"أدعو الجهات الرسمية لإطلاق برنامج وطني طويل الأمد للعناية بأحفاد بلال لدمجهم في المجتمع بالمستوى اللائق"، كلمات أطلقها زعيم الجماعة الحوثية، فأقام عبيده بشأنها تراتيل احتفائية مقدسة يخيل إلى سامعها أو قارئها وكأن آية قرآنية جديدة أوحاها الله إلى عبد الملك الحوثي، ولا ندري كم من الوقت سيظل عبيد السلالة المزعومة يسبحون بحمد إلههم الحوثي مع كل عبارة يقولها، مهما كانت لا تقول شيئا.
 
على العكس من أذكار وتهاليل عبيد الخُمس، العبارة تؤكد أن الحوثي، وجماعته السلالية، لا يستطيع أن يرى اليمنيين والبشر خارج المنطق العنصري العرقي وتبعاته الطائفية، ولا يمكنه أن يتصور الحياة البشرية دون الأجداد والأحفاد وقرابات الدم والعشيرة.
 
لا يدرك الحوثي وعبيده أن اليمنيين تجاوزوا منطقه العنصري الذي دأب النظام الرسّي (نسبة إلى يحيى الرسي) الإمامي على مساعي غرسه، ونجح ثقافيا في ذلك، بأي ثمن ولو كان إراقة دماء اليمنيين، بسبب أو بدونه، على قارعة كل طريق.
 
إن عدنا إلى التاريخ وما قبل التاريخ فإن من وصفهم الحوثي، في خطاب صرخة أخيه، "بأحفاد بلال" ، في إشارة إلى نظرة عرقية للأصل الإفريقي تعتمد لون البشرة وما التصق بها من ملحقات الفقر والجهل والانعزال، هم يمانيون أقحاح كحقيقة تاريخية وإنسانية باعتبار وسط شرق إفريقيا أوالقرن الإفريقي وجنوب غرب الجزيرة العربية، بالأخص، على احتكاك واختلاط يسبق الإسلام بقرون، بشواهد لا تُعد، ليست الأصول الثقافية واللغوية السامية المشتركة إلا إحدى دلالاتها، بل إن علماء الإنسان يعيدون الامتزاج إلى عشرات آلاف السنين وإلى العصور الحجرية الأولى للبشرية، عندما لم يكن برزخ باب المندب قد ظهر جيولوجيا، وكان الشرق الإفريقي ملتحما جغرافيا مع الغرب الأسيوي.
 
لم يكفِ هذا المسخ الشيطاني الحوثي أن أعاد إنتاج النظرية الإمامية العنصرية الطبقية بجر كثير ممن يعتقدون انتسابهم الجيني لعشيرة "بني هاشم" حتى يسعى إلى بذر تقسيم عرقي آخر لليمنيين.
 
ربما لا يعلم الكاهن المتواري في الكهف أن اليمنيين حسموا إرادتهم الوطنية والتشريعية باتجاه تعريفهم أنفسهم مع ثورتي سبتمبر وأكتوبر في هوية يمنية جامعة بلوروها في دساتيرهم ، وآخرها الدساتير اليمنية بعد الوحدة المؤكدة للحقوق المتساوية لمن اكتسبوا المواطَنة اليمنية بصرف النظر عن اختلافات فرعية في اللون أو الدين أو سواهما من العوامل غير الموضوعية المتصلة بالمولد.
 
 وبنفس الوقت ، وانطلاقا من الدساتير، والدستور النافذ، الملتزم بالمواثيق الدولية حرص اليمنيون على ما يوصف حقوقيا بالتمييز الإيجابي لصالح الفئات الاجتماعية الضعيفة، نتيجة ثقافات تقليدية موروثة، فصادقت اليمن على كثير من الاتفاقيات الدولية الإنسانية، كتلك المتعلقة بحقوق الطفل والمرأة والمعوقين، وعموما باتفاقيات ضد التمييز العنصري، لمساعدة الفئات المهمشة في تعدي ظروف ثقافية تمييزية سلبية كان للإمامة الرسية الدور الأبرز في خلقها، بدليل وطأة التمايزات الطبقية في مجتمعات محلية يمنية خضعت على مدى قرون طويلة للحكم والنفوذ الإمامي، مقارنة بغيرها من مجتمعات محلية وقعت تحت سيطرة زمانية إمامية أقل.
 
لنحسن الظن، عبثا، بصدق الحوثي، وليبدأ جهوده باتجاه انتشال "أحفاد بلال" من كونتوناتهم المغلقة بمنازل عشوائية غير صالحة للسكن الآدمي ونقلهم إلى منازل معارضين صادرها الحوثي وجماعته واستولوا عليها، وليبادر بخطوة إدماجية ترفع مصداقيته إلى السماء في العمل على تعديل لوني لفئة المهمشين، "الأخدام" حسب المصطلحات المتداولة يمنيا، بدعم عمليات تزاوج جماعي واسعة متبادلة بين أتباعه السلاليين وأحفاد بلال كبادرة تشجع المجتمع على كسر حاجز العزلة الثقافية المطوقة لهذه الفئة المهمشة ذات اللون الداكن.
 
 
على الهامش.. عن البيضاء
الرهان على الإخوان المسلمين أو القبيلة في حسم المعركة ضد الحوثيين رهان خاسر.
 
الإخوان محبوسون بأجندات خاصة لها ارتباطاتها الخارجية بقيادة التنظيم الدولي وعلاقاته بتركيا وقطر وغيرهما.
 
 أما القبيلة فربما كانت لها أدوار تاريخية ماضية لكن لا يجب التعويل على هذا الدور بعد ظهور الجيوش النظامية والأسلحة الحديثة، إضافة إلى التحكم التاريخي للمصالح المالية بمواقف الزعماء القبليين.

 

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية