لعب العديد من اليهود والإسرائيليين في خدمة قطر في وقت كانت الدوحة أيضاً تدعم منظمات معادية لهم مثل حماس والإخوان وحزب الله. وفي تقرير مليء بالتفاصيل نشر موقع إسرائيل ناشيونال نيوز العلاقة الغريبة مع قطر تحت عنوان قطر ذات الوجهين. هذا التقرير المثير كشف عن أن قيادات يهودية في أميركا عملت في خدمة أجندة قطر لكن بعد افتضاح أمرها انسحبت وأعلنت رسميا أنها لم تعد لها علاقة بالدوحة، خاصة أن العديد من الفضائح انكشفت وأجبرتهم على الانسحاب.

 

أيضا يقدم تفاصيل عن المراكز البحثية وعن الجامعات الأميركية التي فتحت فروعا في الدوحة لأغراض غير أكاديمية بحتة وكجزء من ماكينة الدعاية واللوبي القطري ضد خصومها.

 

ويبين تقرير إسرائيل ناشيونال نيوز كيف أنه في خضم تبادل النار بين إسرائيل وحماس، بدا أن غزواً برياً إسرائيلياً كان وشيكًا إلا أن وقف إطلاق النار بين إسرائيل والجماعات الفلسطينية تفاوضت قطر على جزءٍ منه يبدو أنه ما زال قائمًا ولو بشكلٍ مؤقت على الأقل.

ودور قطر في التفاوض على إنهاء "الأعمال العدائية" ضد إسرائيل أكثر من مجرد مفارقة، لأن هذه الدولة كانت ولا زالت تمول في نفس الوقت حماس.

 

ووفق التقرير فإن علاقة الجماعة المتطرفة طويلة الأمد مع قطر تمر من خلال الإخوان المسلمين. وفي ميثاقها التأسيسي، تعلن حماس أنها فرع من جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين. ومن جانبها، أدركت جماعة الإخوان منذ فترةٍ طويلة أن حماس تعد من أجهزتها. وفي أكبر محاكمة لتمويل الإرهاب في أميركا – ضد مؤسسة هولي لاند – وصفت الوظيفة الأساسية للإخوان المسلمين في أميركا بأنها أداة لجمع الأموال والاتصالات لصالح الجماعة المتطرفة.

 

ومنذ أن أغلقت الحكومة الأميركية مؤسسة هولي لاند في تكساس منذ أكثر من عقدٍ من الزمان بسبب توجيه الملايين إلى حماس، فإن دولاً مثل قطر قد تولت زمام الأمور إلى حدٍ كبير. والمال بالنسبة لجماعة مثل حماس يمكن إعادة توزيعه. إذ يعني ذلك الاستثمار في الخدمات الاجتماعية والمنطقة نفسها. فجزء من سخاء قطر يعزز من قبضة حماس على السكان: من خلال ابتزاز سكان غزة بالخدمات، وإطعام مواطنيها مع الترويج للبروباغاندا، والحفاظ على قوة أمنية تقمع المعارضة وتشارك في قتل المشتبه بعلاقتهم بالسلطة.

إلا أن قطر لا تقوم فحسب بدعم حماس بشكل مباشر، بل تقوم الإمارة الخليجية بتمويل شبكة دعم الاتصالات الضخمة التابعة لجماعة الإخوان، بما في ذلك المؤسسات والمنافذ الإعلامية والمؤثرين على مستوى العالم.

دعم قطر للجماعات المتشددة

منذ نصف قرن، كانت قطر ولا زالت واحةً صغيرة للأساس الأيديولوجي لحماس والإخوان والعديد من أكثر المتشددين فتكًا في العالم. وفي ستينيات القرن الماضي، قام الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر مرةً أخرى بحظر واتخاذ إجراءات صارمة ضد الإخوان في مصر، مما أجبر الآلاف من المحرضين ورجال الدين ومنظمي الأنشطة المجتمعية المنتمين للجماعة على إيجاد ملاذات لهم في الشرق الأوسط وأوروبا وأميركا الشمالية.

 

ومنذ ذلك الحين، كانت إمارة قطر، ولا زالت، أكثر القواعد المضيافة لعمليات الإخوان. ومع مرور الوقت، سرعان ما ستظهر عقيدة الإخوان كأيديولجية قطر الفعلية، وذلك في ظل أن الحكم قد رحب بهم بتمويل سخي ومنح أعلى أوسمة الدولة وإقامة مؤسسات إخوانية من شأنها أن تدعم الآلاف من رجال الدين المتطرفين.

 

ومع تحول دول الخليج الأخرى ضد تسييس الإسلام، باتت قطر اليوم الدولة الرئيسية الأخيرة الراعية لنُشطاء ومجموعات الإخوان، وخاصة في الغرب. ومنذ أن تأسست قناة الجزيرة التلفزيونية المملوكة للدولة، والتي تعد أبرز صادرات قطر، في عام 1996، لعبت جماعة الإخوان دورًا مهمًا في إعداد برامجها وخطوطها التحريرية، مقدمةً بذلك الدعم الأيديولوجي القوي للشبكة.

 

ومن خلال دعم جماعة الإخوان في المنطقة، فإن مغامرة قطر تعرض أمن المنطقة والولايات المتحدة للخطر بشكل كبير. كما أنها تقوض استقرار جيرانها العرب، مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة؛ إذ إنها تدعم الجماعات في المجتمعات المنفتحة على الغرب، بالإضافة إلى أنها تقوم بدعمٍ دبلوماسي ومالي للجماعات العنيفة مثل القاعدة وطالبان.

 

وأضاف التقرير الإسرائيلي "قد نتصور أنه لن يرغب أي شخص مؤيد لإسرائيل في أن يكون في موقفٍ للدفاع عن هذه الأولويات السياسية، ولو حتى من أجل الحقائب النقدية التي تبذرها الدوحة. لكن بعد الفوز المفاجئ الذي حققه دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016، أصبح يهوديان – ممن يمتلكون صلات جيدة – في مجال الضغط (اللوبي) ووقعا عقدًا كبيرًا لتمثيل إمارة قطر الداعمة للإخوان وأحدثوا في نهاية المطاف أضرارًا كبيرة على حياتهم المهنية وسمعتهم".

 

استخدام الإعلام القطري

وتتكون منتجات حرب المعلومات من معلومات مُضللة تُترجم إلى مجموعة متنوعة من الوسائط الإعلامية – الكتب والمقالات والمقابلات التلفزيونية والمنشورات والتغريدات. وتضم مملكة قطر الإعلامية 38 قناة تلفزيونية رياضية في 36 دولة، وحقوق البث الحصرية للقنوات التي تملكها تيرنر في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما ترعى طيران الخطوط القطرية برنامجًا شهريًا يعرض على قناة سي أن أن وغير ذلك.

 

وقال بروك جولدشتاين، المدير التنفيذي لمشروع ذا لو فير، الذي يوفر الخدمات القانونية للمجتمع اليهودي: "لقد بنت قطر بشكل سريع وهادئ قوة تأثير إعلامية لا تضاهى". حيث تقدم وجهاً للغرب يُخفي الدعم لأكثر الجماعات تطرفًا.. الجماعات التي تهدد المصالح الأميركية بشدة".

 

ويشاهد قناة الجزيرة الإخبارية أكثر من 35 مليون مشاهدًا أسبوعيًا، وكان من برنامجها التحريضية "الشريعة والحياة"، ويقوم ببطولته رجل الدين الذي يتخذ من قطر مقرًا له يوسف القرضاوي وأبرز فقيه في جماعة الإخوان المسلمين.

 

أما لماذا لا يمكن لقطر أن تدير ظهرها للإخوان أو للإسلامويين المعادين للغرب، شدد الباحث ديفيد وارن على أهمية القرضاوي وإرثه في ذلك البلد. "أصبحت العائلة المالكة القطرية من الداعمين الرئيسيين للقرضاوي". وفي الوقت الحالي، يلتقي القرضاوي بشكل منتظم بالأمير وعائلته، وتقوم وسائل الإعلام الحكومية بانتظام بنشر وتسويق متعمد لصورٍ لأفراد الأسرة يحتضنون الشيخ بمودة واحترام كبير.

 

وقال ألبرتو فرنانديز رئيس شبكة الشرق الأوسط للإرسال "المشكلة الأكبر في الجزيرة تكمن في كيف قامت، طيلة جيل، بتطبيع وتعميم خطاب إسلاموي متطرف، وهو الذي كان بمثابة المصدر لجميع أنواع الحركات الإسلاموية السياسية".

 

وأشارت المسلمة الليبرالية نيرفانا محمود التي تسكن في لندن إلى أن وسائل الإعلام القطرية: "تصف الدول العربية التي تمتلك علاقات جيدة مع إسرائيل بالدول المتصهينة"في الوقت الذي لقطر علاقات وثيقة بإسرائيل ومما لا شك فيه أن مثل هذه الخطابات تجعل مسألة السلام في نهاية المطاف أكثر صعوبة".

 

واستطاعت الجزيرة الترويج لرسالتين متناقضتين تمامًا لجمهورين مختلفين في آن واحد. ففي اللغة العربية، تقوم الجزيرة بنشر سلسلة نظريات متعلقة بالمؤامرة الشريرة والمعادية للسامية، محاولةً حشد المتدينين والمتطرفين ضد محاولات الإصلاح الإيجابي في الدول العربية. بينما باللغة الإنجليزية، تقدم الجزيرة نفسها على أنها قناة تقدمية ويسارية، إذ تهاجم هذه الإصلاحات التي تتخذها هذه الدول وتصفها بالزائفة وغير الكافية. وكان الغرض من تغيير العلامة التجارية باللغة الإنجليزية إلى "AJ +” هو إخفاء الشبكة التي يديرها الإسلاميون وجذب الشباب في الغرب عبر موادٍ تنشر على وسائل التواصل الاجتماعي باللغات الإنجليزية والعربية والفرنسية والإسبانية.

 

وتحاول قناة الجزيرة المحافظة على القناع الذي ترتديه، لكنه ينفضح في بعض الأحيان. ففي الأسبوع الماضي، هزت فضيحة AJ+ والجزيرة، بدأت بسبب نشرهم لمقطع فيديو يتحدث عن إنكار الهولوكوست. حيث أنكر الفيديو – الذي أنتجوه في الدوحة – وقوع الإبادة في معسكرات الاعتقال النازية واتهم الحركة الصهيونية بالاستفادة من هذه الفظائع. وقام بعد ذلك منتقدو القناة بالتفتيش في تغريداتها تلو الأخرى معادية للغرب واليهود ومتنوعة نشرت من قبل العديد من العاملين في الجزيرة.

 

وفي محاولة لتهدئة الغضب الذي هدد بتدمير كل الجهود التي بذلتها الجزيرة في تعزيز سمعة AJ + واستهدافها للجمهور، طردت الشبكة اثنين من الموظفين. ومن جهتها قامت إسراء نعماني، بنشر تغريدة وصفت فيها هذين الموظفين بأنهما "كبش فداء"، حيث قالت: "على الحكومة القطرية أن تتحمل المسؤولية، وكل من يقوم بتقديم أعذار لقناة الجزيرة يعتبر متورطا في عملية تستر".

 

وتسببت هذه الفضيحة بإلحاق ضررٍ بجهود عملية التأثير التي تقودها قطر – ولكن لا نعلم بعد ما مدى هذا الضرر. على أقل تقدير، بات المزيد من الأميركيين يدركون أن المحتوى الذي تقدمه AJ+ على وسائل التواصل الاجتماعي والذي يستهدف أطفالهم هو عبارة عن محتوى يعود لقناة الجزيرة، التي تعتبر شبكة أجنبية مملوكة وتُدار من أجل تعزيز مصالح الدولة القطرية. هذا النوع من الكشف يعد أمرًا هامًا.

 

ويقول التقرير، "للأسف، لطالما غررت النخبة الأميركية وصانعو السياسة الذين كانوا أهدافًا ناعمة لحرب المعلومات القطرية، لا سيما أنها مغطاة ببريق يدعي أنها شبكة محترمة".

 

وبعد انتخابات 2016، تسبب شبح التهديد التي تسببت به وسائل الإعلام الإخبارية الروسية مثل روسيا اليوم وسبوتنيك ضد الديمقراطية الأميركية بغض الطرف عن الدور الكبير السلبي الذي تلعبه قناة الجزيرة وبالتالي جنبها التعرض لتدقيقٍ مشابه. ولكن في العام الماضي، بدأ الكونغرس أخيرًا باتخاذ موقف جاد حيال الأدوار التي تلعبها الدول في العمليات المعلوماتية الموجهة للمواطنين الأميركيين ومتابعي الإعلام. حيث يشترط قانون إقرار الدفاع الوطني لعام 2019 على جميع وسائل الإعلام الأجنبية التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرًا لها – بما في ذلك قناتا روسيا اليوم والجزيرة – تحديد نفسها بوضوح كوسائل إعلام تابعة لمؤسسات حكومية أجنبية، وتقديم تقارير للجنة الاتصالات الفيدرالية كل ستة أشهر حول علاقاتهم بالجهات الرئيسية الأجنبية التي تعمل لصالحها. وقام ترمب بإقرار هذا القانون في شهر أغسطس من عام 2018؛ حتى هذه اللحظة، لم تقدم أي وسيلة إعلام أجنبية أي تقرير للجنة الاتصالات الفيدرالية ولم تجعل تقاريرها متاحة للكونغرس.

 

أدوات التأثير القطرية الأخرى

قطر لا تتحكم في الشبكات فحسب. فالصورة الأكبر لكيفية مساندة أصول المعلومات الخاصة بها لبعضها البعض أمر مثير. على سبيل المثال، قد تنشر إحدى قصص الأخبار الاعتيادية أو مقاطع الأخبار التلفزيونية القطرية، وبدوره ينقلها عن دراسة مركز فكري مملوك سراً من قطر؛ ومن ثم يقدم رأي العديد من الخبراء لتسويغ أهمية الأخبار وتقديم منظور تاريخي يؤيد الدعاية القطرية. ماذا سيحدث لهذه التغطية الإعلامية إذا كانت كل هذه العناصر تشترك في أجنده لها مستفيد واحد؟

 

إن قطر، أكثر من أي دولة أخرى، استثمرت مبالغ هائلة في البنية التحتية لهذا النوع من التأثير، وهذا أمر واضح. فقد نشرت صحيفة نيويورك تايمز، في الشهر الماضي، مقالة موسعة. وقد حاول ناثان ثرال، الذي كتب المقال، إثبات أن مانحين من الديمقراطيين البارزين عملوا بشكل مخادع خلف الكواليس من أجل الحفاظ التأييد العام لإسرائيل، حتى في الوقت الذي غضبت فيه قاعدة الحزب الديمقراطي على الدولة اليهودية. ومع ذلك، لم تكشف صحيفة التايمز في هذه المقالة عن أن بعض أولئك الذين يدفعون رواتب ثرال لديهم أجندات معادية. إذ تلقت مجموعة الأزمات الدولية (ICG) تمويلًا أجنبيًا ضخماً من إمارة قطر، بجانب تمويل آخر من مناصرين مقيمين في الولايات المتحدة لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات. إن مجموعة الأزمات الدولية المؤيدة للجماعات المتطرفة ليست مركز الفكر الوحيد الذي يستفيد من أموال قطر. إذ تمتلك مؤسسة قطر أيضا فرع "مركز بروكنجز" في الدوحة، ويعد من أقدم مراكز البحث في العالم؛ تابع لمعهد بروكينغز. إن حصة الملكية المدرجة في المؤسسة، وهي "100%"، تعني سيطرة المسؤولين القطريين الكاملة على مركز بروكنجز الدوحة الذي يزعم أنه أميركي ومستقل.

 

وعلى الرغم من تعرضها للانتقاد بشكل روتيني بسبب ترويجها للتطرف الإسلامي، إلا أن "مؤسسة قطر"، كما هو الحال مع الجزيرة، تعد وسيلة لإمارة قطر من أجل استغلال القوة الناعمة – التي عادة ما تؤثر بطريقة أو بأخرى – لخدمة أجندتها. ويعتبر المساهمون الثلاثة في المؤسسة أفراد من أعلى الهرم في الأسرة المالكة في الدوحة.

 

وتنفق قطر بشكل كبير على الجامعات الأميركية – ليس فقط في الولايات المتحدة – بل أيضا أنشأت شبكة من المدارس والكليات التابعة للولايات المتحدة في الدوحة نفسها والتي يفترض ان تدعم قطر وسياساتها. فقد دفعت مؤسسة قطر الخيرية مئات الملايين من الدولارات إلى ست جامعات أميركية لإنشاء فروع لها في مجمع المدينة التعليمية في الدوحة. وهذه الجامعات هي؛ جامعة كورنيل، وجامعة تكساس إيه آند إم، وجامعة كارنيجي ميلون، وجامعة فرجينيا كومنولث، وجامعة جورجتاون، وجامعة نورثويسترن. والطلاب القطريون الملتحقون بها عددهم قليل لهذا تجلب قطر طلابا من الخارج للدراسة فيها!

 

وكشفت كل من "نيويورك تايمز" و"تابلت" من خلال المقالات التي تم نشرها في عام 2014، أنه بدلاً من إنتاج تحليلات موضوعية حول المنطقة، تحكمت الملايين القطرية في أعمال مركز الفكر. وقال سليم علي، وهو زميل زائر سابق لدى مركز بروكنجز الدوحة، لصحيفة التايمز: "كان محظورا علينا عندما يتعلق الأمر بانتقاد الحكومة القطرية".

 

ومع وجود الأجندة القطرية، لا يزال أعضاء وسائل الإعلام وصُنّاع السياسات يستخدمون هذه الوسائل الإعلامية كمصادر موثوقة للتحليل بشأن الشرق الأوسط. وغالبًا ما تعرض وسائل الإعلام المدعومة من قطر – بما في ذلك تلك مثل CNN، التي تعتمد على إيرادات إعلانية كبيرة من الإمارة الغنية بالنفط – متحدثين لدى بروكينغز ومجموعة الأزمات الدولية وغيرها من المؤسسات التي لديها علاقات مالية سرية مع الدوحة. كما أن هذا المخطط الهائل والماكر مازال مستمراً في العمل، وذلك بفضل تحيزات وسائل الإعلام وغيرهم ممن لا يريدون إمعان النظر في مصادر التمويل والتأثير.

 

بالنسبة لقطر، فإن الأوقاف التي تقدمها بروكنجز والمجموعة الدولية للأزمات ليست سوى نزر بسيط من حملة تأثير استراتيجية أكبر شُنت بنجاح في السنوات الأخيرة، والتي امتدت من هذه الاستثمارات بملايين الدولارات في مراكز الأبحاث والجامعات والعشرات من وسائل الإعلام العاصمة في العاصمة واشنطن، وحتى جهود الضغط المعقدة والصعبة مؤخرًا من قبل ثماني شخصيات هناك.

 

تجنيد موزين واللحام

عندما بدأت حدة الصراع الدبلوماسي بالتصاعد في صيف 2017، من المحتمل أن قطر قد أدركت أن هناك حاجة أكبر للتغطية الجوية في واشنطن. وهل هنالك أفضل من حث جماعات الضغط اليهودية على إقناع قادة المجتمع اليهودي المؤثرين بتخفيف حدة مواقفهم تجاه قطر؟

 

وتوج ذلك الجهد بالنجاح في عملية التأثير التي نفذتها جماعات الضغط والوكلاء الأميركيون بأموال قطرية - وتحديدًا شركة ستونينجتون ستراتيجيز، التي يديرها جوي اللحام المالك السابق لمطاعم كوشر ونك موزين، نائب رئيس الأركان السابق للسيناتور تيد كروز (جمهورية من ولاية تكساس).

 

لقد نشأ موزين ضمن المجتمع اليهودي في تورنتو. وقد كان طالبًا جيدًا ومحققًا لنجاحات كبيرة، حيث أنهى دراسته في كلية الطب في حي برونكس قبل أن ينتقل إلى دراسة القانون بجامعة ييل. وبعد زواجه من أندريا ميشيل زوكر، ابنة أصحاب المليارات في تشارلستون أنيتا وجيري زوكر، سرعان ما انخرط في مجال السياسة في ساوث كارولينا. وساعد تيم سكوت عضو مجلس تشارلستون آنذاك في واشنطن، أولاً في الوصول إلى مجلس النواب ثم إلى مجلس الشيوخ. وعمل موزين كنائب رئيس لحملة السيناتور كروز خلال حملته الانتخابية في عام 2016، وغالبًا كان يظهر مع المرشح في الأحداث التي تمت بين الجالية اليهودية.

 

أما اللحام فقد وُلد لعائلة يهودية سورية في دمشق ووصل إلى الولايات المتحدة في أوائل التسعينيات. وافتتح العديد من مطاعم الكوشر الرائدة في نيويورك، بما في ذلك برايم جريل. لكن مطاعم اللحام الناجحة على ما يبدو بدأت تغلق أبوابها واحدًا تلو الآخر. قرب نهاية عام 2017 - عندما كان عقد ستونينجتون مع القطريين قائمًا على قدمٍ وساق - أفادت مجلة فورورد عن إغلاق آخر مطاعم اللحام ، برايم في بنتلي، حيث تورط اللحام في دعاوى قضائية حول سلسلة من رحلات الفصح كوشير، يزعم أبدا إعادة ودائع عملائه.

 

وعلاوةً على علاقاته مع الحزب الجمهوري والحركة المحافظة في واشنطن، تزوج موزين من عائلة ثرية وذات علاقات جيدة. وفي مانهاتن، كانت مطاعم اللحام راقية؛ فزبائنه لم يقتصروا فقط على أهم وأقوى أعضاء المجتمع اليهودي في نيويورك، بل – وإلى حدٍ كبير – أي واحدٍ يرغب في الوصول إليهم. الجدير بالذكر أن موزين واللحام لم يكونا الممارسين الوحيدين للضغوط لصالح قطر في الولايات المتحدة، بل باستغلال مصداقيتهم لاستهداف وفضح بعض الأصوات المؤثرة للغاية، فقد تسببوا بما لا يدع مجالًا للشك في أكبر ضرر تعرض له المجتمع اليهودي ومؤيدي إسرائيل في أميركا. وتلقى الثنائي سويًا ما يقارب السبعة ملايين دولار من الدوحة، وذلك وفقًا لتقريرٍ كاشف تابع لتابلت. لم يكن ذلك مجرد أجرٌ مادي كبير جدًا لممارسين للضغوط، بل سمح لهم أن ينفقوا الكثير من الدولارات بسخاء.

 

وبالطبع، فإن السبعة ملايين دولار تعد جزءًا صغيرًا من المبالغ التي تعترف قطر بإنفاقها على أنشطة الضغط السنوية. حيث تخصص معظم الأموال لشراء المعتاد من خدمات شركات العلاقات العامة والحملات الإعلانية ومشغلي وسائل الإعلام وأعضاء الكونغرس السابقين والجنرالات والموظفين السابقين الذين يتم دفع أجورهم المادية من أجل فتح أبواب المكاتب الرئيسية للأشخاص المؤثرين داخل منطقة البيلت واي (Beltway). إن المجموعة الأخيرة هي الأكثر إثارة للاهتمام، وعندما يتعلق الأمر بشركة ستونينجتون ستراتيجيز، فإنها تعد المجموعة الأكثر مكرًا.

 

وعلى مدار عامٍ أو ما يزيد على ذلك، فإن موزين واللحام – مزودين بأموالٍ من الدوحة – أطلقوا عملية تأثير تستهدف قادة بارزين في المجتمعات المحافظة اليهودية وغير اليهودية. فقد استخدموا تلك الأموال لكسب ود مؤيدي إسرائيل وجلبهم إلى الدوحة والتبرع لمنظماتهم غير الربحية وإقناعهم في نهاية المطاف بأن قطر – راعية حماس والإخوان وحليف إيران – تعد حليفةً لإسرائيل. ولفترة من الزمن، بدا أنهم نجحوا في ذلك.

 

رفع الستار

إن عملية التأثير تعد الاستخدام الاستراتيجي للعلاقات والمؤسسات فيما بين الأشخاص. إن العلاقة طويلة الأجل أو الانتماء مع مؤسسة أو شخص يبني ويعزز نوع النوايا الحسنة الذي يمكن أن يكون ذا قيمةٍ هائلة يستغلها ممارسو الضغوط. ومن المثير للدهشة أن هذا الأمر يتطلب القليل من عمليات التواصل ومن بذل الجهد لكي يصبح هدف عملية تأثيرٍ ما حليفًا. فعلى سبيل المثال، فإن صداقةٌ طويلة الأمد مع ممارس ضغوط لصالح قطر قد تجعل شخصٌ ما مستعدٌ للوثوق والتعاطف مع وجهة النظر القطرية.

 

إن العلاقات التي يمكن لموزين واللحام استخدامها كوسيلةٍ داعمة لمصالح قطر تعد ذات قيمة هائلة. فقد مكنتهم هذه العلاقات من حشد الآخرين باعتمادات مؤيدة لإسرائيل لا يمكن الشك فيها والتي – بدورها – يمكن أن تكون بديلًا لمصالح قطر. وعندما تقوم قطر برشوة الأشخاص بنوايا حسنة مؤيدة لإسرائيل، فإنها تحقق مساعيها؛ حيث إن الآخرين الذين قد يكون لديهم إدراكٌ أقل بشأن القضايا أو المنطقة نفسها سيتبعونهم من باب الثقة.

 

إن حرب المعلومات الحديثة ماكرة ولا يمكن التنبؤ بها. ورغم ذلك، فإن عمليات التأثير تعد ماكرة كما تبدو، ونحن نعلم أنه عندما يذهب السياسيون أو المؤثرون في رحلاتٍ مدفوعة التكاليف، فهذا يعد مثالًا واضحًا على الرشوة. كما أن المنفعة المتبادلة (رحلةٌ إلى منتدى الدوحة على سبيل المثال) ليس من الضروري أن تكون فورية، وليس من الضروري أن تكون ظاهرة للعيان. ومع ذلك، هناك وعدٌ بنوعٍ من تحقيق الربح: المال أو الشهرة أو التقدم الوظيفي أو حتى النزاهة. ويمكن للدول الغنية مثل قطر أن تمد مظلة مثل هذه الأنواع من الفوائد لعدد كبيرٍ من الناس – وهم يقومون بذلك بالفعل.

 

وسرعان ما انفضحت وألقت رحلة موزين واللحام كممارسي ضغوط لصالح قطر المكثفة وذات الأجر المجزي بظلالها على سمعتهم في كلٍ من المجتمعات القوية في واشنطن ونيويورك ولوس أنجلوس. إن رغبتهم في واشنطن في استهداف خصوم جماعة الإخوان المسلمين منذ زمن طويل، بمن فيهم الرئيس المالي السابق للّجنة القومية للحزب الجمهوري والمؤيد لإسرائيل – إليوت برويدي – جعلتهم أيضًا مكروهين.

 

ويقال إن قطر كانت خلف عمليات اختراق طالت أكثر من 1500 شخصية بارزة، مثل مسؤولين في وزارة الدفاع وآخرين في وكالة الاستخبارات المركزية إلى جانب مسؤولين استخباراتيين أوروبيين، وخبراء في مراكز فكر وصحافيين وحاخام يُدعى شمولي بوتيك. فمع قيام معظم الأشخاص بممارسة الأعمال التجارية عبر الانترنت أو الرسائل النصية أو البريد الإلكتروني، بات يمكن لحملات التجسس الإلكتروني أن تلحق أضرارًا جسيمة بحق المواطنين العاديين أو البلدان.

 

ووفقًا للملفات الموجودة في محاكم مقاطعة كولومبيا، فإن هنالك مزاعم تفيد بأن كلًا من موزين واللحام اللذين يعملان في ستونينجتون كانا خلف نشر رسائل بريد إلكتروني المخترقة والمزيفة الخاصة ببرويدي. وتزعم الدعوى أن ستونينجتون "كانت من بين الوسائل التي اُستخدمت من قبل دولة قطر لتمرير الأموال للأطراف الأخرى المشاركة في الهجوم".

 

وبعد الكشف عن استهدافه، وصف الحاخام بوتيك الأمر بأنه: "هجوم خطير ومباشر من قبل حكومة أجنبية ضد مواطنين أميركيين بسبب ممارستهم للمادة الأولى في الدستور.

 

وكان برويدي هدفا رئيسيا لجهود القطريين في الولايات المتحدة، إذ تعتبر مسألة إسكاته مهمة للغاية لكل من جماعات الضغط ومموليها في الدوحة. ولقد حاولوا القيام بذلك عبر حملة تخويف إعلامية، حيث تزعم الدعوى أن جريج هاورد الذي يعمل لدى ميركوري للشؤون العامة عمل مع الصحافيين الذين يتوقون لفضح حليفٌ جمهوري لترمب. وتعتبر ميركوري للشؤون العامة شركة ضغط وشؤون عامة مسجلة كوكيل أجنبي لدولة قطر في الولايات المتحدة، كما تعد شركة فرعية تتبع مجموعة أومنيكوم الموجودة في قائمة فورتشن 500. واستفادت الهجمة الإعلامية المُنفذة ضد برويدي من المنافذ الإعلامية المستعدة للعمل بالاعتماد على معلومات غير صحيحة طالما أنها تتناسب مع روايتها.

 

وبصرف النظر عن المسؤولية القانونية وكمية الدعاوى التي جاءت نتيجة للنشاطات التي قام بها ممارسو الضغط، فإن حادثة قطر جعلت سمعتهم في الحضيض. وفي وسط الاتهامات في قضية التجسس الإلكتروني ضد برويدي، قام موزين واللحام بإبعاد أنفسهما علنًا عن الدوحة في شهر يونيو من عام 2018. حيث كتب موزين تغريدة ذكر فيها: "لم تعد مؤسسة ستونينجتون ستراتيجيز تمثل دولة قطر".

 

في نهاية المطاف، لم تنجح خطة قطر الرامية إلى جعل الجالية اليهودية الأميركية تحتضن أجندة الدوحة– على الأقل ليس كما كان يأملون. فبغض النظر عما ينفقه المرء، فإنه قد يواجه صعوبة في إقناع معظم الناس بصداقتهم.

 

إن مدى عمليات التأثير والعمليات المعلوماتية القطرية من المواضيع التي لم تحظ بتغطية وتدقيق واسعين في السنوات القليلة الماضية – بما في ذلك أيضًا حملتها لكسب ود المجتمع اليهودي. ولكن هذا الوضع يتغير بصورة بطيئة. وذلك لأن ترويج قطر للإخوان المسلمين وتحالفهم مع إيران، تسبب في جعل المزيد من الأميركيين يدركون أن قطر تمثل قوة خبيثة، ليس في الشرق الأوسط فحسب بل حتى في هذه البلاد.

 

وتدرك المؤسسات السياسية والأمنية أن قطر بلد بوجهين، واتضح ذلك عبر العديد من المسؤولين الإسرائيليين الذين هاجموا قطر في محادثتهم الأخيرة معي على هامش مؤتمر أيباك في شهر مارس.

 

ولم يكن الأمر الذي مثل الصدمة الكبرى بالنسبة لهؤلاء المسؤولين الإسرائيليين هو حملة التأثير القطرية بحد ذاتها، بل تورط القادة اليهود الذين اشترتهم الإمارة. حيث قال لي دبلوماسي إسرائيلي: "إن الزعماء اليهود الذين أصبحوا بيادق للنظام القطري الداعم للإخوان وقبلوا الرحلات المدعومة من الدولة إلى الدوحة قاموا بخيانة كبرى". وأردف قائلًا: "لقد كان هنالك قلق إزاء هذه الحملة على مستويات عليا في القدس. والمشاركون في هذا العار يجب أن يحاسبوا".

 

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية