صور المعاناة التي تبدو في واجهة حرب المليشيا على اليمنيين تصبح أحيانا بليغة التأثير يصعب وصفها، وسرد إيضاحاتها، لما تحويه من تفاصيل فظيعة يختزلها أناس بسطاء أراد لهم الحوثيون أن يجنوا صنوف القهر،  فقتّلتهم وشردتهم  المليشيا ووضعتهم نماذج لأبلغ قصص الإنسانية وشاهدا على ظلمها وجورها.
 
"وكالة ٢ديسمبر" تسرد في هذه المساحة قصة مواطن يمني يسكن في مديرية حيس جنوب مدينة الحديدة، عاش في واقع القهر منذ الخامس من فبراير ٢٠١٨م. وهو التاريخ الذي حررت فيه مديرية حيس وبدأت منه المليشيا حملة ناقمة ضد أبناء المديرية، أحدهم مهيوب إبراهيم مغازي. 
 
كان يسكن إبراهيم مغازي قرية "بيت مغازي" وهي قرية ريفية تقع في ضواحي مديرية حيس، وتبدو خاوية من سكانها نظرا لوقوعها في مكان عادة ما تلجأ مليشيا الكهنوت إلى قصفه عشوائيا بالمقذوفات وسلاح المدفعية والرشاشات.
 
ومنذ زمن ورث مغازي مهنة تربية ورعي الماشية عن أبيه، وواصل العمل بها كونها المصدر الوحيد لرزقه وأطفاله، وظل محافظا على عمله حتى آخر لحظات حياته وقد اقترب عمره من الخمسين عاما، لكن كانت تبدو في طالعه صروف الزمن التي جارت عليه، وتشرح تجاعيد وجهه تفاصيل قصة معاناة تتعثر في وصفها الأحرف.
 
عندما كان سكان بيت مغازي يجمعون احتياجاتهم للهرب من قصف المليشيا فضل مهيوب البقاء في منزله، وأعلن لأسرته أن الموت دون املاكه أهون من ترك الديار التي اعتادوا عليها مذ أن وجدوا على هذه الارض، وبقي هنالك وحده حارسا للقرية تزوره الرصاص والقذائف كل حين وساعة.
 
وفي أحد أيام القصف الحوثي المتعمد على القرية، سقطت قذيفة هاون على منزل مهيوب وأصابت زوجته بجروح بليغة ما زالت تعاني منها إلى اليوم، فقرر أن يغير إصراره تقديرا لزوجته المصابة وحفاظا على ارواح من تبقوا من العائلة، فغادروا على مضض يحملون أمًا قعيدة لا تقوى على الحركة.
 
خرجت العائلة ووصلت إلى مركز مديرية حيس تبحث عن الأمان المنشود في حيس فتريد لهم المليشيا غير ذلك، حيث انهالت عليهم بالقصف الذي لا يتوقف. غير أن الحاج مهيوب لم ينس مسقط رأسه وظل يزور منزله بين الفينة والأخرى يتحسس ذكريات ماضيه في قرية مهجورة حل بأهلها الشتات وأصبحت مجرد أطلال.
 
وفي منزله الجديد غرب مركز المدينة، لحقته المليشيا بقصف آخر أضاف إلى أوجاعه المزيد من الأتراح. استهدفت المليشيا المنزل بعيارات رشاشة عن بعد ما أسفر عن إصابة زوجته للمرة الثانية، وابنه عبد الله، في الوقت الذي كان فيه الحاج مهيوب وابنه الآخر وليد يصليان في المسجد. 
 
وصل النبأ الأليم هذا إلى مسامع مهيوب وهو في المحراب يدعو ربه، فهرع فورا إلى مستشفى حيس وهنالك وجد ابنه وزوجته طريحا الفراش، يتأهب الأطباء لنقلهما إلى المستشفى الميداني في الخوخة لتلقي العلاج.
 
وبينما كانت سيارة الاسعاف تغادر حيس بسرعة فائقة وعلى متنها المصابان والابن الآخر لمهيوب (وليد)، انفجرت عبوة ناسفة زرعتها مليشيا الكهنوت في منتصف الطريق الواصل بين حيس والخوخة، ما أدى إلى استشهاد وليد وإصابة عبدالله للمرة الثانية.
 
وبعزيمة لا نظير لها تحمّل الحاج مهيوب هذه المصائب لكن القهر تغلب عليها فظل يعبر عن حزنه بالبكاء، لكن بعد أسبوع واحد من حادثة استشهاد وليد خرج مهيوب يرعى أغنامه بجوار منزله لتسقط قذيفة حوثية إلى جواره وأدت إلى مقتله على الفور.
 
 لم تنتهِ قصة مهيوب باستشهاده، بل كانت بداية القصة هنا لأبنائه الذين أصبحوا أيتاما يبكون أباهم وينعون أخاهم ويحاولون تطبيب جراحات والدتهم المصابة.. وهكذا تفعل المليشيا الكهنوتية.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية