في خضم الاحتفاء بالذكرى الثانية لانطلاق المقاومة الوطنية بقيادة العميد الركن طارق محمد عبدالله صالح، أجرينا حواراً مع الأستاذ عادل الأحمدي رئيس مركز نشوان الحميري للدراسات والإعلام، ناقشنا خلاله عددا من النقاط الجوهرية في مسيرة المقاومة الوطنية منذ انطلاق عملياتها العسكرية في 19 أبريل 2018م وحتى اليوم.
 
كما عرجنا مع الأحمدي على قضايا أخرى لا تقل أهمية تتعلق بدور المقاومة الوطنية في الدفاع عن الجمهورية من مليشيات الحوثي الكهنوتية واستعادة مؤسسات الدولة، إضافة إلى وجهة نظره حول طبيعة العلاقة القائمة بين المقاومة الوطنية مع بقية القوى الموجودة في المحافظات المحررة مقيماً تلك العلاقة ومبرقاً بعض الرسائل للجميع، وفيما يلي نص الحوار:
 
 
* يحتفل شعبنا اليمني في 19 أبريل بالذكرى الثانية لانطلاق المقاومة الوطنية بقيادة العميد الركن طارق محمد عبدالله صالح من مدينة المخا عام 2018 لتدشين مرحلة نضالية مفصلية دفاعا عن الجمهورية ومن اجل استعادة مؤسسات الدولة المختطفة من قبل مليشيات الحوثي الكهنوتية.. ماهي الأهمية التي شكلها تأسيس المقاومة الوطنية؟
 
أولاً من الخطأ اعتبار أن المقاومة الوطنية تأسست في ابريل 2018، لأن الدولة التي كان العميد طارق صالح أحد رجال جيشها، بدأت معركتها مع مشروع الإمامة الحوثية الجديدة مبكراً منذ العام 2004 في محافظة صعدة، في حين كانت بعض القوى تزايد في مواقفها من قبيل المعارضة غير مدركة الفرق بين السياسة والسيادة، وما تلا ذلك من تشظيات وصولاً إلى سيطرة المليشيات الإمامية على العاصمة صنعاء خريف العام 2014.
 
وفي أعقاب انتفاضة ديسمبر 2017، جاء تأسيس المقاومة الوطنية في تكوينها الحالي، ليكمل نقصاً كبيراً في الصف الوطني، بما لقائدها من صلة وثيقة بالعديد من قادة الجيش وكوادره، الأمر الذي مثّل تحوّلاً محورياً وأتاح بوابة لكثير من أبناء الشعب للالتحاق بجبهات المعركة الوطنية، ممن لم تستوعبهم مكونات الصف الوطني الأخرى. 
 
تقييمكم لحضور المقاومة العسكري والسياسي والإعلامي؟
 
 *حضور المقاومة العسكري تجسد من خلال تأمينها للساحل الغربي إلى جانب التشكيلات الأخرى في القوات المشتركة (العمالقة والمقاومة التهامية)، ومن ثم الحفاظ على ما تم استعادته بعد أن كانت المعركة قاب قوسين أو أدنى من استكمال تحرير مدينة الحديدة لولا التدخل المشبوه للمبعوث الأممي مارتن غريفيث. كذلك يتجسد الحضور في البناء العسكري، الذي حسب ما يبدو لي، جاء متخلصاً من عيوب كبّلت الى حد ما، تشكيلات عسكرية وطنية أخرى، من حيث التنظيم والبناء العسكري وانتظام الرواتب وانعدام الأسماء الوهمية، وكذا من حيث الاهتمام بالجرحى وغير ذلك.
 
 أما سياساً ففي تقديري أن المقاومة الوطنية نجحت الى حد كبير، في كسب احترام الخصوم قبل الأنصار، وقد رأينا أنه بمجرد وصول قائد المقاومة طارق صالح إلى عتق، شُنت ضده حملة شرسة كانت تهدف إلى الحيلولة دون انصهاره في بوتقة العمل الوطني الرافض للحوثي، بناء على هواجس ضيقة. 
 
ولكن مع مرور الأيام، وبفعل النجاحات العسكرية المتسارعة في الميدان، خفت حدة تلك الحملات، وساعد على ذلك الخطاب السياسي المتزن للمقاومة الوطنية، والذي ظل مركِّزاً على عدو واحد وهو الحوثي، ولم ينجر إلى أية مهاترات جانبية، ولم يستعدِ الرفاق والاشقاء في الداخل أو الخارج، ولم يزايد على أحد من شركاء النضال في بقية المناطق. وظل يوماً عن يوم، يجتذب أسماء لها وزن سياسي واجتماعي وتحظى باحترام الجميع، وكثير من هؤلاء بطبيعة الحال، هم من أنصار المؤتمر الشعبي العام، على أن المقاومة انفتحت على التيارات الأخرى. 
 
ولنتذكر مثلاً، كيف أن الحملات التي طالت المقاومة الوطنية اتخذت من عدم الاعتراف بالشرعية مبرراً للهجوم عليها، رغم أن المقاومة التزمت بما التزمت به الشرعية والتحالف في ستوكهولم، وبدا للناس يوماً بعد يوم، أننا بحاجة لقوات تتمتع بمسؤولية وطنية وعلاقات طيبة مع رفاق النضال، وفي نفس الوقت لا تخضع للضغوطات التي قد تخضع لها الشرعية والتحالف، لأكثر من اعتبار. 
 
وعلى كلٍّ، فإن لا أحد يستطيع أن ينكر أن المقاومة الوطنية في الواقع، هي جزء لا يتجزأ من المشهد اليمني الرافض للكهنوت، ويحسب لها أنها لم تتبنَ خطاباً معادياً للشرعية ومكوناتها، بل تؤازر وتهلل عند أي تقدم تحرزه القوات الأخرى.
 
 
أما إعلامياً، من خلال متابعتي لمنابر المقاومة وحتى صفحاتكم أنتم كإعلاميين، فبمقدوري القول إن المقاومة الوطنية استطاعت خلال عامين من مسيرتها، ترسيخ خطاب وطني مسؤول يركز على العدو ويثمّن في مجمله، دور بقية الأطراف، وهذا مكتسب يستحق الإشادة، وواجب ألا تحيد المقاومة عنه، وذلك بصرف النظر عن بعض الأصوات التي تبرز هنا أو هناك، وتحاول أن تعكر الأجواء، إذ الأهم أن هناك معركة واحدة هي ضد مليشيا كهنوتية وثنية تختطف مؤسسات الدولة، ولا مكان لأي خصومات، أو رغبات لحرف البوصلة باتجاه أية معارك أخرى. 
 
كيف تقيّم مكانة المقاومة الوطنية والمشروع الذي تمثله للوطن؟
 
هي الآن تحوز على مكانة لا ينكرها مُنصف، وهي مكانة تتعزز يوماً عن يوم ولا تتراجع. لكن من الواجب ألا يتم الاكتفاء بما تم إحرازه حتى الآن، إذ أن الدور المنشود منها سياسياً وعسكرياً، ما يزال كبيراً قياساً بحجم التحديات والتعقيدات الموجودة على الأرض.
 
والحديث عن المكانة ينطلق من وجهة نظري، من ثلاثة جوانب، الأول هو الخلفية التي انبثقت منها المقاومة أو فلنقل أبرز قياداتها ومناصريها، المحسوبين على تيار وطني له قاعدته الجماهيرية العريضة وخبرته الإدارية ورصيده النضالي وهو المؤتمر الشعبي العام. 
 
والجانب الثاني يتعلق بمحددات الهوية العامة الناظمة لأداء قيادة وأفراد المقاومة الذين لا يرفعون شعارات فئوية أو جهوية، بل يقدمون أنفسهم كأحد روافد المشروع الوطني متخففين من ثقّالات الماضي وأخطائه. 
 
أما الجانب الثالث فيتصل بكون كثيرين يرون في هذه القوة، امتدادا أصيلا للجيش الذي ظل تبنيه الجمهورية لعقود. ونحن عندما نقول ذلك، فهو من قبيل الدقة، وليس على حساب أي من القوى والمكونات الأخرى التي يعوّل اليمنيون عليها جميعا، في استعادة مؤسسات الدولة وهزيمة المشروع الكهنوتي كسرطان يؤخر اليمنيين كلما أرادوا اللحاق بركب الحضارة. 
 
ما هو المطلوب من المقاومة الوطنية في المرحلة القادمة؟
 
أحسب أن هناك وعياً كافياً لدى المقاومة بالأولويات الملحة أمامها، ومع ذلك لا بأس من التذكير بأهمية أن يظل الهدف الراهن هو تمتين العلاقة مع مختلف القوى الأخرى الوطنية، والسعي بكل الطرق لتفعيل كل خطوط المواجهة في معركة التحرير، والمبادرة بالتواصل مع رفاق الخندق الواحد أياً كانت مواقفهم السابقة. ومثلما نطالب القوى الأخرى المناهضة للحوثي، بمغادرة مربعات الماضي، سواء 2011 أو 2014، فإننا كذلك نطالب المقاومة الوطنية بعدم الالتفات إلى أية أصوات محسوبة عليها، ما تزال مكبّلة بحسابات ماضوية ضيقة، وعندئذ سيكون الانطلاق نحو المعركة الحاسمة أسرع إيقاعاً وأكثر ثمرة. 
 
وأيضاً، مهم ألا ننسى أنه منذ 2004 إلى الآن، تمددت مخلفات الإمامة الكهنوتية على وقع الاتفاقات المشبوهة والهُدَن الملغَّمة، وتخاذلت الأطراف الوطنية فيما بينها بطريقة كيدية خسر فيها الجميع. وبالتالي؛ فإن المقاومة مُطالبة بأن تدرك تمام الإدراك أن المشروع الإمامي الكهنوتي لن يندحر باتفاقيات تسوية، وأن أية إغراءات قد تضعها أطراف في المجتمع الدولي، ما هي إلا خديعة ينبغي التنبه لها، واتفاق ستوكهولم شاهد شاخص للعيان. 
 
أيضا، مطلوب من المقاومة أن تظل على صلةٍ بالجماهير العريضة التي تؤيدها داخل مناطق سيطرة الحوثيين. والمقاومة الوطنية في تقديري، تبدو قادرة أكثر من غيرها على اختراق الحوثيين، لأسباب عديدة. 
 
في المقابل، ما هو المطلوب من الآخرين تجاه المقاومة؟
 
أدعو الأشخاص الذين ماتزال تمنعهم المكابرة من الانفتاح على المقاومة الوطنية، إلى مراجعة موقفهم والتصرف بفروسية في هذا الظرف الحساس الذي لا يحتمل المكابرة والعناد، لأن من يعرف الإمامة حق المعرفة سوف يرتفع تلقائيا على كل الحسابات أو الثارات الحزبية أو الجهوية أو المصالح الشخصية. وكما صرحت سابقاً فإن المقاومة الوطنية والمجلس الانتقالي الجنوبي وقوات الشرعية، هم ميمنة وقلب وميسرة في معركة واحدة، لا غنى لهم عن بعضهم. ومن يفرط منهم بالآخر أو يتمنى هزيمته، فقد سلّم رقبته للعدو مع فارق التوقيت. وما يدفعني لقول ذلك، يفترض أن يدفع غيري لاتخاذ نفس الموقف، فالإنصاف يصنع الأسوياء.
 
كما أدعو الحكومة الشرعية ممثلة بالرئيس عبدربه منصور هادي، وكذا القوى الوطنية الأخرى، ألا تنصت لأية هواجس قد يبديها البعض تجاه المقاومة الوطنية، بل من الواجب التواصل والتنسيق، فالقناص الحوثي يستهدف جماجم الجميع غير عابئ ببطائقهم. وفيما يتعلق بالتحالف وتحديداً المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فهو مشكور لما يقدمه للمقاومة الوطنية ولكافة مشارب العمل الوطني في سبيل قطع ذراع إيران في اليمن، والتي لا يقتصر خطر مشروعها على هذا البلد فقط بل على المنطقة عموماً. كما نثمن الجهود التي يبذلها التحالف في سبيل تمتين الروابط بين مكونات العمل الوطني كافة.
 
كلمة أخيرة؟
 
الرحمة والخلود لشهداء المقاومة الوطنية وكل الشهداء في كل جبهات النضال، وكلنا ثقة أن اللحظة التي سوف نحتفل فيها بالعاصمة صنعاء، بالنصر على مليشيا الدجل والضلالة هي قريبة بمشيئة الله جلّت قدرته، وسيبدأ اليمن من بعدها دورة حضارية تتفجر فيها كل طاقات البناء والعمل والإبداع ويعود اليمن لموقعه اللائق بين الأمم.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية