تسعة أعوام مضت على جريمة تفجير مسجد دار الرئاسة اليمنية في صنعاء ، واستهداف الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية السابق وكبار قيادات الدولة ، وهم يؤدون صلاة الجمعة في 3 يونيو 2011 م ، اليوم الذي أعلنت فيه قوى الفوضى عن دموية مشروعها الانقلابي الهمجي على الشرعية الدستورية وعلى النظام الجمهوري وعلى النهج الديمقراطي ومبدأ التداول السلمي للسلطة في اليمن .
 
مثَّلت جريمة استهداف مسجد دار الرئاسة - بكل تفاصيلها ونتائجها وما خلفته من آثار- ذروة سنام المشروع التدميري الهمجي، الذي يحمله قادة الساحات الفوضوية والفعاليات الهمجية، التي احتشد إليها خليط من الرجال والنساء والشباب ، بينهم المتذمر من أخطاء وقصور السلطة ، وبينهم من الشباب الطامحين الذين تأملوا المشاركة  في صناعة وتحقيق تغيير إيجابي يحسن أوضاع الناس ويفتح للشباب أفاقا من الأمل ، بعد أن أتعبتهم ظروف الحياة، ومعها شحنتهم التعبئة الموجهة بكل مفردات الإحباط والقنوط .. وبينهم أيضا قطعان من الذين غسلت أدمغتهم أيديولوجيا التبعية والانقياد لأصنام السياسة ومستثمري الدين ومحتكري مواقف القبيلة، وخلف كل هؤلاء يقف قادة حزبيون كبار ، أعمت بصائرهم التصورات الزائفة لمكاسب افتراضية سيحصلون عليها بعد التغيير المزعوم ، فتخلوا عن تاريخهم السياسي ومكانتهم الجماهيرية ، وقبلوا على أنفسهم أن يكونوا شهود زور ومحللين ومهرجين وقفازات وفريق كومبارس لمشروع ( تدمير وليس تغيير ) يقوده ويخطط لاستثماره المهووسون بالاستحواذ على الثروة والسلطة والحضور الفاعل بلا استحقاق وخارج التقاليد والقيم . 
 
جريمة استهداف مسجد دار الرئاسة كشفت أن ما يحدث في الساحات ليس احتجاجا سلميا ، ولا هدفه التغيير الذي يخدم البلد ، ولا يسير باتجاه الإصلاحات السياسية التي كانت مطلوبة فعلاً ، ولن تتوقف أهدافه ونتائجه عند تغيير الحاكم أو حتى إسقاط منظومة الحكم التي يدعي قادة هذا المشروع أنها فاسدة ، وكشفت كذلك أن حشد المحتجين إلى الساحات ورفع شعارات التغيير والاحتجاج السلمي مجرد مسرحية تخفي خلف شعاراتها ودعاواها مشروع انقلاب تدميري كامل الأركان ، يستهدف النظام الجمهوري والدستور والتعددية السياسية وسيادة الوطن ومكاسب الثورة اليمنية ومؤسسات الدولة، ويضرب الاقتصاد الوطني ، ويعصف بالأمن والاستقرار والسكينة ، ويشرعن للفوضى والهمجية والخراب ، ويستهدف القيم  الدينية والوطنية والاجتماعية والاخلاقية للشعب اليمني .
 
كل هذه الحقائق وغيرها وما هو أكبر وأكثر وأخطر منها انكشفت وظهرت واضحة في تفاصيل ومفردات جريمة استهداف مسجد دار الرئاسة ، و كان يمكن لعقلاء وحكماء ووجهاء البلاد ، وفي مقدمتهم القادة السياسيون وعلماء الدين وشيوخ القبائل ورجال الأعمال والقادة العسكريون ورموز النخب السياسية والثقافية والاجتماعية  أن يتوقفوا عند هذه الجريمة بصدق ومسئولية وشجاعة ، ويطفئوا نار الفتنة ويردعوا قادة الفوضى وينزعوا فتيل التصعيد الأرعن الذي يقود البلاد كلها إلى هاوية .
 
أجزم أن قادة سياسيين وعسكريين وناشطين مدنيين وأكاديميين وعلماء دين ووجهاء ومشايخ وقادة مؤثرين كانت لهم أصوات مؤثرة في ساحات الفوضى وصلوا إلى قناعة كاملة - بعد الجريمة - أن ما يدور في الساحات لم يعد مشروع تغيير سلمي ، وأن المجرمين الذين يقودون التفاصيل يستثمرون الساحات والاعتصامات والمطالب والشعارات والقطيع - بما فيه ومن فيه - لمشروع غير سلمي وغير وطني وغير حضاري ولا ينفع البلاد ، ولا يخدم أبسط متطلبات وتطلعات البسطاء الذين تم حشدهم إلى الساحات ، وله أهداف أخرى إجرامية كبيرة وخطيرة ، لا علاقة لها بتطلعات الجماهير ولا بأحلام التغيير الإيجابي المنشود ، ولكنهم جبنوا - في تلك اللحظة - عن الوقوف في وجه هذا المشروع التدميري الخطير ، إما مكابرة أو إحساساً بالعجز عن التراجع بعد أن تورطوا وورطوا معهم عشرات الالاف من الناس الذين دفعوا بهم إلى الساحات ، وإما حقدا ونكاية بالرئيس وحزبه ونظامه ، دون إحساس بمسئوليتهم تجاه ما سيترتب على استكمال السير في طريق الفوضى والدمار الذي التحقوا به وهم قادة ووجهاء ورموز سياسية وثقافية ، واستهلكوا طاقاتهم وجهودهم ومكاناتهم بين الناس وتأثيرهم في الحشد إلى الساحات ، وجاء من تسلم قيادة هذه الساحات وسيطر عليها واستثمرها ، وسحب البساط  من تحت أقدام أولئك الذين حشدوا إليها كل أتباعهم وكل من تأثر بهم ، فسقطت الأحلام الوردية والتطلعات المشروعة، وسقطت شعارات الخداع السلمي التي دغدغوا بها مشاعر البسطاء ، ومعها سقط أولئك القادة السياسيون والعسكريون والمدنيون والدعاة والوجهاء ورموز النخب الاجتماعية والثقافية الذين اكتشفوا السقوط وأدركوا أنهم أخطأوا ، ولكنهم لم يكونوا بمستوى من الصدق والشجاعة والقدرة على تصحيح الخطأ أو على الأقل التراجع عنه .
 
شرعيًا ودستوريًا وأخلاقيًا وقيميًا ووطنيًا وإنسانيًا ومنطقيًا سقطت كل المبررات والأعذار التي تذرع بها من خرجوا إلى الساحات بعد جريمة استهداف مسجد دار الرئاسة ، ولو أن كل المبررات التي فيها شيء من المشروعية والمنطق كانت قد سقطت بدعوة الرئيس علي عبدالله صالح جميع القوى السياسية إلى الحوار ، ثم دعوته لعقد مؤتمر وطني للحوار ، ثم مبادرة 10 مارس  2011 م التي قدمها الرئيس صالح ، وأعلنها خلال مهرجان كبير في مدينة الثورة الرياضية ، وتضمنت حزمة من الاصلاحات السياسية أهمها ( الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة ،الانتقال من الحكم الرئاسي إلى البرلماني ،الاستفتاء على دستور جديد ، توسيع نظام الحكم المحلي كخطوة أولى نحو الفيدرالية، تشكيل حكومة وحدة وطنية ولجنة انتخابات من كل القوى السياسية ) ، ولأن قادة ساحات الفوضى رفضوا كل المبادرات والحلول السلمية ، وهذا يسقط كل مبرراتهم شرعا وقانونا ، وإذا ما تجاوزنا هذه الحقيقة فإن جريمة استهداف مسجد الرئاسة - بمن فيه - كانت كافية لإسقاط أي حجة أو مبرر أو ذريعة لبقاء الساحات واستمرار الفوضى ، لأن الجريمة كشفت عن مشروع إجرامي تدميري انقلابي همجي، يستهدف النظام والبلاد بكل ما فيها، ومع ذلك استمر المجرمون في مشروعهم يقودون قطيعا من الرعاع الذين غسلوا أدمغتهم واستخدموهم سلما لإحلال الفوضى التي قادت البلاد إلى الدمار والشتات والبؤس الذي نعيش تفاصيله اليوم بعد 9 سنوات من كذبة التغيير وربيع الخراب ، ولا ندري كم ستظل أجيالنا تدفع ثمن انقلاب 2011 م وجُرم دعاة التغيير وهمجية إسقاط النظام . 
 
كثيرون ممن كانوا في ساحات 2011 م وغادروها بعد جريمة استهداف مسجد الرئاسة ، وكثيرون ممن كانوا في الساحات واستمروا فيها حتى النهاية ، لكنهم بعد النتائج الكارثية التي حلت على البلاد أعلنوا عن ندمهم عبر وسائل الاعلام والتواصل وفي اللقاءات والاجتماعات والمنتديات ، وأجزم أن الغالبية العظمى ممن كانوا في الساحات يشعرون بالندم ، ويعلمون علم اليقين - ولكن بعد فوات الأوان - أنهم شاركوا في تدمير البلاد ووصولها إلى الهاوية ، وخاصة بعد أن جاءت مليشيات الكهنة الحوثية بقبحها وجرمها وعمالتها وعنصريتها واستبدادها وفسادها وزيفها وانحطاطها وإجرامها ، لتكون خاتمة القبح الذي جلبته حشود الفوضى والهمجية التي نادت بإسقاط النظام وباركت جريمة استهداف الرئيس ومن معه في جريمة تفجير مسجد الرئاسة  ... 
 
هذه الحقائق أصبحت يقينا راسخًا في أذهان غالبية أبناء الشعب اليمني ، الذي يعيش تفاصيل المأساة ويدفع ثمن حماقات الحمقى وجرائم المجرمين دمًا ودموعًا وجوعًا وتشردًا ومهانة داخل الوطن وخارجه ، ولا شك أن وعي الشعب بهذه الحقائق ، وإدراكه لسوء وقبح وانحطاط وخطورة ما وصلنا إليه ، ونفاذ صبر الناس على ما يعيشون من حياة بلا حياة ولا كرامة ولا استقرار ولا أفق مستقبلية ، ومفردات هذا البؤس والقهر والمذلة والغبن والظلم والإحباط  لا بُد وأنها غدت وقود الانفجار الكبير الذي سيعصف بالكهنة الخونة العملاء المجرمين، الذين استثمروا الفوضى والشتات ، وتسلطوا على رقاب الناس ، وجلبوا للوطن الدمار والحصار والجوع والفقر والأمراض والتخلف والمهانة والذل ،  ويستخدمون ممتلكات الدولة وحقوق الناس في التسلط والاستبداد ، ولن يطول صبر الشعب عليهم وقد أصبحت معركة تحرير الوطن من طغيانهم وخرافاتهم وظلمهم ولصوصيتهم هي الخيار الوطني الجامع ، والأمل الوحيد لاستعادة الوطن والحياة والاستقرار وتحقيق السلام . 
 
ولا عزاء لمن يبحث عن تفاصيل هامشية صغيرة قد تؤثر على سير معركة تحرير اليمن و استعادة الدولة ، أو تسهم في إطالة عمر المليشيات وتأجيل النصر الذي يراه المؤمنون باليمن قريبًا ، وإن رآه المرتعشون واللصوص والانتهازيون والمجرمون بعيدًا .. 
 
3 يونيو 2020 م

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية