خرج الشاه من إيران، وانهار نظامه، وعاد الخميني إليها محملاً بتنفيذ برنامج "ولاية الفقيه"، وهو البرنامج الذي يقتضي تكوينه الديني بيئة خالية من المعارضة، فعمل نظام الخميني على تسوية الأرضية السياسية والاجتماعية الإيرانية بتصفية دولة الشاه، وشركاء الثورة على مدى يقارب خمس سنوات، وكانت واحدة من أهم المعضلات الجيش الإيراني المبني خلال نصف قرن في الفترة البهلوية، على الولاء للشاه، فلجأ النظام الجديد إلى مهمة مزدوجة، تقوية الحرس الثوري الذراع العقائدي العسكري للولي الفقيه وبالموازاة إضعاف الجيش النظامي القوي بتأهيله وعدده وعتاده، وغير مضمون الولاء.

 

وبالفعل بحث النظام عن وسيلة تكفل له التخلص من عقبات الداخل، وتساعد في تعبئة الإيرانيين لصالح ولاية الفقيه، فكان العدوان على العراق الطريق الأقصر – بنظر نظام الخميني – لتصفية المشاكل الداخلية من ناحية، وتنفيذ المهمة الجديدة في زعزعة استقرار المنطقة العربية، من خلال محاولة ضرب العراق الذي تصاعد دوره القيادي في المنظومة العربية، برؤية قومية ومشروع نهضوي شكل خطراً حقيقياً على الكيان الصهيوني.

 

ولعل المهتمين يعرفون الدور العراقي في الحروب العربية الإسرائيلية، وعقب توقيع السادات اتفاقيات كامب دايفيد مع الإسرائيليين. وإذا راجعنا السياسات الغربية منذ البروز الأوروبي ثم الأمريكي نلحظ عدم استعدادها قبول المشروعات السياسية ذات البعد القومي العروبي، ابتداءً بمحمد علي ومروراً بعبد الناصر وأخيراً صدام حسين.

 

بدأ نظام ولاية الفقيه، المؤمن بتصدير ثورته، تحرشاته بالعراق.

 

بعد توقيع اتفاقية الجزائر العام 1975م بين العراق وإيران، أوفت الأولى بالتزاماتها، فيما شكلت لجنة من الدولتين لتسوية المسائل الحدودية بينهما، وتسليم أراضي للعراقيين حسب الاتفاقية، ومع نجاح الثورة في إيران رفض الخميني إرسال أعضاء جدد إلى لجنة الحدود الإيرانية العراقية، كما أن الخميني رد على برقية، أرسلها الرئيس العراقي صدام حسين بمناسبة الفوز باستفتاء شعبي، وذيل الرد بعبارة " السلام على من اتبع الهدى"، ما أوحى باتجاه سياسي للدولة الإيرانية الجديدة يعتبر النظام العراقي كافراً، وبالنتيجة مستحقا للعداء.

 

أما على المستوى العسكري والاستخباراتي، شرع الإيرانيون بأعمال تخريبية في العراق بينها محاولة اغتيال طارق عزيز أحد كبار المسؤولين العراقيين، والاعتداء العسكري بأسلحة ثقيلة على أراضي ومدن عراقية حدودية واحتلال بعضها، وإصدار بيانات عسكرية إيرانية بالخصوص، رغم محاولة الجانب العراقي التعامل مع التطورات الجديدة سياسياً، من ذلك رفع شكاوى بالاعتداءات الإيرانية إلى الأمم المتحدة.

 

اضطر العراقيون بعد ما يقارب ثلاثة أسابيع في سبتمبر 1980م إلى رد عسكري قوي على الاعتداءات الإيرانية، وفق حسابات قرأت خطورة السياسات العدائية لنظام ولاية الفقيه، وهي القراءة التي أثبتت تطورات الثلاثة العقود الأخيرة صحتها.

 

ومع اتساع الحرب بين الجانبين، واستمرارها ثماني سنوات، وقتل جورج وأسر مئات الآلاف من الضحايا، ظل نظام الخميني رافضاً لكل مبادرات السلام الإسلامية والدولية، بما فيها قرارات صادرة عن مجلس الأمن تدعو لوقف الحرب، في مقابل القبول الدائم من قبل العراقيين لإنهاء النزاع، وبقي الخميني ونظامه يؤكدون مراراً أن حربهم لن تنتهي إلا بإسقاط النظام البعثي "الكافر" الأمر الذي تم بالفعل لكن على أيدي الأمريكيين مباشرة في العام 2003م، إثر فشل الوكيل الإيراني في الثمانينيات، والعدوان الثلاثيني في التسعينيات.

 

وعندما أرغمت الانتصارات العراقية، في السنة الأخيرة من الحرب الإيرانيين على قبول القرار الأممي (598) بوقف إطلاق النار بين البلدين، فإن الخميني شبه قبوله القرار بتجرع السم.

 

سلسلة حلقات تنشرها وكالة 2 ديسمبر من ملف بعنوان (السرطان الفارسي) – الحلقة العاشرة..

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية