جاحظ العينين يبدو جهدُ الزمن في تجاعيد وجهه، يستقل كرسي دفع يدوي مهترئ العجلات فاقد التوازن يتنقل به في محيط خيمته وداخلها.. هكذا كان المشهد في أول صورة لاحظها محرر «وكالة 2 ديسمبر» أثناء زيارته لأحد المسنين الذي يختزل واحدةً من قصص المعاناة الإنسانية التي تركتها له المليشيا الكهنوتية قبل عامين وتحمل وزرها إلى اليوم في حالة معيشية ونفسية وإنسانية غاية في الصعوبة.

 

حامل هذه القصة يدعى عايش عبد الله جابر عنبري، من أبناء قرية الطوافي الواقعة بين منطقتي الجديد والكدحة بمديرية ذو باب غرب تعز، في الساحل الغربي للبلاد، وهو مسنٌ في الخامسة والخمسين من عمره يعيش مقعداً في خيمة من القش على السهل الساحلي بعد أن فقد كلتا ساقيه نتيجة انفجار لغم أرضي به زرعته مليشيا الكهنوت الإرهابية.

يقول الحاج عايش في مستهل الحديث إليه أمام خيمته وبرفقة واحد من أبنائه وعدد من أحفاده الصغار الذين تجمعوا قربه أثناء وصولنا: "خرجت قبل سنتين إلى ساحل واحجة أطلب الله على أولادي، لما وصلت هناك ما كان في أحد لأني خرجت بدري، فجأة سمعت انفجار من تحتي ما لقيت حالي إلا مجدول بمسافة 15متر".

 

لم يكن يدرك هذا المسن أن لغماً أرضياً حوثياً انفجر به يومها، كان يعاين يده التي أصيبت بشظية ولم يكن يدرك أنه قد فقد رجليه في الحادث. يضيف "جلست أصيح حتى غاب صوتي، فجأة جاء أبال (راعي إبل) لعندي كان يظن أن اللغم أنفجر بناقته".

 

لوقت ليس بالقصير ارتمى عايش هناك دون أن يلاحظ أن نصف جسده قد ذاب في الانفجار، حاول النهوض إلا أنه لم يستطع فأغمي عليه، وبعدها جاءت إليه سيارة عندما رفع راعي الإبل نداء إلى أهل القرية ينبئهم بالمصيبة.

عندما عاد إلى وعيه وهو على سيارة مدنية تسعفه في الطريق نحو الحديدة، رأى رجليه وقد انفصلتا عن جسده، أجهش بالبكاء وهو يسأل مسعفيه "أين أرجلي؟"، أخبروه صراحةً "أنفجر بك لغم وتمزقت ساقيك".

 

لم يقدم الأطباء لهذا المسن شيء غير بتر قدميه، ثم أضطر إلى دفع تكاليف العلاج على نفقة أهله الذين جمعوا ما أمكن، وهنالك في مستشفى بالحديدة تبرع له أحد المرضى بكرسي دفع يدوي مستخدم سيساعده بعض الشيء في التنقل بين الخيمة وباحتها عندما يعود إلى قريته.

 

لقد زرعت المليشيا كميات من الألغام في ساحل واحجة، وهذا اللغم واحد منها انفجر وهي ما تزال تسيطر على تلك المناطق، بينما عايش كان يطعم عشرة من أبنائه أحدهم متزوج ولديه أربعة أطفال يعاني من ضيق في التنفس ولا يستطيع العمل، وهو يحتضن أباه اليوم في كوخه.

 

سألنا عايش قبل مغادرتنا ""ما الذي تحتاج إليه" قال لا شيء فقط كونوا ضيوفي اليوم، لقد دفعته نفسه الطيبة لطلبنا إلى استضافة في منزله وهو لا يملك قوت يومه البتة، فكررنا له السؤال بصيغة أخرى "كيف تحتاج الناس يساعدوك" أجاب بنفس متعففة "يدعو لي بالصبر ومن أراد أن يساعدني فما يأتي به الله أهلاً به، حالياً أريد أن يوفقني الله لامتلاك كرسي متحرك بدلاً من هذا لأنني أسقط من فوقه أحياناً وأتعور (أُصاب)".

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية