لم يجد المجهدون نفسيا أي سبيل للطعن في المقاومة المشتركة في الساحل الغربي، فذهبوا يثيرونها مناطقية تارة، ومذهبية تارة أخرى على أمل أن يوقظوا كراهية التهاميين.. فريق من هؤلاء المجهدين نفسيا يحاكي مقولة قديمة ماتت قبل أوانها، هي عدن للعدنيين.. يقول: تهامة للتهاميين، فما لهؤلاء الجنوبيين لا يرحلون، ولماذا لا يعود أهل الهضبة إلى الهضبة؟ وفي نفوس هؤلاء وساوس قهرية مستحكمة، هي أن هؤلاء نزلوا ليحكمونا ويتحكمون بنا.. ولكن الواقع يشاهد أن لا وجود لمثل هذه البواعث أو الدوافع، ولذلك فأن التفكير المتهافت لهذا الفريق لا يجد له ظلا، أو حركة في الفضاء الاجتماعي لهذه الرقعة الجغرافية، وبالتالي ليس موضوعا للتحليل هنا.. أنما الذي يستحق التفنيد هو تفكير الفريق الثاني، الذي يدور حول المذهبية، وتحديدا الزيدية والزيود.. فهل المقاومة الوطنية- حراس الجمهورية جماعة زيدية؟

 

لا يتنبه المجهدون بالنزوع المذهبي أن المقاومة الوطنية التي يقودها العميد طارق محمد عبد الله صالح في الساحل الغربي تيار وطني جديد متعال على المناطقية وعلى المذهبية معا، وليس لديه أي التزام تجاه المذهب الزيدي أصلا، بل على العكس هو اليوم القوة الشمالية الوحيدة الفعالة المقاومة للمذهبية الزيدية في صورتها الحوثية.. وقد أكد قائد المقاومة الوطنية أن اليمن كانت عبر تاريخها موطنا لكل المذاهب الإسلامية، وتعايش اليمنيون زيودا وشوافع وصوفية وسلفية واحناف على قدم المساوة وظلوا متضامنين مدى التاريخ، وكاد يكون شعارهم: الدين لله والوطن للجميع.. بينما الجماعة الحوثية أحيت السلالية والعنصرية، وأثارت وتثير الفتن المذهبية والمنازعات المناطقية، وتعمل بدأب واخلاص لإثبات ولاءها لإيران الاثناعشرية- الإمامية، وتطلب من اليمنيين أن يمضوا خلفها، ويولون وجوهم وقلوبهم نحو طهران عاصمة ولاية الفقيه.

 

ذاك من جهة.. ومن جهة ثانية، أن أولئك المجهدين نفسيا، يركزون على وجود المقاومة الوطنية بوصفها زيدية بزعمهم، بينما المساحة الجغرافية التي تتواجد فيها، لا تزيد عن عشر مساحة تهامة أو الساحل الغربي.. ولا يلتفتون إلى الجماعة الحوثية التي تتواجد على تسعة الأعشار المتبقية من المساحة، وهي جماعة تعد نفسها الممثل الرسمي للمذهب الزيدي، وتقوم بنشره في أوساط الناس من خلال تدريس ملازم حسين الحوثي وخطب أخيه عبد الملك، دون أن ينبسوا ببنت شفه.

نكرر القول أنهم يغفلون عن تلك الحقيقة الكبيرة المتمثلة في أن القوات المشتركة في الساحل الغربي، المكونة من المقاومة الوطنية- حراس الجمهورية، وألوية العمالقة وألوية الزرانيق والألوية التهامية، (حيث غدت قوات حراس الجمهورية جزء من عدة تيارات مختلفة الانتماءات الثقافية والجغرافية، كما هو واضح) فإذا كان هذا واضحا، فأن الخصومة للمقاومة الوطنية وقادتها مردها إلى تلك الاحساسات المجهدة التي أشرنا إليها، والتي تعبر عن نفسها بكلمات بغيضة مثل الزيدية وأهل الهضبة الذين نزلوا الساحل يتحكمون ويحكمون.

وللتوكيد على وضوح الفكرة السابقة، نقول: صحيح إن القيادة المشتركة تغلبت على مشكلة اتساع الرقعة الجغرافية، وعلى كثرة وتنوع التكتيكات والتدابير التي تستخدمها ميليشيا الحوثي للاحتماء والمباغتة وتشتيت القوات، لكن هناك مبالغة في مساحة سيطرة القوات المشتركة ونفوذ المقاومة الوطنية في الساحل الغربي.. فالميليشيا الحوثية ما تزال تسيطر على معظم مساحة محافظة الحديدة وأهمها، فالمدينة الرئيسية وأكثر المديريات ما تزال في أيدي الميليشيا الحوثية، وتقتصر فعالية القوات المشتركة على أجزاء من مديريات الخوخة وحيس والدريهمي وبيت الفقيه ومساحة محدودة من مدينة الحديدة، فحسب، بل أن مديرية الخوخة ما تزال عرضة لهجوم تلك الميليشيا.

 يترك المجهدون نفسيا هذه الحقيقة جانبا، ويركزون على المقاومة الوطنية التي يلصقون بها تهمة الزيدية ظلما.. يتركون الميلشيا الحوثية التي ما تزال صاحبة السلطة والحكم والتحكم، والنفوذ الكبير في معظم المساحة التهامية، ويغضون الطرف عن الجرائم التي ترتكبها في هذه المساحة، وعن القذائف التي تطلقها عشوائيا، وعن الألغام الفردية وتلك المضادة للعربات والمركبات، والتترس بالمنازل والمباني الحكومية ونشر مقاتليها بين السكان، أو عدم تمييز أنفسهم عن المدنيين.. والأمر الجدير بالتفكير أن معظم أولئك المجهدين ينتمون لحزب الإصلاح- والتيار القظري فيه على وجه التحديد- وقليل فقط من أولئك المجهدين تهاميين صميمين، بعض منهم اليوم يشغلون الفراغ في مناطق تهامة التي طردت القوات المشتركة ميليشيا الحوثي منها.. ثم يطلعون على الجمهور يجأرون بالشكوى من تحكم وحكم أهل الهضبة الزيود.. حتى قال قائلهم: إن كون حراس الجمهورية يحاربون الحوثي مسألة لا تعنينا!

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية