وتعز، وأول ما يتبادر إلى الذهن السؤال عن عدم المقارنة مع مناطق محررة أخرى تنعم بالأمان والحياة الطبيعية، الحاصل أن المدينتين تحويان فصائل مسلحة متنازعة لكل منها وسائلها الإعلامية الداعمة من جهة والمتصيدة أخطاء الخصوم لنفخها ونشرها، بحق أو باطل وبمبالغة، من جهة ثانية، بينما في المناطق الخاضعة للحوثي تتولى مليشياته الكثير من الانتهاكات الأمنية في حين سدت منافذ الحريات والتعبيرات الإعلامية وتحكمت إلى حد كبير بإبقاء المعلومات عن الاختلالات الأمنية طي الكتمان.

 

 ثم لتسأل نفسك أيها الزنبيل المتحوث، ماذا لو لم تكن منخرطا مع المليشيا، هل تأمن حقا كمواطن، إذا ارتكبت ما تعتبره المليشيا أخطاء في حقها، من تلفيق تهم العمالة والارتزاق والداعشية والتكفيرية وغيرها من المعلبات الحوثية الجاهزة، وفي هذه الحال، هل تأمن على دمك من السفك، وكرامتك من الإهانة، وحريتك من الاحتجاز والخنق، ومالك من النهب والسلب، وحرمة بيتك من الهتك والاقتحام ؟ .

 

يزايد الحوثي بالدفاع عن الوطن واستقلال القرار اليمني، أمام هذا دعونا نتساءل: هل تحرير القرار ينسجم مع إضعاف الدولة وتدمير مقدرات البلد، أو على الأقل مع تقديم المبررات أمام العالم للتدخل في الشؤون الداخلية، وهل الاستقلال أن يتحرر اليمن من الوصاية السعودية المزعومة، ويتخلى عن وقوف الأشقاء العرب إلى جانب اليمنيين في مختلف الظروف وفي المجالات التنموية وفي فتح أبواب بلدانهم لمئات الآلاف من المغتربين، ويذهب كأداة ودمية في يد ولاية الفقيه الإيرانية لتحقيق مهام مزعزعة لاستقرار المنطقة بخلق الاحتقانات الطائفية وتحفيز الاحترابات الداخلية؟

 

بالتأكيد أن عبيد السلالة المزعومة يصمون آذانهم عن حقيقة العمالة الحوثية لإيران، أو انطلت عليهم مقولات "محور المقاومة"، والقضية الفلسطينية، وقوى الاستكبار العالمي، لكن هنا كذلك لنتساءل جميعا: ما تأثير ثورة الخميني خلال أربعين سنة على القضية وهل كان إيجابيا أم سلبيا، وماذا قدمت إيران غير الفتات لبعض فصائل المقاومة الفلسطينية، ومتى؟ أليس عقب انشقاق الصف الفلسطيني بين أكثر الفصائل قوة وشعبية، وبالموازاة ما تأثير هذه الثورة في إضعاف المواقف العربية حيال القضية بإشغالها بمليشيات طائفية؟ ولنتساءل: كم ضحايا الثورة الإيرانية من الإسرائيليين والأمريكيين مقابل ضحاياها في العراق وسوريا واليمن؟ ثورة رفعت شعارات الويل والثبور للعدو "الصهيو أمريكي" فيما وجهت سهامها لجيرانها من العرب والمسلمين حتى في الداخل الإيراني.

 

قد يقولون لكم في اجتماعاتهم ومحاضراتهم ودرواتهم إن إيران ومن دار في فلكها أو "محور المقاومة"!! يتعرضون لهجمة شرسة ومؤامرات كونية؟ لكن لماذا لم ينل إيران ما نال العراق في 2003 إذا كانت بتلك الخطورة الحقيقية؟ وما تفسيرات التهديدات العسكرية المتبادلة أربعين سنة دون أن تجد لها على الأرض صدى، وما تفسير المساندة الأمريكية والإسرائيلية لإيران أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وما تفسير التوافق في الملفين الأفغاني والعراقي أوائل هذه الألفية؟

 

"تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم" زنابيل الحوثي، لنتفق أنه إذا كانت العمالة الحوثية لإيران بعد اشتعال الحرب في اليمن، فنستطيع الذهاب معكم إلى تبرير الارتباط بإيران لتعويض فارق القدرات العسكرية، وعلى نفس المنوال، تعالوا معنا، إذا كانت علاقة الدعم الإيراني للحوثي سابقة على الحرب فإن العمالة هنا تكون واضحة وغير مبررة إلا بالانخراط الحوثي في الأجندة الإيرانية والسعي لتفجير بؤرة توتر جديدة في المنطقة.

 

يقولون لكم إن إيران دولة إسلامية لا ضير من إقامة علاقات متميزة معها؟ هذا ما نتمناه، لكن لا يقوم موقفنا من إيران إلا بسبب سلوكياتها التخريبية، فهذه الدولة "المسلمة" لا تساعد سوى في أدوات القتل، ولا ترغب في التعامل كدولة مسؤولة، والعراق وسوريا ولبنان شواهد حية على الطريقة الإيرانية في التعاطي مع الجيران "المسلمين".

 

العراق بعد الغزو الأمريكي بات في الجيب الداخلي لإيران وهي من ساعدت أمريكا برجالاتها من حزب الدعوة والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية وغيرها من المسميات العميلة، ومع ذلك كونت مليشياتها الخاصة خلف الدولة العراقية.

 

أما سوريا فحليف لإيران منذ قيام ثورة الخميني وساعدتها في الحرب على العراق وعندما جاء دور إيران لرد المساعدة، قامت بذلك لكن مع فرض عقود واتفاقات تجارية واقتصادية، وأيضا، أسست مليشياتها الخاصة خلف النظام السوري الحليف القديم.

 

مئات الأسئلة الأخرى والنقاشات الممكنة في موضوع الحوثي وإيران، وما نختتم به دعوة، مخلصة صادقة متألمة،إلى أن يتوقف أبناء القبائل واليمنيون المتعاطفون والموالون للحوثي عن التشبث بدور العبيد والمستخدمين، ويتركوا الحوثي لمصيره بعيدا عن جماجمهم ودمائهم ومستقبل أولادهم وبلدهم.

 

 ولا يسعنا أخيرا إلا أن نرجو منهم قراءة قوله تعالى "إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون".

 

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية