تركيا «سدنة التطبيع» مع إسرائيل
لم يترك النظام التركي مناسبة إلا ولجأ للمتاجرة بالقضية الفلسطينية، في محاولات متواصلة لكسب الداخل التركي، وكذا تحقيق شعبية على المستويين العربي والإسلامي، ذلك رغم أن تركيا تعتبر الدولة الأولى ذات الأغلبية المسلمة.
وتتهم تركيا دول عربية بالتطبيع مع إسرائيل، رغم اعترافه أنقرة بالكيان الصهيوني منذ 1949،والتعاون الاقتصادي والعسكرية والاستخباراتية الواسعة بين البلدين، لا سيما بعد اتفاق التطبيع بينهما.
نص اتفاق التطبيع على أن تدفع إسرائيل 20 مليون دولار تعويضات لضحايا اقتحام سفينة «مافي مرمرة» الأتراك في العام 2010، مع إلزام تركيا بالمساعدة في الإفراج عن أسيرين إسرائيليين وجثتي جنديين إسرائيليين في غزة، وهو الاتفاق الذي جاء ترجمة لعلاقات واضحة بين البلدين أخذت منحنى صاعداً خلال الفترات الماضية على مختلف المستويات، وعلى رغم ذلك ما فتئت تركيا تُتاجر بالقضية الفلسطينية التي لم تقدم لها شيئاً، بشهادة تقرير سابق لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا» التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، تضمن أكبر 20 دولة داعمة للشعب الفلسطيني، لم تكن تركيا واحدة منهم.
لم تشفع خطابات وتصريحات أردوغان الرنانة، ولا المسرحية التي مثلها في قمة دافوس في العام 2009 بانسحابه من القمة آنذاك، في أن تُخفي حقيقة تلك العلاقات الواسعة مع إسرائيل التي تعتبر المورد الأول للأسلحة لتركيا، وتعتبر (بعد الولايات المتحدة الأميركية) حاضنة لثاني أكبر مصانع أسلحة تابع للجيش الإسرائيلي.
بدأ التعاون العسكري بين البلدين يأخذ منحنى مختلفاً، بعد أن احتلت تركيا شمال جزيرة قبرص في العام 1978، عندما اعتمدت تركيا آنذاك على إسرائيل في التسليح وتحديث الجيش، عقب أن فرضت الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا عقوبات على القطاع العسكري التركي، ومنذ تلك اللحظة أخذت العلاقات العسكرية في تصاعد مستمر بين البلدين، ناهيك عن العلاقات الاقتصادية وتنامي حجم التبادل التجاري بين البلدين، على أساس أن إسرائيل تعتبر ضمن أهم خمسة أسواق تعمل تركيا على تسويق بضائعها فيها، حتى إن التبادل التجاري بين البلدين قد بلغ ما يربو على 4.2 مليارات دولار في العام 2016، وزادت تلك القيمة بنسبة 14% في العام 2017. وأعلن مسؤولون أتراك وإسرائيليون عن الرغبة في زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 10 مليارات دولار خلال السنوات القليلة المقبلة.
علاقات واسعة
يقول الخبير بالشأن التركي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور بشير عبد الفتاح، إن «العلاقات التركية- الإسرائيلية لها شقان؛ ملعن وخفي، أما في ما يخص الشق المُعلن في بعض تصريحات ومواقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومته فهو الهجوم العلني على قيادات إسرائيل، حتى يوسع قاعدته الجماهيرية في الداخل التركي وعلى المستويين العربي والإسلامي»، لكن الشق الآخر في العلاقات، فهو منافٍ تماماً لما يظهر به أردوغان وكاشف لحقيقة العلاقات بين البلدين في صورتها الأهم، وهو الشق الأعمق والأكثر تأثيراً في هذه العلاقات، ذلك أن هناك علاقات واسعة على مستويات مختلفة، لا سيما الصعيد الاقتصادي والاستخباراتي والعسكري وحتى العلمي والسياحي، وتمضي العلاقات بين الطرفين بشكل مكثف جداً على هذه الصعد التي تمثل المحك الرئيسي للعلاقات بين الطرفين، مشدداً على أن إسرائيل نفسها ليست لديها غضاضة في أن يهاجمها أردوغان أو ينتقدها عبر وسائل الإعلام ما دامت العلاقات تمضي على المستويات كافة، ولو سراً.
وشدد الدكتور بشير عبد الفتاح في تصريحات خاصة لـ«البيان» من القاهرة، على أن علاقات تركيا بإسرائيل أخذت منحى مختلفاً وواضحاً منذ العام 1949 عندما اعترفت تركيا بإسرائيل، ومنذ ذلك الحين ثمة العديد من مجالات التعاون المختلفة بين الجانبين، وقد اتجهت تركيا لتعزيز تلك العلاقات كثمنٍ للانضمام لحلف شمال الأطلسي «الناتو»، ومن أجل استمرار العلاقات قوية مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي حرصت على أن تبقى هذه العلاقات وتستمر، وهو ما يفسر تنامي العلاقات بين البلدين على رغم تغير الظروف السابقة.
علاقات تاريخية
بدوره، يوضح الخبير بالشؤون التركية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، كرم سعيد، أن «العلاقات بين تركيا وإسرائيل هي علاقات تاريخية، على اعتبار أن تركيا هي ثاني دولة بعد الاتحاد السوفييتي تعترف بإسرائيل في العام 1949، وهي العلاقات التي ظلت متواصلة منذ ذلك الحين، وانتقلت من الشق التجاري والعسكري إلى الشق الاقتصادي أيضاً».
ظلت تلك العلاقات تسير بشكل متصاعد- طبقاً لسعيد- حتى عشية الاعتداء على «أسطول الحرية»، ما أدى لتدهور نوعي في العلاقات تم التحايل عليه بعد ذلك في العام 2016 بتوقيع الاتفاق الأخير بين البلدين، والذي نص على أن تدفع إسرائيل 20 مليون دولار تعويضات، في مقابل تنازل تركيا عن الدعاوى القضائية التي حركتها.
ويشير الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، في تصريحات خاصة لـ«البيان»، إلى أن «تركيا تعتمد خطاباً إعلامياً استهلاكياً في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، على اعتبار أن هذا الخطاب يلقى ترحيباً في الشارعين العربي والإسلامي، لكن هذا الخطاب فقد جزءاً من مصداقية السياسة الخارجية التركية عملياً، لا سيما أنه لا يترجم بشكل عملي على الأرض».
وأوضح أن الهدف من الخطاب التركي الذي يدّعي الحرص على القضية الفلسطينية هو فقط الاستهلاك المحلي وحشد الجبهة الداخلية، إضافة إلى محاولة إعادة صياغة الصورة الذهنية لتركيا في الوعي الجمعي العربي والإسلامي، لكن ذلك الخطاب عملياً فقد مصداقيته، على أساس أن تركيا لم تقدم شيئاً للقضية الفلسطينية.
الحاجة إلى إسرائيل
إقراراً بالعلاقات القوية بين تركيا وإسرائيل، فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي عادة ما يحاول استجداء تعاطف الشعوب الإسلامية واللعب على مشاعر المسلمين حول العالم بإبداء الانحياز للقضية الفلسطينية، لم يستطع أن يخف حاجة بلاده لإسرائيل، فقال في يناير 2016- وفق التصريحات التي نقلتها عنه وكالة «فرانس برس»- إن تركيا بحاجة إلى إسرائيل، كما أن إسرائيل بحاجة إلى تركيا، مؤكداً السعي نحو تطوير العلاقات مع الجانب الإسرائيلي.
المصدر: صحيفة البيان