غير مستغرَب، أن يتلقى "الخُمس" الحوثي كل هذا الضجيج في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، نظرا لم يحمله من دلالات ويخفيه وراءه من مؤشرات على المشروع الحوثي، الواضح منذ لبناته الأولى للمهتمين والمتابعين، الغامض على كثير من المتذبذبين وأصحاب نظرية "نمشي أمورنا معاهم"، ويوما تلو آخر، تتبين لهؤلاء معالم المشروع التفكيكي والتدميري ذي البعد العنصري، العرقي والطائفي، وتبعيته لإيران ولاية الفقيه، ليس فقط، على المستويات العسكرية والسياسية والإعلامية، ولكن على مستوى القاعدة الإيديولوجية.
 
بدأت مؤامرة "الخمس" في تولي حركة الولاية السلالية، عبر نواب، دراسة قانون جديد للزكاة عام 1999 بديل لقرار جمهوري بقانون سنة 1996 ، ورغم أن القانونين توسعا في مفهوم الركاز فإن قانون 96 استبعد ما يستخرج من باطن الأرض والبحر بإجراءات بحث أو تنقيب من دفع الخمس، وأحال على اللائحة التنفيذية للقانون تحديد أنواع الركاز، مهملا مصارفه، بينما قانون 99 أدرج ما يخضع للبحث والتنقيب، بعد خصم التكاليف، في مشمولات الخمس، ما يعني استحقاق 20 بالمئة من عائدات كل الأنشطة الاقتصادية الاستخراجية، متضمنة النفط والغاز ومختلف المعادن، لأنها في الغالب الأعم تستخرج بأعمال بحث وتنقيب، كما أحالت مادة تالية إلى اللائحة، ليس أنواع الركاز فحسب بل ومصارفه كذلك، وهذه الأخيرة هي المحل الأكبر للجدل القائم.
 
حاول الحوثيون، من خلال النواب الخاضعين لسلطتهم في صنعاء، تمرير تعديلات على قانون الزكاة 99 طالت المادة العامة بشأن الركاز في تضمين تفصيلات لمعنى الركاز لم تقتصر على المستخرج من باطن الأرض والبحر وإنما تعدته إلى ما هو على سطحها، وأدخلت الماء بينها، بيد أن النواب رفضوا المساس بالمواد المتعلقة بالركاز، على سوئها، فجاء الحوثيون مؤخرا بالتفصيلات من باب اللائحة التنفيذية، وتوسعوا في معنى الركاز، وأدرجوا "بني هاشم" في خمسة مصارف من ستة. ولنا أن نتخيل ما يزيد على مليار دولار سنويا من عائدات النفط والغاز تصرف لعبدالملك الحوثي ولأناس بسبب امتلاكهم مشجرات سلالية مزيفة وما أنزل الله بها من سلطان، تعجز عن الصمود أمام دراسات علمية وتاريخية جادة، ولنا أن نتخيل مشاركة أناس لكثير من أصحاب النشاطات الاقتصادية كآبار المياه الخاصة والعامة، وصناعات الطوب والإسمنت ب 20 بالمئة، لمجرد أنهم ينتمون لنسل مزعوم.
 
بصرف النظر عن المقولات الفقهية وخلافاتها حول مفهوم الركاز وصحة قياسه على غنائم الحرب المذكورة في آية الخمس، وبخصوص ذوي القربى، وبغض الطرف عن الجانب الاقتصادي برمته، فإن الأندى في لائحة الخمس الحوثية يكمن في الدلالة السياسية التي تطعن مفهوم المواطنة في الصميم، وتلقي بتطورات عقود نحو الدولة اليمنية الحديثة القائمة على السيادة الدستورية والقانونية خارج مكونات المشروع الحوثي، ما يؤكد رجعيته وتخلفه، وسعيه الحثيث إلى التقسيم العنصري للمواطَنة بحيث تحوز أقلية عرقية حقوقا سياسية كاملة (الولاية) واقتصادية متفوقة "الخمس"، بمقابل غالبية عظمى من اليمنيين، بما فيهم خدام السلالة المزيفة، محرومة من تلك الحقوق.
 
لا نتجنى بالقول إن لائحة الخمس تمثل انقلابا حوثيا حقيقيا ومكتمل الأركان على مسار اليمنيين لستين عاما مضت، وانتقاما فجّا من ثورة 26 سبتمبر وقيم الديمقراطية وحقوق المواطنة المتساوية.
سيبدو للمتأمل أن انقلاب الحوثيين 2014 ليس أكثر من لَعبة ساذجة مقارنة مع انقلاب الخمس الجديد، فالأول استهدف السلطة فيما الثاني استهدف اليمنيين جميعا.
بالغ الصلف الحوثي في إهانة اليمنيين، ومنهم المنخرطون في جماعته، باعتبارهم طبقة منقوصة الحقوق السياسية والاقتصادية، ومواطنين من الدرجة الثانية، في أرضهم ووطنهم، وفي وقت يدعوهم ليل نهار للالتفاف معه في حربه ضدهم لتمكين سلالة وهمية من رقابهم.

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية