لم يكن المنظر هينا أمام مراسل "وكالة 2 ديسمبر" وهو يجول في مخيمات النزوح جنوب الحديدة والمناطق النائية التي التجأ إليها عشرات الآلاف من أبناء مدينة الحديدة وريفها بسبب حرب المليشيا، ويلاحظ معاناة متفاقمة يعيشها نزلاء المخيمات بالذات منهم الأطفال الذين يتحملون العبء الأكبر في عمليات النزوح الجماعي .

مخيم العليلي ومخيم الجابري، كانا محور الزيارة للاطلاع على حال الأطفال وكيف يعيشون في صيف قائض تصل درجة الحرارة فيه الى أكثر من 37 درجة مئوية في المستوى الأدنى، فبدت حالة من المعاناة المتراكمة التي يذوقها الأطفال منذ أكثر من عام ونيف، فيما البعض الآخر جاؤوا إلى المخيمات خلال فترة الهدنة بسبب تهجيرهم من قبل الحوثي.

يجثوا يحيى (٩ أعوام) ومعه أخته سلوى ذات السبعة أعوام بمقربة من خيمة لجأت إليها أسرتهم المكونة من ١٢فردا قبل عام، وهنالك يحاولان اللعب ببعض الأعواد والعلب الفارغة لقضاء بعض الوقت لهواً، وعند كل صباح يقول يحيى إنه كان يذهب إلى نهاية المخيم لسماع الإذاعة المدرسية من إحدى المدارس القريبة منهم ليستذكر مدرسته التي دمرتها المليشيا في التحيتا ، لكنه لم يستطع الالتحاق بهذه المدرسة التي يستمع لإذاعتها نتيجة وضعه المتدهور.

وأُخرج يحيى برفقة أسرته فجر يوم جمعة من منطقة المتينة على أيدي مليشيا الحوثي التي اعتدت على أمه في المنزل وكانت تطلق عليها ألفاظا قبيحة، وعقب إخراجهم من منزلهم لاحظوا دخانا يتصاعد تبين لهم فيما بعد أن المليشيا أحرقت أجزاء من المنزل نقمة من الأسرة.

وطبقا لتقرير صادر عن منظمة الطفولة الأممية يونيسيف في الخامس والعشرين من شباط فبراير، فإن حوالي 1.2 مليون طفل في اليمن اليوم يعيشون في 31 منطقة مشتعلة بالنزاع، بما في ذلك الحُديدة وتعز وحجّة وصعدة".

وذكر التقرير حينها إنه منذ " اتفاق ستوكهولم في 13 كانون الأول/ ديسمبر 2018، لم يحدث تغيير كافٍ بالنسبة للأطفال في اليمن. فمنذ ذلك الحين، يُقتل أو يُصاب ثمانية أطفال يومياً. قُتل معظم هؤلاء الأطفال أثناء اللعب مع أصدقائهم خارج منازلهم، أو في طريقهم من وإلى المدرسة". وهو ما يظهر بشاعة المليشيا التي اتخذت من اتفاق ستوكهولم لحافاً تستر به جرائمها ضد الطفولة في الحديدة.

وعلى تلة مرتفعة من مخيم أعده النازحون في جنوب غرب التحيتا كان الطفل سالم برفقة أحد أقرانه يتفكرون في ديارهم الجديدة التي أصبحت مسكنا للمخاطر، وإجابة على سؤالنا "اين منزلكم؟" أشار سالم بيده نحو المخيم لتوثق الكاميرا تفاصيل الأسى الذي يعيشه مئات الأطفال أمثال سالم وسلوى ويحيى.

ليست الحديدة وحدها ملاذ الأطفال الفارين من جحيم حرب المليشيا، ففي الوقت الذي انتقل الأغلبية إلى جنوب الحديدة المحرر تجاوزه آخرون نحو عدن ولحج للعيش في مخيمات تقيهم جحيم الكهنوت كما هو حال الكثير من الأطفال في مخيم "الشوكاني" بمحافظة لحج.

ويكون من حسن حظ الأطفال في مدينة الحديدة بلوغهم فوق سن الخامسة لتجنب خطر الإصابة بالموت نظرا للحرارة الشديدة التي تشهدها المدينة في ظل تعمد المليشيا قطع التيار الكهربائي على ساكنيها لإنعاش تجارة الكهرباء التجارية التي يديرها قادة حوثيون.

وتوفي عشرات الأطفال في المناطق التي لا تزال تحت سيطرة الحوثيين بمدينة الحديدة ممن هم تحت سن الخامسة بسبب عدم قدرتهم على تحمل الحرارة الشديدة، خاصة منهم الأطفال الرضع الذين توفي منهم عشرة أطفال نهاية يونيو الماضي بسبب موجة الحر الشديدة وقطع الكهرباء من قبل المليشيات الحوثية وكذا سوء الرعاية الصحية في ظل الممارسات التي تنتهجها المليشيات بحق الطواقم الطبية .

ورغم أن الأمهات يذهبن بأبنائهن الى المستشفيات بمجرد ظهور أعراض تهدد حياتهم إلا أنهم يموتون في أروقة المستشفيات نظرا لفرض المليشيا الحوثية على الطواقم الطبية الاعتناء بجرحاها ما يتسبب بإهمال الحالات المرضية الأخرى.

وبات الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين بمدينة الحديدة يواجهون أسوأ المخاطر على الاطلاق في الوقت الذي ترفض المليشيا التعامل معهم كقصّر لا علاقة لهم بالحرب، بل تلزمهم تحمل تبعات حربها الإرهابية التي طالت كل اليمنيين.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية