دوافع التصعيد الإيراني المتواصل في المنطقة
تشهد منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط حالةً من التصعيد المستمر منذ قرابة الشهرين، إذ كان هناك حشد أمريكي بدايةً، تلاهُ حشدٌ بريطاني متزايد في المنطقة. وَقادت تلك الحشود العسكرية والتصريحات النارية المتبادلة بين إيران وأمريكا التوقعات نحو تحولها إلى صدامٍ حقيقي ولا سيَّما بعد إسقاط إيران طائرة أمريكية مسيرة زعمت أنها دخلت الأجواء الإقليمية الإيرانية، بينما يؤكد الجانب الأمريكي على أن ذلك حدث فوق المياه الدولية ويُعد بذلك اعتداءً صريحًا وغير مسبوقٍ خلال الفترة الأخيرة على الولايات المتحدة الأميركية.
يعتقدُ خبراء كثيرون أنَّ إيران من خلال عمليات استهداف السفن المدنية في الخليج العربي وخليج عدن وعبر تنشيط الميليشيات الحوثية التابعة لها، تسعى لأنْ تُنفّذ عملياتها ضد الأهداف الاقتصادية والمدنية داخل السعودية، وإلى دفع الولايات المتحدة الأميركية إلى صدام محدود. السؤال البديهي هنا: لماذا ترغب طهران في حدوث هذا الصدام المسلح على الرغم من يقينها بعدم تكافؤ القوى أو حتى الاقتراب من ذلك؟ هناك تفسيرات ثلاثة لهذه القراءة إن كانت دقيقة:
أولًا: تعتقد طهران أنَّ الإدارة الأميركية الراهنة لن تلجأ إلى الدخول في حربٍ شاملة لأسباب كثيرة، من أهمها: التكلفة المالية الباهظة، عدم وجود تأييد شعبي بين الأمريكيين لدخول بلادهم في حرب جديدة في المنطقة بعد تجربتيْ أفغانستان والعراق مع بداية الألفية الثالثة، وأخيرًا بسبب الاقتراب من الدخول في أجواء الانتخابات الرئاسية الأميركية التي قد تؤثر الحرب سلبًا على حظوظ الرئيس دونالد ترامب في دورة رئاسية ثانية، وبالتالي فإنَّ كل ما ستقوم به – إن قررت ذلك- هو عمليات انتقامية صغيرة هنا أو هناك وهذا هدف إيراني أساسي في حد ذاته.
ثانيًا: أنَّ الدعم الدولي للموقف الأمريكي ليس قويًا جدا وتعمل واشنطن جاهدة على حشد المواقف الأممية لإدانة السلوك الإيراني في المنطقة واستهدافه لناقلات النِّفط فيها، وأن الأدلة التي قدمتها أمريكا لإثبات تورط طهران في تلك العمليات غير مقنعة للأوروبيين حتى الآن ومن ثمَّ القيام بعمل عسكري لردع إيران وإجبارها على عدم تكرار ذلك. هذا الموقف الدولي الهش جعل إيران تستمر في عملياتها مع الحرص على عدم ترك بصماتها في مسرح العملية وبالتالي تبقى الدلائل لا ترقى لمستوى يوحد الموقف الدولي لشن عمل عسكري شامل ضد طهران.
ثالثًا: أنَّ إيران وصلت إلى قناعة تامة بأن الولايات المتحدة الأميركية لا ترغب فعليا في تغيير نظام الولي الفقيه الحاكم، وأن أي رد فعل عسكري أمريكي محدود، فردي كان أو بمشاركة عدة أطراف إقليمية، سيكون في نهاية المطاف من صالح النظام الإيراني وقد يقوي من شعبيته داخليًا وخارجيًا حتى وإن نجم عنه تدمير لبعض البنية التحتية في البلاد. الأهم بالنسبة لطهران ألا تقود الحرب إلى تغيير النظام.
من وجهة نظري الشخصية أنَّ السيناريو الثالث هو الأقرب للواقع وإن كانت بقية السيناريوهات منطقية ومدعومة بالكثير من الشواهد. فإن كانت إيران بالفعل تهدفُ لتحقق هذا السيناريو فالذي ينبغي على الولايات المتحدة الأميركية عمله هو عدم الانقياد لا إراديًا نحو تحقيق الهدف الإيراني والوقوع في فخ الإستراتيجية الايرانية.
هذا يعني أن ثمَّة خيارين لا ثالث لهما، الخيار الأول: يتمثل في رفع وسائل الحماية وزيادة الدوريات البحرية في المياه الدولية لحماية السفن من اعتداءات جديدة وامتصاص كل العبث الإيراني مؤقتًا مع زيادة وتيرة العقوبات وتكثيفها واستهداف قطاعات جديدة في الاقتصاد الإيراني بهدف تجفيف مصادر النظام المالية ورفع وتيرة الغضب الشعبي داخليًا. أما الخيار الثاني: خلافًا للتوقع الإيراني وهو القيام بعمل عسكري إجهاضي يستهدف كافة المواقع الحيوية والقواعد والمطارات العسكرية وأجهزة الرادارات ومرابض الطائرات وغرف العمليات العسكرية التي تشكل كل الإمكانات العسكرية الايرانية المختلفة وتضمن عدم تمكن إيران من القيام بأي رد فعل حقيقي، بحيث تقود مثل هذه العملية-رغم خطورتها-إلى إنهاك النظام وشله بشكل كامل واستسلامه تمامًا للإرادة الدولية، الأمر الذي سيشجع الشعب الإيراني في نهاية المطاف على الانقضاض على ما تبقى من النظام وإسقاطه. أما المنطقة الوسطى بين هذين الخيارين فستكون في صالح النظام الإيراني وسوف يقوم بتوجيه الميليشيات التابعة له بالمنطقة لتنفيذ عمليات انتقامية في مناطق مختلفة وقد ترتفع وتيرة العمليات التي تستهدفُ الملاحة البحرية الدولية مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة وبورصة التأمين على ناقلات النِّفط ونحو ذلك.
* نقلا عن "المعهد الدولي للدراسات الإيرانية"